(وو) بدأت الثورة المصرية في 25 يناير 2011 وكان قوامها شباب وأشخاص من الشعب بكل طوائفه؛ وقد إنضم إليهم البعض من شباب الإخوان المستنيرين، بصفتهم الشخصية لا باعتبارهم أعضاء في الإخوان المسلمين (وقد كان هذا شرط قيادتهم).
وفي الوقت الذى اندلعت فيه الثورة واشتدت، كان اثنان من قيادة الإخوان المسلمين – وبموافقة مكتب الإرشاد لاشك – يتحاوران ويتفاوضان مع أحد رموز السلطة السابقة، قصدَ سحب شباب الإخوان من الثورة، وتوجيه أجهزتهم السرية للقضاء عليها. وبهذا ظهر التناقض في المواقف بين الأعضاء التقليدين في “الجماعة”، والشباب المستنير فيها. ذلك أن القيادة الإخوانية كانت تتفاوض على الحصول على مكاسب عاجلة، حتى تقضي – في تصورها – على الثورة البادئة. واشتدت الثورة ونجحت يوم الجمعة 11 فبراير 2011، حين تنازل الرئيس السابق عن الحكم، وأسنده إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وهو قرار معدوم ولا أثر قانونياً له، لأن من تنازل عن السلطة ليس له أن يتخذ أى قرار بعد تنازله.
وبدأت على الفور مسألة الشرعية وتحديد الوضع الدستوري. وفي واقع الأمر، فإن نجاح الثورة يعني -باللزوم والضرورة- سقوط الدستور القائم (دستور 1971) وابتناء شرعية المجلس الأعلى للقوات المسلحة على الثورة. لكن الإخوان المسلمين سرعان ما واصلوا العلاقة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولم يكونوا من الناصحين بالحق، والمشيرين بالصواب، لكنهم أرادوا مواصلة جهدهم في خيانة الثورة، للحصول على مكاسب، تخولهم الشرعية والعمل في الحقل السياسي. وحدث نتيجة ذلك انحراف عن الثورة، واتجاه لتصفيتها حتى يخلو الجو للإخوان المسلمين، وغيرهم من تيار الإسلام السياسي (وهو ما حدث على نحو آخر بداية إنقلاب 1952).
كان الرئيس السابق قد شكل لجنة برياسة رئيس محكمة النقض لإعادة صياغة مواد في دستور 1971، لامتصاص الغضب الشعبى والعسكرى من مبدأ التوريث (توريث الرئيس سلطته إلى إبنه). وبعد الثورة سقطت هذه اللجنة، كما أن دستور 1971 سقط كذلك. لكن مستشارو السوء أوهموا للمجلس العسكرى أن معنى سقوط دستور 1971، وابتناء شرعيتهم على الثورة، أن يكون للثوار شأن في شرعية الحكم وفي وضع دستور جديد، ومن ثم فإن الأمر –في تقديرهم- كان يعنى بقاء دستور 1971، وإجراء التعديل الذى قصد إليه الرئيس السابق، وطرح هذا التعديل للإستقتاء الشعبي، ونتيجة الإستفتاء هى التى تُضفي الشرعية على المجلس العسكرى الأعلى (وماذا عن الشرعية من يوم 11 فبراير حتى 30 مارس تاريخ إعلان نتيجة الإستفتاء؟). بهذا إستمرت لجنة تعديل مواد الدستور –التى تحددت من قبل- وأعيدَ تشكيلها بجعل رياستها لمستشارٍ غلبت عليه الميول الإسلامية (بعد أن كان باحثاً وطنياً) وضُمَّ إلى عضويتها اثنان من الإسلاميين المتشددين. وأُجريَ إستفتاء يوم 19 مارس 2011 على تسعة مواد عدلتها اللجنة، وشحنت قوى الشعب، الذى تغلب عليه الأمية، وزعم بعض خطباء المساجد، وغيرهم ممن يُعد في نظر الشعب الأميّ مثل هؤلاء الخطباء وفي سلطانهم، أن الإستفتاء يجرى على مبدأ تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية وهو ما نصت عليه المادة الثانية من الدستور (ولم تكن مطروحة للإستفتاء).
وهكذا بإدخال الغش على الشعب، وإدخال الغش على المجلس العسكرى الأعلى، انتهى الإستفتاء – الذى شابته وخالطته – معايب كثيرة وعوار يعدمه، بإدخال الغش على الجميع – عدا المستنيرين – إنتهى الإستفتاء إلى الموافقة عليه، أو بالأحرى إلى الموافقة على ما لم يكن موضوعَ الإستفتاء. كما أنّ الزعم بأن المجلس العسكرى الأعلى قد حصل على الشرعية بالموافقة الشعبية المغلوطة على الإستفتاء، خطأ قانوني وعِوارٌ في الفهم، فمن لم تكن له شرعية قبل إصدار القرار الذى تم الإستفتاء عليه لا يحصل على الشرعية بموافقة الشعب عليه؛ خاصة وأن شرعيته لم تكن موضوع الإستفتاء.
(زز) في يوم 20 مارس 2011 اهتز الواقع السياسي، والإجتماعي، والفكري، اهتزازاً شديداً أدى إلى استقطاب الشعب في جبهتين، جبهة الإسلاميين من جهة، وجبهة المسلمين والمسحيين (الأقباط) من جهة أخرى.
1.. فقد قال شيخ وهو يتمايل ويتغنى، “لقد إنتهت “غزوة الصناديق” التي حدثت وفق رغبة الديموقراطيين، وكان فوز الإسلاميين ساحقاً، وعلى الآخرين أن يبحثوا لهم عن بلد آخر يعيشون فيه، وأمامهم كندا والولايات المتحدة”.
2.. وقال شخص منسوبٌ إلى الجماعة الإسلامية مثل هذا القول، بما يعني إنه كان محل اتفاق بين فصائل تيار الإسلام السياسى.
3.. وظل يكرّره في قناة “الجزيرة” – “مباشر مصر” – شخص منسوب إلى الإسلاميين إذ قال ما مؤدّاه “هذه هى بلدنا وها هو الشعب يحكم. ومن لا يعجبه الحكم الإسلامى فعليه أن يرحل عن مصر”.
4.. وأكد عليه الرئيس السابق لجماعة الإخوان المسلمين قائلاً “من لا يعجبه حكم الإخوان فليرحل عن مصر”.
وهكذا، وبتصريحات أخرى لم تُرصَد، فقد حدث استقطاب كبير، وشرخٌ عظيم، في بنية المواطنة، لم يحاول أن يتداركه أحد من “مكتب الإرشاد” أو من “المجلس الأعلى العسكري”. وتأكد الإستقطاب واتسع الشرخ، خاصة حين رسمت الإدعاءات السابقة بلاد الهجرة من مصر، للمسلمين السعودية وليبيا، وللمسحيين أمريكا وكندا.
(ح ح) وبدأت تصفية الثورة والقضاء على الثوار، بإسلوب ممنهج سقيم وغير حقيقي. فقد ظل القول يتوالى وهو يؤكد أن الثوار بلطجية، وهو قول نفته قوائم الشهداء التى برزت فيها أسماء شيخ فاضل من مكتب الإفتاء، وطلبة مثقفون من أسر طيبة، منهم أطباء ومهندسين وغيرهم، هذا فضلاً عن الشباب المصاب – وهم كثير – من أبناء الأسر الكريمة المتوسطة أو الكادحة أو المكافحة.
وأُجريَت الإنتخابات النيابية على عجل، وبتفصيل وتخطيط لصالح تيار الإسلام السياسي. وشاب الإنتخابات عِوار جسيم وبطلان لا شك فيه.
1.. فقد أُجري تقسيم النظام الإنتخابي على نحو صدرت من المحكمة الدستورية العليا، أحكام ببطلانه، ومن ثم فالحكم عليها بالبطلان وارد لا شك فيه.
2.. وقُدِّمت شكاوى كثيرة (قيل أنها أكثر من 5000 شكوى) إلى اللجنة القضائية العليا للإنتخابات، فالقت بها في سلة المهملات ولم تحقق ولا في شكوى منها.
3.. ولم تستطع محكمة النقض أن تفصل في صحة عضوية الأعضاء المطعون أمامها على صحة عضويتهم، وهم عدد كبير جداً من الأعضاء، لعدم وجود أوراق وبطاقات الإنتخاب الخاصة بهم. مع أن القانون يقضي بأن تفصل محكمة النقض في صحة أو بطلان العضو الذى يطعن على عضويته، خلال شهر من تقديم الطعن. وقد مضى شهر وشهور ولا سماع لأي صوت.
4.. ولاحظ الشعب أنه لا يوجد في مجلس الشعب أو الشورى – وأغلبهم من الإسلاميين – أى شخص كفء أو مؤهل لعمله. وقال أحد كبار الإسلاميين:
إنه لا يوجد بين أعضاء مجلس الشعب شخص واحد مؤهل للعمل فيه.
(يتبع)
saidalashmawy@hotmail.com
القاهرة