سنين ضوئية بين انشقاق حزب الله عن “حركة المحرومين” وتحوّله إلى “أكبر رب عمل في لبنان”! عدا أنه “رب العمل” الوحيد الذي وضع يده على “النقابات” العمالية ونقابات الموظفين! وهو، أيضاً، “رب العمل” الوحيد الذي يملك “ميليشيا” لتأديب المعارضين وحتى.. رسّامي الكاريكاتور! وهذا كله “من فضل ربّي”، كما تفيد مقالة الصديق علي حيدر أدناه.
*
حين أعلن أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه ما قبل الأخير أن الحزب يعتمد في تمويله على الجمهورية الإسلامية الإيرانية كليا وليس على أي جهة أخرى، لم يأت بجديد في ما أعلنه بالطبع. اللهم سوى أنه دحض الشك بمصدر التمويل باليقين القاطع! وقد يكون ما قصده الأمين العام بالتمويل هو الجانب المالي من الدعم فقط، ولم يقصد التسليح…
السلاح من خارج الميزانية
المعروف أن إيران لا تخصص لحزب الله ميزانية لشراء السلاح لأنها تتولى بنفسها عملية إنتقاء الأسلحة الخفيفة والثقيلة المناسبة لاستراتيجية حزب الله، وترسلها عبر ممرات سرية من العراق، وأحيانا تركيا، في البر والبحر والجو، لتصل إلى سوريا، ومن هناك يتم نقلها إلى لبنان تحت إشراف رجال مخابرات بعثيين وكوادر من أمن حزب الله.
عمولة لبشّار، وتجّار السلاح الحزبيين غير موثوقين..!
السوريون عادةً ما يُحصون أعداد المنقولات العسكرية، ليس من باب الحرص على معرفة مدى فعاليتها وحداثتها أو أي أمر آخر يتعلق بالعسكريتاريا، إنما من أجل احتساب كمية الأرباح! فالنظام السوري يقبض ملايين الدولارات مقابل كل صفقة سلاح مهربة من إيران إلى الأراضي اللبنانية، رغم إدعائه بحماية المقاومة وتبنيها! إضافة إلى ذلك، فإن قادة الحرس الثوري لا يثقون، وبعد تجارب كثيرة في هذا المجال، بتجار السلاح الحزبيين، وعلاقاتهم المشبوهة بتجار السلاح الغربيين، ويحبذون فكرة استتباعهم الخالصة للمركزية الإيرانية في التسلح، خوفا من أن يتولد من الصفقات الجانبية نوع من استقلالية عسكرية غير محمودة النتائج.
هذا ليس موضوعنا.
المهم أن حجم المساعدات المالية التي يتلقاها حزب الله من إيران يصل إلى حوالي الأربعة مليارات دولار في السنة كما يقال، تزيد وتنقص تبعا للوضع الإقتصادي في الداخل الإيراني، أو حتى اللبناني.
فعلى سبيل المثال، بعد موجة الإعتراضات التي عمت المدن الإيرانية في أعقاب الإنتخابات الرئاسية صيف 2009، تراجعت الميزانية السنوية المخصصة لحزب الله لصالح ترتيب البيت الإيراني وتغطية نفقات قمع الثورة و شراء السكوت الشعبي حيال تزوير الإنتخابات, الفضائح المالية المتتالية داخل تنظيم حزب الله، والتي بدأت مع فضيحة “الحاج صلاح عز الدين”، رمت بثقلها أيضا على حجم المدفوعات المالية الإيرانية،عدا أنها وضعت قيادة حزب الله للمرة الأولى في دائرة المحاسبة و المساءلة! حيث زار قادة من الحرس الثوري منطقة الضاحية الجنوبية للقيام بعمليات تدقيق وتحقيق في عمليات نقل الأموال وصرفها.
السؤال هنا، إذا كان للسلاح ميزانيته الخاصة، فإلى أين يذهب التمويل الذي تحدث عنه نصر الله؟
تتوزع المدفوعات الإيرانية المخصصة لحزب الله على جبهتين :المعاشات الشهرية وتمويل المؤسسات الإجتماعية والتربوية والثقافية، حيث تُخصص اللجان المالية في الحزب معاشات شهرية لرجال الأمن وأسر الشهداء والجرحى والمقاتلين، وتُحتسب باقي المدفوعات لدعم المؤسسات ومتفرعاتها كالجمعيات والمنظمات الخيرية.
أما المؤسسات الأكثر شهرة والتي تخصص لها أكبر حصة من المدفوعات هي: “جهاد البناء”، “مؤسسة الشهيد”، “الهيئة الصحية الإسلامية”، “الهيئات النسائية” و”التعبئة التربوية” وتعمل تحت مسمى “الخدمات الإجتماعية”، تتبعها “مؤسسة القرض الحسن”، و”جمعيات الإمداد”، “دعم المقاومة”، و”كشافة المهدي”.
بعض هذه المؤسسات تستطيع تمويل ذاتها بذاتها وزيادة أرباحها، بغض النظر عن تمويلها الأساسي: كـ”مؤسسة جهاد البناء”، التي تملك مشاريعها التجارية الخاصة أو المشتركة مع مقاولين وشركات بناء غير حزبية.
بينما تتحمل “مؤسسة الشهيد” عبئا يعد الأثقل بين مؤسسات الحزب، حيث يتوجب عليها دفع المعاشات الشهرية لعوائل الشهداء، إضافة إلى تأمين أماكن سكنية، ومنح ومصارفات دراسية لأبنائهم، وتشغيل من يرغب منهم في أعمال مناسبة.
الهيئات النسائية، تعد مؤسسة تطوعية أكثر منها رسمية، بالنظر إلى حجم النشاط و الجهد الذي تبذله “الأخوات” المنتسبات إلى حزب الله، والذي يعتبر أكبر بكثير من حجم المخصصات الشهرية لهن. ومع ذلك تبدو الهيئات النسائية أهم مؤسسات الحزب من حيث فعاليتها وحيويتها على المستويين الأهلي والشعبي.
“التعبئة التربوية” هي أخطر المؤسسات الحزبية،إذا صح التعبير، حيث يتولى أفراد هذه المؤسسةعملية غسل أدمغة طلاب المدارس والجامعات في كافة المناطق اللبنانية، تمهيدا لضمهم إلى صفوف الحزب. وتضم هذه المؤسسة أكبر كادر بشري في حزب الله من حيث العدد.
“الهيئة الصحية الإسلامية” هي الواجهة الطبية لمؤسسات الحزب. تضم عددا كبيرا من الأطباء و الممرضين الذين يتقاضون رواتب شهرية خيالية كي يصرفوا النظر عن العمل في مؤسسات أخرى. وتمتلك أسطولا متطورا من سيارات الإسعاف المرسلة من إيران والمجهزة بأحدث الوسائل والآلات الطبية. وللهيئة الصحية مستوصفات في كل المناطق اللبنانية تقدم الخدمات بأسعار شبه مجانية.
“كشافة المهدي” هي منظمة كشفية,تهتم بإعداد اليافعين واليافعات، خاصة في العطل المدرسية الطويلة. كما تنظم في العطل الصيفية مخيمات تدريب تأهيلية للكشفيين تتخللها دروس دينية وثقافية ليس لها علاقة بما هو حربي أو عسكري، إنما تنحصر مهمتها في الإعداد النفسي والتثقيفي للدخول إلى جنة الحزب لاحقا.
أما الجمعيات مثل “القرض الحسن” و”الإمداد” و”دعم المقاومة” وغيرها، فهي جمعيات خيرية يتم لها الترويج عبر مؤسسات الحزب الإعلامية.
عمل “مؤسسة القرض الحسن” يشبه إلى حد بعيد العمل المصرفي، من حيث نظام القروض، إنما بفوائد أقل تشجيعا للمستفيدين.
“الإمداد” و”دعم المقاومة” تعتمدان على جمع التبرعات من جمهور حزب الله العادي ومال الإغتراب. و هي مؤسسات لا يمكن التنبؤ بحجم عائداتها الشهرية. فالتبرع يبدأ من ألف ليرة لبنانية وصولا إلى ملايين الدولارات.