في المقالات السابقة من هذه السلسلة (من المقالة رقم 8 حتى المقالة رقم 16) شرحنا وجهة نظرنا في الفكر الإسلامي والخلافة الإسلامية وصلة السياسة بالإسلام وما يُقال عن دعوى تقنين الشريعة، فهل رأى أي قارئ أو أي فرد من أفراد التيارات الإسلامية فيما كتبت طعنا في الإسلام أو قدحا في الشريعة؟ ولماذا سكت الجميع – نافذون أو تابعون – عمّا كتبت ولم يرد أحدهم ولو بمقالة أو بكلمة؟
وهل من المقبول – بعد هذا الصمت الرهيب – أن يُطلَق عليّ اتهام مرسل بلا دليل؟ أو يُشاع عني وصف غير صحيح أو توجه ضدي حملة بل حملات من الإساءة إلى سمعتي (وقت أن كنت قاضياً أجلس على أرفع منصات القضاء) أو أن يُؤجر قلم متدنٍ ليحمل عليّ بكل نقيصة، مع أن كل النقائص لصيقة بمن استُؤجر؛ ولم أرد على ذلك ترفّعاً عن التدني وتسامياً عن التبذل، تاركاً الأمر إلى التاريخ وموازينه دقيقة، تنصر الحق وتزهق الباطل.
لقد صدرت عنى كتب كثيرة في الإسلاميات هي (1) أصول الشريعة (2) جوهر الإسلام (3) الربا والفائدة في الإسلام (4) الإسلام السياسي (5) معالم الإسلام (6) إسلاميات وإسرائيليات (7) العقل في الإسلام (8) الخلافة الإسلامية (9) والإسلام والسياسة، فلمْ يتصدَّ لها شخص محترم أو قلم غير مأجور بالرد العلمي الصحيح في أسلوب مهذب لا سب فيه ولا تجريح. وكان كل الخلاف بيني وبين الفصيل الأكبر من جماعات الإسلام السياسي هو التأكيد على الفصل بين الدين والسياسة، على اعتبار أن غاية الدين تتعارض مع أسلوب السياسة، وهو أمر ثبت وتأكد فيما بعدَ ابتدائي القول به، وأكد عليه بعض كبار جماعة الإخوان المسلمين المشهود لهم بالعدالة والحكمة، كما أن الشعب كله – في مصر وفى غيرها – بدأ يطعن على أداء التيار الديني السياسي وأسلوب عملهم في الإنتخابات وتصرفاتهم تحت قبة البرلمان ونزعتهم الإقتصادية ورفضهم قبول أي رأى سليم من الرجال العقلاء والشباب المستنير داخل تنظيمهم. هذا فضلاً عن وقوفهم إلى غير جانب الشعب ومصلحته، سواء في الشئون الداخلية أم في الشئون الخارجية، ناهيك عن الترويع والتفزيع الذي يرفعون به جهيرتهم، وهى أمور سوف تَرتدّ عليهم فيشربون أكواب الحنظل و ويتجرعون كاسات المرّ، نتيجة ما فعلوا وما يفعلون.
إن القرآن الكريم أورد في آياته أقوال المعارضين ثم فنّدها بالحسنى والرأي الصادق الصحيح، وقال موجهاً الخطاب إلى النبي (صلعم) وجادلهم بالتي هي أحسن.
لكن تيار الإسلام السياسي لم يفعل ذلك أبداً، بل إنه دلل على أنه اتجاه سياسي في الأصل وعمل حزبي في الحقيقة، حين قال قولة لو قالها أحد غيره لأحلّوا دمه ورموه بكل سوء وروعوه وهددوه؛ إلى غير ذلك من الأساليب الإرهابية. فلقد قالوا (إن الإسلام جزء من السياسة والسياسة جزء من الإسلام). هل يمكن لعاقل أو ذي إيمان صحيح أن يعتبر ويقول ويكرر أن “الإسلام جزء من السياسة”، وما هو الأصل في الأمر : الدين الذي تصدر عنه كل الأنشطة وتكون محكومة بمُثله وأخلاقياته، أم السياسة التي يمارسها الكثيرون، وليست مقصورة عليهم، ولا هي موقوفة على أنشطتهم؟
إن النشاط البشرى مأمور به ومحكوم بكل قواعد الإسلام، لكن العمل الذي يصدر عن المسلم في ساحة السياسة ليس مقدساً ولا معصوماً، كما بينّا ذلك في المقالة السابقة حيث ذكرنا أن القاضي يفصل في الدعاوى – حسب أحكام الشريعة – لكن حكمه لا يعتبر معصوماً ولا مقدساً، وإنما يجوز الطعن عليه بالاستئناف أو النقض أو غير ذلك. فلم يكون هذا هو الأصل في كل عمل يصدر عن نص ديني، ولا يكون كذلك في العمل السياسي الذي لم ينص عليه القرآن ولا ورد في أي مذهب أو رأى لفقيه مسلم؟
في يوم 26/01/2012 نشر موقع اليوم السابع حديثاً للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح – القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين – قال فيه إن مساوئ تأسيس الإخوان حزباً سياسياً ستظهر فيما بعد وستضر الدين والسياسة معاً. وفى كل أحاديثه نعى الدكتور محمد حبيب – القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين – سوء مسلكهم وانحرافاتهم، ونُشر في الموقع الإلكتروني “مصراوى” بتاريخ 19/03/2012 أنه بسبيله إلى إصدار كتاب عن مساوئ الإخوان المسلمين.
ونحن نكتفي بما قاله ويقوله هذان الرجلان، لأن كلاً منهما مشهود له برجاحة العقل وسلامة التصرف، هذا فضلاً عن إيثار المصلحة العامة وقول الحق وحسن الخطاب. يضاف إليهما شباب الإخوان المسلمين – الذين درسوا في الجامعات المعتبرة – والتي تفرض في دراستها ومناهجها أسلوب معرفة الرأي والرأي المخالف، وهو ما ينأى بالدراسة عن الأيديولوجيا الذي تتمسك بوجهة نظر مُفردة ومسطحة، كما أنهم يكتسبون من دراستهم أسلوب البحث العلمي (Spirit Of Enquiry)، وهم الذين تعول عليهم مصر في مساندة المجتمع المدني، ومبدأ قبول المعارضة.
لقد كان تيار الإسلام السياسي (وخاصة جماعة الإخوان المسلمين) يصدّعون الرؤوس ويهيجون النفوس بإدعائهم المستمر بأن المجتمع جاهل ومن اللازم محاربته وتقويضه لأنه لا يحكم بما أنزل الله، ويلحون على “تقنين وتطبيق الشريعة الإسلامية”، وفى عام 2005 اشتركوا في مجلس الشعب بثمانين عضواً، أي إنهم شاركوا في نظام الحكم الذي يتهمونه بالكفر، واتهمه الآخرون بالدكتاتورية وعدم الشرعية والفساد، فماذا فعلوا في هذه الفترة، والساكت عن الحق شيطان أخرس.
ثم إنهم يدّعون أن لهم الأغلبية (وهى في الحقيقة أكثرية) في مجلس الشعب الحالي، وكنا نتوقع أن يقدموا على الفور وبعد انعقاد مجلس الشعب، مشاريع كاملة متكاملة بقوانين تطبيق الشريعة (مزودة بمذكرات إيضاحية وأعمال تفسيرية) وهى التي كانوا يطالبون بها ليل ومساء، في كل نادٍ وكل وادٍ. وقد مر على وجودهم في مجلس الشعب زهاء شهرين فلم نر منهم ولا أي مشروع أو حتى كلام عن تطبيق الشريعة؛ فهل هم في ذلك مقصّرون أم إنهم يعترفوا بأن إدعاءاتهم السابقة لم تكن إلا بقصد تقويض النظام السياسي وحلولهم محله، ولا شيء بعد ذلك.
لقد قدم احدهم مشروعاً بتشديد عقوبة أفعال إجرامية تدخل تحت باب الخطف أو الترويع، وقال قائلهم إن هذا تقنين لحد الحرابة، ويرّد على ذلك بأمرين (الأول) أن الحدود لا تُطبّق متعازلة منفردة ولكنها تطبق ضمن منظومة كاملة متكاملة (والثاني) أن الآية التي تنص على حد الحرابة تشترط لتطبيق حكمها ألا يتوب المجرم قبل أن تقدر عليه السلطة (إلّا أن يتوبوا من قبل أن تقدروا عليهم) والتوبة هي فعل ديني وليست بابا في القانون، بل ولا يعتد بها القانون الذي ينبني على مفهوم “التعزير” بما يمّكن ولى الأمر أن يطبق عقوبة ولو بعد التوبة.
فهل يعقلون أم تراهم في الغي سادرون؟
saidalashmawy@hotmail.com
• القاهرة
ماذا يجرى في مصر؟ (17)
حياك اللة ومنحك خير الجزاء لكشفك تجار الاسلام السياسى المتكالبين على كراسى السلطة والمتاجرين ب الدين فما ربحت تجارتهم