لم تُظهر اي من الدول الغربية استعدادًا جديّا لتدخل عسكري في سورية، هذه هي الحقيقة الحاسمة اليوم، ويسجل للنظام السوري انه كان الاكثر ادراكا لوهم التدخل العسكري الغربي، فيما المعارضة على اختلاف اطرافها كانت تتعامل مع هذه القضية خلال الاشهر الماضية وكأنها هي من يتحكم بهذا القرار، وسقطت في فخ الخطاب الاعلامي الرسمي السوري، الذي روّج لمقولة انها هي من يستدعي الجيوش الغربية، ثم سقطت في جدال عبثي داخل صفوفها الى حد انقسامها بين داع لهذا التدخل لأسباب انسانية او سياسية، ونابذ له. وكأن جحافل الجيوش الغربية وطائراتها رهن اشارتهم.
ببساطة ان سقوط عشرات آلاف السوريين من القتلى والجرحى والمعتقلين، لم ولن يحرك جنديا غربيا باتجاه سورية، واذا كان التدخل العسكري في ليبيا اوقع الكثيرين في وهم تكرار المشهد نفسه في سورية، فان الشعب السوري بدا بين كل شعوب الربيع العربي وحيدا في المواجهة مع بطش النظام من دون اي عون فعلي سوى رسائل دعم معنوي، لم يواكبها اي اجراء عقابي يلتمس منه الجدية في كبح شهية القتل، فآلة النظام لم تتوقف عن حصد الارواح والتدمير، وما جرى في حمص وبابا عمرو اخيرا، اظهر الى بسالة الشعب السوري وكربلائيته، مناشدات خرجت على ألسنة المعارضين مستهجنة عدم تدخل المجتمع الدولي لوقف المجزرة في حمص والمتنقلة بين الحواضر السورية. هي مناشدات تنطوي على استمرار الوهم بامكان حصول هذا التدخل.
القتل اليومي والمتصاعد ضد حراك الثوار السوريين السلمي عموما، لم يوقف الانتفاضة، بل زاد من تصميمها على اسقاط النظام، وهذا التصميم هو ما فاقم من ازمة النظام السوري، وجعله اليوم على طاولة المقاصة الدولية،
فمصيره اليوم ليس بيده بل صار في عهدة اميركية-روسية بشكل شبه كامل. هذا ما يدركه النظام السوري بوعي كامل، لذا يطلق العنان لآلته العسكرية من دون تهيب من زيادة وتيرة القتل والايغال في التفنن فيه عبر المجازر كما يذهب نحو مزيد من فرض الاصطفاف الطائفي، عبر جعل الطائفة العلوية في حال اصطفاف شبه كامل خلفه، عبر حرق فرص خروجها عليه بمزيد من بث الرعب فيها وباثبات ميداني مفاده ان مثل هذا الخروج يهدد اصل وجودها. وهذا السلوك دفع بالنظام الى تصفية كل مظاهر الثورة في اللاذقية وبانياس وطرطوس مع مناطق جبال العلويين، بهدف جعل هذه الدائرة الجغرافية ذات الاكثرية العلوية دائرة محصنة ومعززة كدولة ضمن الدولة.
تطور المواجهات واستمرارها، ولاعتقاده بقدرة التحكم باللاجئين الفلسطينيين عموما وبجيش التحرير الفلسطيني في سورية بشكل خاص، دفعا النظام الى الاستعانة بهذا الجيش باعتباره طيّعا وليست لديه طموحاتٌ تدفعه الى التورط في اي عملية انقلابية. وتشير المعلومات الى ان النظام السوري عمل على زج قطاعات من هذا الجيش في المواجهات الداخلية، وبحسب مصادر فلسطينية فقد عمد “النظام” الى تصفية ثلاثة ضباط فلسطينيين (عميد وعقيدان) من قوات حطين التابعة لهذا الجيش، في عملية اغتيال نجا عقيد آخر منها. وذهب ضحيتها العميد الركن احمد ابو خميس قائد قوات حطين، (الفرقة السابعة في الجيش السوري) والعقيد الركن عبد الناصر مقاري قائد كتيبة 982- قوات اجنادين والعقيد رضا الخضر رئيس اركان قوات حطين واصيب العقيد الركن طارق ابوسرور قائد كتيبة 980 صاعقة- قوات اجنادين. هذه التصفيات جاءت اثر رفض 40 ضابطا في قوات حطين المشاركة في قمع الانتفاضة السورية. الرد الفلسطيني هو الصمت حتى الآن، الا اذا كان منح ابو مازن الجنسية الفلسطينية للفنان فضل شاكر امس ينطوي على رسالة تململ من النظام السوري.
الخيار اليمني هو ما يسعى النظام السوري الى تحقيقه، لكن بشروط جديدة عمادها تنفيذه برعاية النظام واشرافه ما يجعله قادرًا على التحكم بتطبيقه، عبر ميزان قوة يواظب على فرضه في الميدان: انه قادر على ابادة ناسه وتحويلهم الى ورقة تجاذب بين المتنافسين في الانتخابات الرئاسية الاميركية ليس اكثر. هذا الميزان لا يقر به الشعب السوري: هذا ما تقوله الساحات والاحياء والبلدات التي تتمسك بقرار اسقاط النظام من دون تهيب سواء من التخلي الدولي أو من انياب النظام او من فنون القتل.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد