خصصت الأسبوعية الفرنسية “لوبوان” عدداً عن الله، لم ترسله إلى المغرب و تونس تحسباً لمنعه من الحكومتين الاسلاميتين في البلدين! كان، كما تقتضي ثقافة الحوار، ملتقى خصباً للأفكار والمفاهيم المتعارضة عن الله: إلاه الأديان، إلاه الشكاك، إلاه الملحدين و إلاه الفلاسفة والعلماء. هذا المفهوم الأخير عالجه فلكي فيزيائي، ثوان، في حديث مع الأسبوعية. بما أن مفهوم إلاه الفلاسفة والعلماء غير معروف كفاية بين عموم القراء، فقد أردت التمهيد له ببيان الفرق بين إلاه الأديان و إلاه الفلاسفة والعلماء.
يقول الباليونطولوغ [عالم دراسة احافير الكائنات الحية التي وجدت في عصور ما قبل التاريخ المكتوب]، إيف كوبنس Copons Y. : “استطاع القرد أن يتطور إلى إنسان بفضل العمل اليدوي والفكر الرمزي ” [الروحانيات].
فعلاً تطور القرد إلى إنسان خلال 3 مليون عام بتأثير عاملين: مادي بصنع الأسلحة والأواني الحجرية، وروحي بالمعتقدات الخرافية التي خيّلت له أن كل ما في الكون بما في ذلك النجوم والشجر والحجر له روح حية مثله، و أن روحه خالدة لا تموت بموت الجسد بل تنتقل بعد فراقه إلى عالم آخر. بل أن روحه هو نفسه تفارقه خلال النوم إلى عالم أسلافه الأموات لتلتقي بهم فيه ثم تعود إليه عند اليقظة. وأحيانا يطيب لها المقام قلا تعود فيصبح النائم جثة هامدة. وهذا الاعتقاد بأن الروح تغادر الجسد أثناء النوم ما زال موجودا لدى بعض القبائل البدائية كما يقول مرسيا إلياد. كما كان موجوداً في الحجاز- في القرن 7 – بشهادة الآية 60 من سورة الأنعام “وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى”.
(يقول السيوطي في تفسيرها: وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مع كل إنسان ملَك إذا نام يأخذ نفَسه إلى [الله]، فإذا أذن الله في قبض روحه قبضه وإلا ردّه إليه. فذلك [معنى] قوله “يتوفاكم بالليل”).
و كيف اكتشف الإنسان – القرد في تلك الأزمان السحيقة وجود الروح وخلودها بعد الموت؟ الروح، عنده، هي بكل بساطة النَفَس [الأكسجين] الذي ينقطع بعد الموت. ودليل خلودها هو عودتها في الأحلام لتلتقي بالأحياء.
خلال عملية التطور من قرد إلى إنسان، ترسخت في الإنسان 3 أوهام نرجسية عن نفسه وعن الكون كان لها تأثير متناقض: فبقدر ما سرّعت عملية تطوره من حيوان أعجم إلى حيوان ناطق أي مفكر أورثته، في المقابل، ذهنية سحرية خرافية ونرجسية غدت اليوم خاصة، في أرض الإسلام، عائقاً لتطوره من كائن خرافي فُصامي إلى كائن عقلاني واقعي!
الوهم النرجسي الأول هو مركزية الإنسان EANTHROPO CENTRISM. مرض جنون العظمة، الملازم للبدائي، خَيّل له أنه مركز الكون والكائنات و أنه غاية الغايات. كل ما في الكون وجد من اجله ليتصرف – و يُسيء التصرف – فيه على هواه. تدمير البيئة غير المسؤول أحد عواقب هذا الوهم.
الوهم النرجسي الثاني هو التشبيه EISANTHROPO MORPH: إسقاط ما في نفسية الإنسان من مشاعر متناقضة على الكائنات وعلى الله الذي خلقه الإنسان على صورته. فهو يحب و يكره، يجازي مخلوقاته، التي خلقته على صورتها، بالثواب و العقاب.إلاه الأديان هو محصّلة لإسقاط الأب من لحم و دم على أب تجريدي لا يموت،خلقه البشر ليلبي حاجتين نرجسيتين: حماية مخلوقاته في الدنيا و تأمين الخلود لهم، بعد الموت، في عالم آخر.
فرقة واحدة هي “المعتزلة”، استفزّها تجسيم الله فعارضته بالتّنزيه: تنزيها لله عن التشبيه. هُزمت المعتزلة وهزم تنزيههم معهم. استمر السنة المنتصرون في التشبيه. ومحاولةً لتلطيفه، لاذوا بحيلة التأويل: “له يد ليست كأيدينا وكرسي ليس ككراسينا” .الخلاصة: الله يشبهنا و لكن “بلا كم ولا كيف “. لم تنطلِ سذاجة الحيلة على المفسر الشهير، آية الله الزّمخشري، صاحب ” تفسير الكشاف”، فتهكّم عليهم:
” وجماعة سمّوا هواهم سنة/ لجماعة حُمْر لعَمْري مؤكَفَه/ قد شبّهوه بخلقه فتخوَّفوا/شُنْعَ الورى فتستّروا بالبلْكَفه” [ = بلا كم و لا كيف ].
لكن الحنابلة الذين يكفرون التأويل “الذي يورث التضليل” كما قال البغدادي، قالوا، تمسكاً بالقراءة الحرفية للنص القرآني: “لله يد كايدينا وكرسي ككراسينا”؟. لذلك سُمُّوا “المشّبهة” أو “المجسّمة”. فتهكم عليهم، هم أيضا، الزمخشري قائلاً: “وان قلت حنبلياً، قالوا عني، بأنني: “حلولي، بغيض مُجسّم” [ = لله جسم كأجسامنا ] .إلاه الأديان هو إذن الأب في صورته الجسدية ووظيفته النفسية الحماية في الدنيا و تامين الخلود في الآخرة!
الوهم النرجسي الثالث هو الاثنية المركزية كما تسميها الاثنولوجيا، أو النرجسية الجماعية كما سمّاها النفساني إيريك فروم. من تجلياتها الدينية “نحن شعب الله المختار” أي المختون: تناول الله من خليله إبراهيم قَلْفَة الختان ووضعها في إصبعه كعهد أبدي على تحالفه مع شعبه المختار. وما زال الأزواج يضعون رمز هذه القلفة: خاتم الخطوبة كعهد على أبدية زواجهم، تقليداً لخاتم حِلف الله مع شعبه المختار!
وبالمناسبة، ختان الذكور والإناث هو شعيرة من شعائر الديانة المصرية منذ سنة 3400 قبل الميلاد، أي قبل انتقالها للديانة اليهودية بألفين و ثمانية مائة عام (2800)! لا حظوا أن 90 % على الأقل من شعائر اليهودية والإسلام منحدرة من الديانات الوثنية القديمة، وخاصةَ البابلية و المصرية!
فما هي عواقب وهْم الاثنية المركزية؟
الإثنية المركزية تهمّش بالضرورة جميع الإثنيات الأخرى،أي تقصيها من مصاف البشرية المحترمة والجديرة بالاحترام! تجلى ذلك في وعد الله لشعبه المختار، الذي فضّله على العالمين كما تقول الآية القرآنية، بإهدائه ارض كنعان [= فلسطين ] وأمره باجتثاث ديانة فلاحيها قائلاً له: “من يعبد آلهة غير إلاهك… فارجمه حتى الموت” (سفر التثنية). آلهتهم كانت حارسة لأرضهم، وبخسرانها خسروا أرضهم بأمر يهوه!
شعب الله المختار توارى لصالح “خير أمة أخرجت للناس”: الأمة العربية الإسلامية. دينها غدا الدين الوحيد الذي يعرفه الله ويعترف به: “إنما الدين عند الله الإسلام”. هذه الآية نسخت جميع الآيات الأخرى التي اعترفت بجميع الأديان المعروفة في شبه الجزيرة العربية في القرن 7! وكما لو كان ذلك لا يكفي، فقد أمر الله “خير أمة أخرجت للناس” بالجهاد، أي باحتلال البلدان الأخرى و نهب خيراتها واغتصاب نسائها بما هن سبايا حرب.
بعد فتح فارس وهزيمة ملكها، استولى الفاتحون على بناته الأربع، وأرسلوهن إلى عمر فوزعهن هدايا على أبناء الصحابة. إحداهن كانت من حظ الحسين. ومنها ينحدر أئمة الشيعة.
بصراحته المعهودة، كشف عمر سر الجهاد بما هو نهب لثروات الأمم الأخرى. قال في رسالته للفاتحين: “أنتم مستخلَفون في الأرض، قاهرون لأهلها […] فلم تصبح أمة مخالفة لدينكم إلا أمتان: أمة مستعبدة للإسلام يُجزون لكم [= يدفَعون لكم الجزية] تستصفون [تصادرون] معائشهم وكدائحهم و رَشح [عرق] جباههم: عليهم المُؤْنة [= تقديم الطعام للمجاهدين و العلف لخيولهم و إبلهم] ولكم المنفعة [= غنائم الجهاد] (…) وأمّة قد ملأ الله قلوبهم رعباً” [منكم] (الطبري ج 5 ص 27).
عواقب هذه الأوهام النرجسية الثلاثة وخيمة على البشرية. إلاه الأديان الذي اَسقط عليه الإنسان مخزونه النفسي فجاء على صورته ومثاله: نرجسياً، سادياً، تمييزياً، محارباً، عصابياً ،وغالباً فُصامياً. تجلى ذلك في ركام المحرمات العُصابية والعقوبات السادية المرصودة لمنتهكيها، وفي عدائه للمرأة، والآخر، والحرية، وغرائز الحياة، والعقل والعلم.
مثلاً ” سفر التكوين” هو ترجمة لأساطير ملحمة “جلجامش” وغيرها من أساطير بلاد الرافدين مثل أسطورة خلق الكون في 6 أيام، وأسطورة خلق آدم وحواء من صلصال، وأسطورة طوفان نوح، وأسطورة إهلاك قرية وقوم لوط بجريمة اللواط، إلى غير ذلك من الأساطير المؤسسة للديانات التوحيدية.قام بالترجمة، خلال السبي البابلي (586 ق.م)،النبي حزيقال. هذا الأخير كان مصاباً بـ “مرض الأنبياء”: الفُصام. أحد أعراض الفصام النادرة أكل الفصامي لغائطه. حزيقال كان يأكل غائطه كما يعترف هو نفسه! يقول له يهوه: “وتأكل ذلك [= الغائط] كحلوة شعير مستديرة ” (حزيقال، الإصحاح 4 الآية 12). سفر التكوين إياه، من ترجمة النبي إياه، أعاق تطور العلم 20 قرناً! بسبب تخاريفه أَحرقت المحاكم الدينية الكاثوليكية الفيلسوف والفلكي، جيوردانو برونو، (1554-600) وهددت بحرق جاليلو، إذا لم يتب من زندقته القائلة بان الأرض تدور حول الشمس،عكساَ للأساطير التوراتية. خاطب جاليلو قضاته قائلاَ: “الكتاب المقدس يعلمنا كيف نمشي إلى السماء لا كيف تمشي السماء؛ قولوا لنا كيف نمشي إلى السماء ونقول لكم كيف تمشي السماء”. ولكن لا عقول لمن يحاجج. فقد أرغموه، تحت تهديد الحرق، على التوبة رافضين هكذا الفصل بين الدين والبحث العلمي: رجل الدين يعظ والعالم يبحث… وهو الاختصاص الذي كرّسته و عمّمته الحداثة.
منذ سبينورا إلى انشطاين مروراَ بفلاسفة الأنوار، ظهر إلاه الفلاسفة و العلماء. وهو ليس من إسقاط الإنسان نفسه ونفسيته على أب مشابه له. إلاه الفلاسفة والعلماء هو قوانين الطبيعة، مثلاً قانون الجاذبية الذي من دونه يتفكك الكون و تستحيل الحياة على الأرض التي ستغمرها المياه.
إلاه الفلاسفة والعلماء هو الذي سيفسره لكم الفيزيائي، ثوان، في حديثه الذي ترجمته لكم. وستقرؤونه مباشرة بعد نشر هذا التمهيد.
فأشيعوه و أذيعوه في المناقشات ووسائل الإعلام لتنوير مواطنيكم المضلَّلين بأساطير الأديان الوثنية، البابلية و المصرية خاصة، التي تبنتها الأديان التوحيدية الثلاثة كتنزيل من حكيم
lafif.lakhdar@yahoo.fr
* كاتب تونسي- باريس
ما الفرق بين إلاه الأديان وإلاه العلماء؟ (خوفاً من المنع!)
اكثر مشاكل البشرية سببها الاديان، الاديان هي اكبر وهم يعيشه الانسان، الحياة بلا اديان افضل واجمل، لقد اخترع الانبياء وغيرهم الاديان لكي يسيطروا على البشر في فترات غابرة واستغل رجال الدين سذاجة الناس في هذه الايام ليسيطروا على عقولهم، اي انسان لديه عقل يفكر بتجرد عن موروثاته سوف يكتشف الحقيقة.