أحبك.. أطعمك.! أهنئك، أطعمك، أقدرك، أستقبلك، أودعك،.. أطعمك.! نحن مهووسون بالأكل بل محكومون به. ننام على الأكل، ونصحو عليه. نذهب الى استقبال، حفل، مباركة، محاضرة، معرض فني، حتى الندوات السياسية، فتستقبلنا كميات هائلة من الطعام، تكاد تهجم علينا قبل أن نهجم عليها. نجلس الى مائدة الغداء، فنفكر في العشاء، وأثناء العشاء نفكر بما سنأكله في اليوم التالي، ما نفعله بتعبير أكثر قسوة: هو شروع بالقتل في حق أنفسنا يوميا. نحشو بطوننا بشحوم ودهون لو عبئت في سيارة لانطلقت من دون بنزين، وبعد هذا كله، نشرب الشاي الاخضر (لزوم الريجيم)!
حتى مواقع الشبكات الاجتماعية كالفيسبوك وتويتر وانستغرام، وهو موقع لتبادل الصور بين المشتركين، أصبحت متخمة بصور الطعام: فهذا يجلس في مطعم، ويصور لنا وجبته طبقا طبقا. وتلك تضع لنا يوميا صنفا جديدا (وياريت من عمل يدها). الى درجة أن أحدهم قال إننا كنا نسمي بالله ثم نأكل، أصبحنا نصور ثم نأكل! وعلق آخر، ان موقع انستغرام «كرّش» من فائض صور الطعام على صفحاته.
بعد كل هذا، نفاجأ بالاحصاءات التي تضعنا ضمن أكثر شعوب العالم سمنة، وأكثرهم اصابة بالسكري وضغط الدم، فضلا عن تصلب الشرايين والنوبة القلبية والجلطة الدماغية، وغيرها من أمراض.
المشكلة ليست ثقافية، فما من بني آدم يجهل مخاطر السمنة، ولا كيفية تقليل الوزن، ولا فوائد الرياضة والحركة. فالكل يعرف ويفهم، يقرأ ويدرك، انما الشراهة ليس لها حل، وهوسنا بالطعام يمكن أن يكون أكبر مشاكلنا الطبية، بل أكبر من الطب نفسه.
للأسف، يستسهل كثيرون الحلول الجراحية، التي أصبحت «موضة»، فعمليات التخزيم والتحزيم والبالونات التي انتشرت أخيرا أصبحت «الدرزن بربع»، واعلاناتها تظهر جنبا الى جنب مع اعلانات المطاعم وصالونات التجميل. والعملية صارت تجارة بتجارة: ادفع تنحف، ادفع وصغّر معدتك، ادفع واشفط شحومك… وهات يا قص بلحوم البشر حتى لأصغر الفتيات والشباب. هذه العمليات أصبحت كعمليات تنظيف الأسنان، أو ربما أسهل. ولم يبق طبيب الا وأجراها في احد «دكاكين» الجراحة المنتشرة، وأخشى أن يأتي اليوم الذي سيقوم به خياط الجمعية بفتح فرع تخزيم معدة في دكانه.
ان الكارثة تنحصر في شرط اجراء العملية هو أن تكون فوق «100 كيلو»، لذلك يقوم بعضهم بتسمين انفسهم كي يصلوا إلى الوزن الذي يسمح لهم باجراء العملية. فلقد صدمتني مراهقة وجدتها تأكل بشراهة، نبهتها على استحياء، فردت: مو مشكلة، اتركوني آكل ما أريد الآن، وعندما أصير 18، أصبح بالوزن المطلوب لأعمل عملية تخزيم للمعدة.
يا له من كسل، ترف، بطر، شراهة، فراغ، وانعدام الحس بالمسؤولية، بينما في الواقع المعادلة بسيطة وسهلة، ولا تحتاج لا إلى أطباء ولا إلى جراحين.. خففوا من الأكل، غيّروا نمط معيشتكم، وقليلا من الرياضة… وبس..!
كاتبة كويتية