ثمة ثقة رسمية ايرانية حيال عجز الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل او اي منهما عن تنفيذ ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية، أو سواها من البنى الاستراتيجية في ايران.
مردّ هذه الثقة ينطلق من قراءة دبلوماسية ايرانية واثقة، ليس لعدم امتلاك الادارة الاميركية او اسرائيل القدرة العسكرية على تنفيذ الضربات الاولى، بل لجهل الطرفين بطبيعة الرد الايراني وحجمه الذي “لن يميز في حال حصول العدوان الفردي او المشترك بين الولايات المتحدة الاميركية والكيان الصهيوني”.
يروي السفير الايراني في بيروت غضنفر ركن آبادي انه حين كان يؤدي فريضة الحج قبل مدة، وكمواطن ايراني عادي، سأله سائق سعودي لا يعرف صفته الدبلوماسية عن صحة ما يقال انه في حال استهدفت اسرائيل فإنّ ايران ستضرب قواعد اميركية موجودة على الاراضي السعودية. ردّ آبادي بتأكيد صحة هذه المقولة، فما كان من السائق السعودي الا ان اوقف السيارة فجأة وطلب من آبادي الترجل منها…
هذه الرواية يحرص السفير الايراني على ان يوردها ليؤكد ان السياسة الايرانية جادّة في تمتين العلاقة مع المملكة العربية السعودية، لأن هذه العلاقة تشكل ضمانة لتحصين الاستقرار والامن في الخليج، وبإرادة الدول المحيطة به. مشيرا الى جهات خارجية تسعى دوما الى وضع اسفين بين طهران والرياض.
وتؤكّد الدبلوماسية الايرانية أنّ اعلان ايران عن قدرتها على اغلاق مضيق هرمز ليس كلاما تهويليا، واطلاق هذا الموقف استند الى معطيات تمتلكها القيادة الايرانية، مؤكدة ان العالم يعرف دقّة وصدقية موقفها.
وإلى ذلك يبرز عنصر آخر يتمثل في التحولات التي يشهدها العالم العربي اليوم. واذا كان لما يجري في سورية قراءة خاصة لدى الدبلوماسية الايرانية، فإنها تعتقد ان ما جرى في مصر وتونس وغيرهما هو انتفاضة حقيقية تسعى الولايات المتحدة الاميركية الى احتوائها، او ركوب موجة التغيير فيها. وهذا التغيير سبب ازعاجا وقلقا جديا لدى اسرائيل. وتشير الدبلوماسية الايرانية الى ان “الكيان الصهيوني، وقبل التغيير في مصر، خلصت قيادته العسكرية بعد سلسلة مناورات قام بها جيشها الى انه عاجز عن تحمل اعباء توجيه ضربة الى ايران”. اما اليوم فهو في وضع اسوأ مما كان عليه في السابق وعجزه يتفاقم على هذا الصعيد.
تفسر الدبلوماسية الايرانية المواقف الاسرائيلية بالحديث عن الحرب والتحريض المستمر لقياداتها السياسية، بخلاف القيادات العسكرية او معظمها، انه يعكس الارباك والقلق لدى هذا الكيان وعجزه عن تحمل انحسار دوره في المنطقة، وسقوط بعض الانظمة العربية التي شكلت مصدر اطمئنان وعون له واهتزاز بعضها الآخر.
إلى ذلك ايضا تشير الديبلوماسية الإيرانية الى ما جرى في حرب تموز عام 2006 باعتبارها إحدى أهمّ دروس الحرب التي تلقاها الجيش الاسرائيلي. تلك الحرب، على ما تؤكد هذه المصادر، ساهمت في تحول مسارات كثيرة ودفعت الاميركيين والاسرائيليين الى قبول وقف إطلاق النار بعدما رفضوها في بدايات الحرب.
هذا ما اكتشفه الجيش الاسرائيلي في ميدان المعركة. ثمة مفاجآت ذات طابع إستراتيجي وغير مسبوق في الحروب الاسرائيلية جعلت الجيش الاسرائيلي يستعجل اخيرا وقف اطلاق النار. هذه المفاجآت، التي رفضت المصادر الدبلوماسية الافصاح عنها في الوقت الحاضر، قالت انها “هي من الاسباب التي تجعل الجيش الاسرائيلي مربكا حيال اتخاذ اي قرار حربي ضد ايران”.
من هنا ايضا تستبعد الدبلوماسية الايرانية قيام اسرائيل باي مغامرة عسكرية في لبنان. وتشدد على ان ايران، التي جرى انتقادها من قبل البعض لأنها تدعم طرفا مقاوما ضد اسرائيل، ابدت استعدادها الكامل لدعم الجيش اللبناني، وهي قدمت عروضا لإعطاء السلاح بلا شروط له، لافتة الى ان ثمة خطوات تحضيرية على هذا الصعيد، والمبادرة اليوم بيد الحكومة اللبنانية لإنجاز خطوات نوعية على هذا الصعيد.
ولفتت المصادر الى ان ايران مهتمة بإنعاش الاوضاع الاقتصادية في لبنان، وهي ابدت استعدادها لشراء المحاصيل الزراعية بشكل كامل، لا سيما الحمضيات وغيرها. اما قطاع الكهرباء فإيران مستعدة، وبناء على الاتفاقيات التي وقعت مع لبنان، على ضمان تأمين إنتاج الف ميغاوات.
تخلص الاوساط الدبلوماسية الايرانية الى التالي: “إيران معنية بدعم اصدقائها وحلفائها، لهذا فهي مقتنعة، واستنادا الى معلومات ومتابعات دقيقة لما يجري في سورية اليوم، بأنّ إسقاط النظام السوري هو هدف اميركي – اسرائيلي، فيما اصلاح النظام وتحديثه هو هدف السوريين جميعا. ومن هذا المنطلق ايران مع اصلاح النظام وضد اسقاطه لأنها تعتقد جازمة انه يمثّل إرادة اغلبية الشعب السوري”.
يواكب هذه الرؤية اقتناع ايراني بأن النظام السوري تجاوز المخاطر الجدية ودخل في مرحلة استعادة الاستقرار، من خلال انخراطه بعملية الاصلاح التي باشرها بقوة مع اقرار الدستور الجديد، والاستعدادات لاجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، مقدرة ان مرحلة الاستقرار تتطلب ما بين الستة اشهر والسنة.
alyalamine@gmail.com
* كاتب لبناني
البلد