لم يكن الحشد الجماهيري في كل ذكرى لـ “14 آذار”، سوى تجديد لإرادة وطنية وتعاهد شعبي عارم، في ذلك اليوم من العام 2005، على التمسك بالسيادة والاستقلال والعدالة لشهداء “ثورة الأرز”، وبالعبور إلى الدولة، مظلة وحضنا.
وبقدر ما قد يكون للمخاوف الأمنية، مما قد تلجأ إليه جماعات ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”، من وزن في قرار حصر الاحتفال مكانيا، فإن إعلان مبادرة 14 آذار غدا يرتدي أهمية خاصة في ظل “الربيع العربي”، إذ تجدد القيم السياسية التي أنشأت هذه الحركة الشعبية ، وتؤكد الرؤية التي تقودها، ومدى مشاركة المجتمع المدني في قراراتها.
إن تأكيد هذه الرؤية اليوم يلح بقوة لكون ثمار انتفاضة الاستقلال الثاني اينعت في العالم العربي، وتماهت مع ما يريده اللبنانيون لأنفسهم ولغيرهم، وهو ما يجعل من “المبادرة” غدا، خريطة طريق أمام الثورات العربية الباحثة عن الديموقراطية، وصون التعددية، على اختلاف أنواعها، في بوتقة الدولة الوطنية.
هو سلاح الموقف تشهره 14 آذار مرة جديدة في وجه معاندي حتمية الدولة، وهو سلاح يحيي آمال اللبنانيين بانتصار إرادتهم في وجه من يشركون بالدولة، ويختلقون مبررات لاستمرار خروجهم على وحدة قرارها وآحاديته. فلقد جرّب هؤلاء، ومنذ 8 آذار 2005 ، كل قدراتهم على إطلاق الفتنة الأهلية، وعلى الخداع السياسي في انتخابات تلك السنة، وكانت الذروة في 7 أيار 2008.
مع ذلك ، كانت إرادة 14 آذار في صون السلم الأهلي، وعدم التراجع عن العبور إلى الدولة، أقوى، وازدادت صلابة في الانفتاح على الآخر ، الذي لم يفوت فرصة من دون أن يزداد إنغلاقا وتقوقعا ، وفي الآن نفسه ازداد حرجا أمام جمهور عريض من اللبنانيين، بعدما قبل بالقرار الأممي 1701، وبعدما بات سلاحه ميليشيويا في بيروت والجبل، ولوّح به في العملية السياسية تحت “القمصان السود”.
تعرف 14 آذار أن الحزب يعرف أنه يريد السلاح لاستراتيجية إقليمية، وأن زعم ضرورته لصد اعتداء اسرائيلي قد يقع يوما، وبالتالي تجميد البلد في انتظاره، ورفض انخراطه تحت لواء الدولة، هو تشكيك ضمني في الجيش ووطنيته وكفاءته، وذلك مرفوض من كل اللبنانيين حتى من هم في عداد جمهور حزب السلاح نفسه. وذلك ما يضطر أمينه العام إلى “إدمان” الظهورات المتلفزة للتذكير بشعار المقاومة التي لا ترى على أرض الجنوب، ولإثارة “مهمة” جديدة مفتعلة، يزرع المخاوف لتبريرها هي الإيهام بفتنة سنية – شيعية، مرة يصورها آتية عبر الحدود، وأخرى تحت عنوان ” السلفيون قادمون”.
ما سيحمله غدا من 14 آذار هو تجديد فتح الباب إلى الدولة الديموقراطية التي وحدها تملك الرد على كل المخاوف، وتسكت كل الأوهام .
كاتب لبناني
rached.fayed@annahar.com.lb