ليس جديدا القول ان الاجراءات الامنية المشددة التي اتخذها حزب الله في معظم
مراكزه ومؤسساته اظهرت جدية خطر الخروقات الاسرائيلية التي حدثت في
داخله، وهي الى ذلك اظهرت قدرة فائقة على كشفها خصوصا انها تمت عبر
حزبيين في رتب متفاوتة داخل بنيته الامنية. واذا كان حزب الله نجح امام
الرأي العام في التكتم حول معظم الخروقات الاسرائيلية التي حصلت وعن
حجمها وطبيعتها واشخاصها، فان ما رشح منها لدى بعض الدوائر الحزبية
المعنية هو انها كانت مفاجئة لجهة القدرة الاسرائيلية على الوصول
الى اماكن كان يعتقد انها بمنأى عن الخرق.
هذه الخروقات ظهر، بخلاف ما تم كشفه في السنوات الماضية من قبل الاجهزة
الامنية والعسكرية اللبنانية الرسمية، أنّها بقيت خارج دائرة ملاحقة
القضاء اللبناني، وبالتالي فالمتهمون او المتورطون يخضعون لسلطة موازية
هي سلطة حزب الله، وليس هناك ما يشير الى ان الاخير قد يغير من اسلوبه
لجهة التكتم على مثل هذه القضايا وما تؤول اليه عادة لجهة المحاكمة او
المحاسبة.
بكل الأحوال اظهرت هذه الخروقات، رغم التكتم ومبرراته واسبابه،
انتباه حزب الله إلى ان العدو لا يبذل جهوده المهمة على هذا الصعيد من اجل تجنيد عملاء له من جهات سياسية او افراد معروفين بمعاداتهم الحزب نفسه، بل يذهب الى حيث يمكن الا تخرج سلته فارغة من معلومات موثقة ودقيقة لا يلامسها الشك.
لذلك راح العدوّ يتصيّد الحزبيين. لكن ما ينقله بعض المتابعين لهذا الملف، من
داخل حزب الله، ان جزءا من الذين تورطوا في العمالة مع العدو من الحزبيين
ذهبوا بأرجلهم اليه واختاروا ان يبيعوا أنفسهم للعدو وغيره لأسباب تنبع من
“احقاد حملوها على قيادة الحزب او اقران لهم في داخله، بسبب تهميش او
اهمال اعتقدوا بأنهم كانوا ضحاياه، وهم يعتقدون انهم قاموا بأدوار
استثنائية في مسيرة الحزب، كفيلة بأن تجعلهم في المقدمة وفي مواقع القرار
والمسؤولية”.
والى هذا الاختراق الاسرائيلي، نتذكر أنّ الحزب وقيادته كانا يسميان جزءا
كبيرا من خصومهما اللبنانيين كرموز له ليجدا نفسيهما أخيرا في المكان الذي
اتهما الآخرين به، لذلك يمكن ملاحظة تراجع ملحوظ لنبرته الاتهامية لخصومه
بالعمالة للعدو كما كانت عليه الحال قبل سنوات قليلة. والى هذا الجانب، الذي يطلق انذارا استثنائيا مستمرا لقيادة حزب الله وجمهوره، تبرز مسألة الفساد بابعاده المتعددة، التي لم تعد تهمة مقتصرة على الذين تورطوا بالفساد المالي داخل السلطة، خصوصا اولئك الذين تناوبوا على السلطات اللبنانية او لم يغادروها طيلة السنوات العشرين الماضية. الحديث عن الفساد داخل حزب الله لم يعد امرا مستنكرا او تهمة تطلق جزافا، بل هو حديث يمكن ان تسمعه في العديد من الدوائر الاجتماعية والسياسية في بيئة الحزب او على ضفافها. اذ ان التفاوت الطبقي الذي نشأ داخل الحزب في السنوات الاخيرة لم يشهده اي من الاحزاب من حيث حجمه والفروقات التي احدثها بين المحازبين، وهذا ما يتلمسه الحزبيون والمحيطون بهم ايضا قبل غيرهم .
ويمكن ان يتناهى الى سمعك العديد من الامثولات التي تتناول القريبين من بعض المسؤولين لجهة الثراء الذي يتمتعون به، او لجهة تقديم هؤلاء المسؤولين اولادهم على غيرهم وتوظيفهم في بعض مؤسسات الدولة المميزة، او ان بعضهم، ممن لم يتجاوز العشرينات من العمر، قد اصبح من اصحاب المؤسسات التجارية او الشريك فيها وايضا من رواد البورصة.
مقولة الفساد ليست امرا يمكن النظر اليه على انه خصوصية لدى هذه الفئة،
لكنه بالتأكيد من المظاهر التي تتكشف لدى بيئة حزب الله وتنمو، وهي ما
زالت تحتمي، اسوة بشبيهاتها اللبنانية، بعصب طائفي مع اختلاف الحجم
والنسب. لكن رغم ذلك لم يستطع هذا العصب لجم النزوع المتزايد لاستغلال
الحيز الذي تتيحه سلطة الحزب وخصوصية مناطق نفوذه للسماح بممارسة
المهمشين من جمهور الطائفة والحزب احتجاجهم على هذا التهميش من الدولة،
ومن ممثلهم النوعي في سلطاتها النيابية والوزارية والبلدية، بأشكال
مختلفة، مثل التعدي على الاملاك العامة والبحث عن مصادر رزق سريع عبر
تجارة المخدرات وتشكيل بعض عصابات السلب والتعدي، وتثبيت نظام الخوات وآخرها فضيحة اللحوم الفاسدة التي لم تسلم مناطق الجنوب من اطنان وجدت مرمية في منطقتي بنت جبيل والنبطية…
الاختراق الاسرائيلي هو محصلة العداء اولا، ولكنه ينفذ من بوابة الفساد
والافساد، وهي بوابة تشرّع من خلال السلطة الاستنسابية وعدم محاسبة
المفسدين وجعل الولاء للافراد، واعتبارالسلطة معيار النزاهة في ظل غياب
آليات جدية لمحاسبة القاعدة للقيادة، أو لتختارها أولا…
ندعو المقاومين ومحبيهم وداعميهم رأفة بالشهداء والجرحى والايتام ان يبدأوا بطرح هذا السؤال بشكل جدي لماذا انجبت “المقاومة” طفلي الفساد والعمالة؟
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد