لم يفهم البعض من هي الدولة التي كان يهاجمها أمس الأول رئيس اليمن المخلوع علي عبدالله صالح بعبارات نابية شديدة الحدة في كلمة له أمام بعض من تبقى من أنصاره في أكبر مساجد صنعاء، المسجد المسمى باسمه. غير أن الدلائل كانت واضحة لمن يعرف لغة الرئيس المخلوع بأنه كان يقصد قطر لا غيرها. وفي تقديري أن كلمة ” المخلوع” الذي تستعملها قناة الجزيرة في وصفه هي الدافع الرئيسي وراء الوجع والغضب الذي أبداه الرئيس السابق تجاه قطر. وقد هدد بكشف ملفات خلال اسابيع في ندوة قال إن حزبه سينظمها في صنعاء.
وعندما قال: ” كان من المستحسن ومن الأفضل لك يا صاحب المال أن تفي بالتزاماتك في مؤتمر لندن 2006م، وتولد طاقة كهربائية بالخمسمائة مليون أن لا تدفعها لإزهاق أرواح المواطنين من الاطفال والنساء وقواتنا المسلحة والأمن..”، فإنه بلا شك يوجه اصابع الاتهام إلى أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، محاولا اتهامه بأنه قدم دعما لأنصار ثورة يمنية أنكر المتحدث وجودها في مطلع خطابه. وإذا ما أثبت الرئيس السابق صحة اتهامه خلال ثلاثة اسابيع حسبما تعهد في الخطاب ذاته، فإنه بذك سيرفع من شأن قطر وأميرها أمام كل اليمنيين والعرب، بل وسيقدم للأشقاء القطريين شهادة تاريخية لا تقدر بثمن. فليس هناك أكثر شرفا لأي حكومة عربية من ثبوت دعمها وتضامنها مع ثورات الشعوب المقهورة.
الجديد في هذا السياق أن الرئيس المخلوع حدد المبلغ الذي قدمته قطر للثورة اليمنية، بنصف مليار دولار. فبعد العودة إلى سجل المبالغ المالية التي تعهدت بها الدول المانحة لليمن في مؤتمر لندن عام 2006، وجدنا بالفعل أن قطر هي التي تعهدت بتقديم خمسمائة مليون دولار، ولكنها مثل بقية الدول االمانحة رفضت تسليم دولار واحد للرئيس المخلوع وصهره الارحبي، لأن شكوك الدول المانحة كانت تحوم حول فساد الذمة المالية لقيادة اليمن السابقة. ويبدو أن الرئيس اليمني المخلوع موجع ومتألم جدا لأن قطر لم تودع المبلغ في أحد أرصدته الشخصية، لأن الرجل مولع بالمال الحرام منذ بداياته الأولى مع المال المدنس في باب المندب لتسهيل دفن السموم والمخلفات القاتلة في أراضي بلاده.
وأنا شخصيا أشك أن تكون قطر قد حولت المبلغ الذي تحدث عنه الرئيس اليمني المخلوع أو حتى جزء منه لثوار اليمن، وإلا لكانت فضيحة الرئيس اليمني السابق مجلجلة، لأنه بذلك يعترف أن اسقاطه لم يكلف سوى نصف مليار دولار. ومعنى ذلك أن دولة قطر، التي وصفها الرئيس صالح في الكلمة ذاتها بأنها صغيرة، أصبح تأثيرها أكبر مما يتصور علي عبدالله صالح. فحسب معايير الرجل فإن قطر بإمكانها اسقاط جميع أنظمة العالم بما لديها من ثروات غازية وبترولية هائلة، وهو ما لا يمكن لأي مجنون تصديقه فكيف برئيس حكم شعبه بالفوضى أكثر من ثلاثة عقود.
والغريب في الأمر أن الرئيس اليمني المخلوع يعاتب قطر على عدم توليد الكهرباء في بلاده، وكأن من يجب أن يولد الكهرباء لليمنيين ويقوم بمسؤولياته أمام الشعب اليمني هو أمير قطر وليس الرئيس الذي ثبت فشله وعجزه في ادارة شؤون بلده.
ويقول رئيسنا المخلوع في كلمته المشار إليها: “لقد صمد شعبنا وانتصر وأفشل المؤامرة، بانتخاب الأخ عبد ربه منصور هادي رئيساً للجمهورية وقائداً أعلى للقوات المسلحة حباً في الوطن وخروجاً من الأزمة الخانقة والطاحنة..”. ثم يتساءل: “فمن أنتم لتتحدوا هذا الشعب العظيم.. الصغير سيظل صغيراً لن يكبر.. صغيراً.. صغيراً.. كفى تطاولاً على الشعب اليمني..”.
وتعليقا على هذا الكلام أقول وأنا واحد من هذا الشعب اليمني، إن قطر يا أيها المخلوع لم تتطاول على شعبنا، بل أنت وأسرتك تطاولتم وتتطاولون، فقامت الثورة ضدكم وليس ضد قطر وأميرها. ويجب أن تعلم يا هذا ان انتخاب رئيس جديد لليمن يعني فيما يعنيه ازاحة جنابك من الحكم وانتصار الثورة الشبابية ضدك وليس ضد قطر.
مشكلة الرئيس صالح أنه حتى الآن غير مصدق أن خلعه قد تحقق وما زال يدعي أن نظامه لم يكن دكتاتورياً، أو نظاماً تسلطياً، أو نظاماً أسريا رغم أننا حتى الآن ما زلنا محتارين في كيفية التعامل مع أولاده الذين سلمهم كل شيء في البلاد من الحرس الجمهوري إلى الاستثمار المركزي. وما زال يعتقد أن اليمن كانت في عهده بلدا ديمقراطيا لمجرد وجود 45 مقعداً في البرلمان لحزب الاصلاح، و7 مقاعد مع بالاشتراكي، و3-4 مع الناصريين و3- مع المستقلين، ولهذا فهو يتساءل: “أي حكم دكتاتوري أو تسلطي،.. أي ثورة يتحدثون عنها..”؟
ويخاطب الرئيس المخلوع أنصاره قائلا: “لن تكونوا تجار سلطة متسولين من مكان الى آخر للبحث عن المال الحرام الذي أزهق أرواح اليمنيين في الشوارع..”.
ومن هذه العبارة يمكن أن نلاحظ للمرة الألف أن 33 عاما في الحكم، لم تكف لتعليم الرجل التفريق بين “لم” و “لن”، وأن أحدا من مستشاريه لم يجرؤ حتى بعد خروج الرجل من الحكم أن يحاول تعليمه التفريق بينهما، فكيف يمكن للرجل أن يستوعب أخطائه الكارثية إذا كان لم يستوعب أخطائه اللغوية البسيطة بل استمر يكررها على مسامعنا على مدى أكثر من ثلاثة عقود.
ويتابع رئيسنا السابق قائلا: “أنا وجهت معهد الميثاق أن يرتب ندوة خلال الاسابيع القادمة لكشف الاوراق.. أوراق الربيع العربي.. الربيع العربي في الوطن العربي بشكل عام وفي اليمن بشكل خاص..”.
وردا على ذلك نقول: أولاً، من أنت حتى توجّه؟ فقد انتهى عهد التوجيهات، وانتهت “دولة مروا”. وثانيا نعيد تذكيرك أن الربيع العربي هو الذي كشف أوراقك وأوراق المستبدين من زملائك ولستم أنتم من سيكشف أي أوراق بعد ان كشفكم الله.
أما حديثك عن “الذين هربوا الى الإمام ناجين بجلودهم.. من رموز الفساد.. فاسدون ومفسدون” وأنك تتحداهم إذا لم ينصاعوا الى الشرعية الدستورية، فعليك أن تدرك أن هؤلاء قد نجوا بأنفسهم وبشعبهم من فسادك وافسادك، وأما الشرعية التي تتحدث عنها فقد أصبحت في يد غيرك، ولن تفلح تهديداتك. ولو كان لديك القدرة على شيء لفعلته قبل أن تفقد الشرعية، وقبل أن تفقد مهدي مقولة. أما الآن فإن العالم كله ضدك وأي مواجهة قادمة، ستحولك أنت، وليس غيرك إلى متمرد على الشرعية الدستورية ومطارد مع أولادك في الداخل والخارج أو تحولك إلى عصف مأكول محروق في بضع ساعات.
وقال الرئيس المخلوع في كلمته: “لقد مر شهران على تشكيل هذه الحكومة الضعيفة التي لا تعرف أبجديات السياسة.. هذه لن تضع طوبة على طوبة..” إنك تجعلنا نضحك أيها المهرج فأنت آخر من يمكنه أن يتحدث عن الحكومات الضعيفة المخلوعة.
الرئيس اليمني المخلوع لم يكذب في كل شيء أثناء إلقائه كلمته، بل كان صادقا في تأكيده للمواطنين الشرفاء بأنه سيظل في الشارع سواء كان يعني ذلك أو لا يعنيه. فهو رغم ذلك ما زال يتحرك في موكب مسلح أكبر من موكب الرئيس عبدربه منصور هادي. كما صدق في تأكيده العفوي أنه لن يعود إلى السلطة بالتوريث ولا بالتقادم بعد أن خرج منها عندما اتجه ستة ملايين مواطن لاختيار غيره حباً في الأمن والاستقرار
وأخيرا لقد صدق في قوله: “…. لتخرس ألسنة البلاطجة.. بلاطجة الفساد والمفسدين في كل مكان.. وسيكون شعبنا اليمني الهم بالمرصاد في كل مكان..”!
yemenianalyst@gmail.com
* كاتب يمني