مقال ممتاز من موقع”راصد” السعودي حول أفضل مدن المملكة العربية السعودية! وكان “فيضان جدة” في العام الماضي مناسبةً لـ”شماتة” المتشدّدين بجامعة الملك عبدالله بن عبد العزيز التي شملها “الغضب الإلهي” بالفيضان! كم يبلغ عدد أفراد “عصابات الإلحاد والزندقة التي تتستر وراء الصحافة والإعلام وحرية الرأي والفكر” التي يقودها “عبدالله حميد الدين”؟ أقلّ من عشرة أشخاص حسب هذا “الريبورتاج” الذي كتبه حبيب طرابلسي! من أصل 20 مليون سعودي! يعني “الخطر داهم”! و”الدين في خطر”! تصوّروا أن “الشيخ سلمان العودة يعمل، عبر تويتر، على إشاعة روح الإلحاد في المجتمع السعودي… بدعم من قطر”!
أقفلوا المقاهي، إقطعوا الإنترنيت” إمنعوا التلفزيون، ومعها الكتب والصحف، ولا تنسوا إقفال المدارس والجامعات! “الفرح والعلم ليس مهنة” المطاوعة السعوديين.
ولا تنسوا أن “تحيلوا” أبو العلاء المعرّي إلى “الهيئة”!
الشفاف
*
تتحدّث الصحافة المحلّية عن “خلايا إلحادية” تنشط في وضح النهار وتفرّخ في جدة، بوّابة الحرمين، ويعلن شاب سعودي على الملأ اعتناقه المسيحية ويتطاول على الله ورسوله ويطالب ببناء كنيسة مسيحية في مكة المكرّمة.
ورغم أن قضية دور الدين في الحياة وتبني الالحاد كمعتقد تراجعتا بانحسار الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفيتي، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي المعاصرة والمنابر الشخصية المتوفرة عبر الشبكات الاجتماعية مثلتا بيئة مواتية لكثيرين ممن يجدون انفسهم اقرب الى الابتعاد عن التدين حتى في بلاد الحرمين الشريفين.
ويحاول المتشددون المساواة بين الالحاد والدعوات الليبرالية، لكن الليبراليين ودعاة الانفتاح يحرصون على التأكيد بأن لا مجال للمقارنة بين التوجهين وان المتشددين يريدون زجهم في معركة خاسرة مقدماً نظراً لتمسك المجتمع السعودي بأهداب الدين الحنيف.
لكن آخرين يؤكدون أن البعض يعبر في كتاباته عن توجه انكاري للدين ودوره في الحياة ويلمحون ـ دون ان يفصحوا ـ إلى أنهم ملحدون ولكن من دون ايديولوجيا الحادية كالماركسية والشيوعية.
مقاهٍ “تفرّخ” الملحدين
وفي الوقت الذي لا تزال فيه إجراءات التحقيق جارية مع الكاتب حمزة كشغري في أعقاب تطاوله على الذات الإلهية والرسول الكريم، تفجّر جدل محموم على مواقع التواصل الإجتماعي حول ظاهرة “اللادينية” وحول “خلايا إلحادية” تعقد ندوات في مقاهي بجدة، يرتادها عدد كبير من شباب الجيل الجديد من الطبقة المثقفة السعودية.
الحملة الإلحادية أطلقها عبدالله حميد الدين، وهو يمني منح الجنسية السعودية قبل سنوات ويحمل الجنسية الأميركية. ويقال إن كشغري كان من روّاد هذه المقاهي التي “فرّخت العديد من الملحدين”.
وبثت عدة مواقع اليوتيوب وكذلك فضائيات سعودية مقتطفات من “معتقدات” حميد الدين وهو يشكّك في وجود الله ويتخطّى كل الخطوط الحمراء التي “تكشف خيوط المؤامرات التي تُحاك ضد ديننا الإسلامي وتكشف أوراق عصابات الإلحاد والزندقة التي تتستر وراء الصحافة والإعلام وحرية الرأي والفكر“، كما يقول الباحث والمؤرخ الإسلامي، الشيخ خضر بن صالح سند.
“الطابور الخامس”
ويؤكد الشيخ سند أن “حمزة كشغري هو نتاج فكري لمدرسة تعمل في الخفاء في مقاهٍ تحتوي على كتب 70% منها ممنوعة في عرف وزارة الإعلام، بينما لا يوجد في جدة مركز إفتاء رسمي ولا كلية شريعة واحدة”.
ويتدخّل الأمير خالد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود، شقيق الأمير الملياردير الوليد بن طلال، في برنامج على قناة “إقرأ” ليتهم “الطابور الخامس من الليبراليين الذين يريدون فصل الدين عن السياسة والمنافقين من التيار التغريبي العلماني الإلحادي الذين يريدون إسقاط النظام”.
وفي مداخلة هاتفية من الولايات المتحدة على قناة “روتانا”، التابعة للوليد بن طلال، يتّهم حميد الدين التيار الاسلامي بأنه “تنظيم إرهابي يستحل القتل وسفك الدماء” وأنه “يتحرك وفق اجندة سياسية معروفة لتصفية الإصلاحيين والتنويريين”.
وكانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبضت قبل عدة أشهر على حميد الدين في مقهى “جسور” بجدة حيث كان يعقد ندوات مع مجموعات من الشباب من الجنسين.
وحميد الدين حاصل على درجة الماجستير في علم اللغة إضافة إلى درجة الماجستير في العلوم الإنسانية من الجامعة الأردنية وله مجموعة من المؤلفات والأبحاث ويهتم بقضايا متعددة من أهمها حقوق الإنسان وحوار الحضارات والإصلاح الديني والتعليم.
وكانت الهيئة قد شهدت في السنوات الأخيرة تراجعا في سلطتها في مدينة جدة، المرفأ السياحي الكبير والتي تحظى بانفتاح ليس له مثيل في باقي أنحاء المملكة المحافظة جدا، بعد قرار الأمير خالد الفيصل، حاكم منطقة مكة المكرمة التي تضم جدة والطائف، بعدم دخول المطاوعة مطاعم العائلات إلا بعد إذن شخصي منه.
وفي الفترة التي كان فيها حاكماً لمنطقة عسير، قبل تعيينه في شهر مايو 2007 على رأس منطقة مكة، كان الأمير خالد، الذي يُعرف بـ”أمير الفكر والشعر”، محل انتقادات المطاوعة الذين كانوا يلومون انفتاحه.
وكان اسلاميون أكدوا أن الموضوع أكبر من حمزة كشغري الذي كان “كبش فداء لشخصيات ليبرالية تسعى لتحجيم دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
وطالب أحدهم بملاحقة حميد الدين الذي “استغل شبابنا المسلم بفطرته ونشأته وتربيته ولم يتدرب على النقاش والحوار والدفاع عن دينه بالحجج الدامغة، فكان صيداً سهلاً”.
وذهب الأمر بالإعلامي السعودي سلطان الجوفي، رئيس تحرير صحيفة النخبة الأسبوعية، إلى حدّ إتهام الداعية السعودي سلمان العودة، عبر تويتر، بالعمل على إشاعة روح الإلحاد في المجتمع السعودية… بدعم من قطر.
“التشدد هو العدوّ الحقيقي”
يتساءل الكاتب خالد عوض العمري “من هو العدو؟ “. ويجيب “العدو الحقيقي لهذا الوطن منذ تأسيسه هو التطرف والتشدد الذي يتخذ من الدين جلباباً له ليخدع به البسطاء”.
ويطالب الصحفي الليبرالي جمال خاشقجي، المقرّب من الأمير خالد الفيصل، بالعفو عن كشغري، معتبرا أن كتاباته المسيئة للإسلام تظهر أن “مستوى عدم التسامح وثقافة الكراهية وصل لمرحلة المرض في السعودية”.
ويرى العديد من الكتاب أن المبالغة في الغلو والتشدّد و”شيطنة الآخر” بدأت تنفّر بعض الشباب من الإسلام وتنجب جيلا من “اللادينيين” وآخر من “المتنصّرين” على غرار الشاب حمود صالح العمري الذي أطلق على نفسه لقب “قسّيس مكة” وظهر عبر مقاطع فيديو وهو يلعن الله والرسول الكريم والأسرة الحاكمة في السعودية.
ويتباهى العمري على قناة “الحياة”، الفضائية التبشيرية، بارتداده عن الإسلام واعتناقه المسيحية. ويطالب بالسماح له ببناء كنيسة مسيحية بمهبط الوحي.
كلام عن “التحصين” والترشيد
في الأسبوع الماضي، أوردت صحيفة “الوطن” قول إمام في خطبة الجمعة أن من أسباب تفشي الإلحاد بين الشباب، “ابتعاث الطلبة للخارج” و”اطلاعهم على ما يكتب في شبكات التواصل الاجتماعي”، وهم في الحالتين “غير محصنين”. وأضاف الإمام أن “لديه ما يفيد بدخول ثلاثين مبتعثاً في الدين النصراني”.
في نفس الأسبوع، حذر الداعية الشيخ محمد النجيمي الشباب من “قراءة الفلسفة قبل التحصين”. وشن المفتي العام، الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، هجوماً على دعاة أفكار ”الصوفية”.
ونصح دعاة، من ضمنهم الشيخ صالح اللحيدان، النساء بعدم الذهاب إلى المهرجان الثقافي بالجنادرية، رمز الوحدة الوطنية، باعتباره “لهو ولعب”. فدفع التّحريض عشرات من “المحتسبين” إلى محاولة إقتحام قرية التراث لمحاربة الفرحة ووأد البسمة.
واستبق بعض رجال الدين انطلاق معرض الكتاب الدولي الذي سينطلق بعد أيام في الرياض وتحضره مملكة السّويد كضيف شرف، فأصدروا فتوى تحرّم الذهاب إليه وشراء الكتب ”الهدامة” منه.
في المقابل، تعلن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن تنظيم 1358 مؤتمراً وورشة عمل وصرف 200 مليون ريال لرفع كفاءة الميدانيين في الجهاز للحد من انتشار السلوكيات السلبية ونشر ثقافة الأمر بالمعروف بـ”معروف” والنهي عن المنكر “بلا منكر”.
لكن في نفس اليوم يصادر أحد أعضاء الهيئة جوال رئيسة مجلس إدارة “جمعية فتاة الأحساء التنموية الخيرية”، لطيفة العفالق، بالقوة ويتهجم عليها ويمسك يدها بعنف. وتقول العفالق أنها كانت تريد تصويره “لتوثيق الواقعة”. وتضيف أن عضو الهيئة كان يدخل على قسم السكرتارية بالمعرض الذي تنظمه الجمعية للأسر المنتجة والذي يعمل به طاقم نسائي، رغم كتابة لافتة على الباب بعدم الدخول إلى المكتب”.
يقول الكاتب سعود محمد الثنيان “من غير المعقول أن يكون الوطن رهينة بيد مجموعة من المتشددين الذين يريدون طلبنتنا وتمرير أجندتهم على المجتمع”.
ويتفق معه بدر بن سعود بالقول أن “فرض الرأي أو الموقف بالعصا أو بالقوة مرفوض وليس من أخلاق الإسلام”.
وبأكثر وضوح يقول الكاتب مصطفى الحسن “متى ما منعت الناس من إبداء رأيهم، فأنت في الواقع تغتالهم روحياً. فالدين يحيا بالكلمة الحرة، ومن يمنع الرأي يمنع تجديد الدين”.
بمعنى آخر، أن “المتضرر الحقيقي من منع حرية الرأي، ووأد الكلمة الحرة، هو الدين نفسه. والمنتصر هو الطرف المستبد… ولكنه انتصار مؤقت، لأن الناس لا تحيا دون كلمة، إلا لفترات قصيرة”.
ويذكّر فواز حمد الفواز بمقولة المفكر الهولندي سبينوزا الذي عاش في القرن السابع عشر وكتب مقطوعة حول الدين والسياسة سبّبت حالة من التشنج والامتعاض في هولندا والغرب، “كلما قلت مساحة الحرية زاد الاستياء إلى حد الرفض والعصيان”.
وتتساءل لبنى الخميس “كيف يقود مليكنا رحلة الحوار مع الأديان الأخرى برقي المسلم الواعي الفاهم لمتطلبات العصر، ونحن كمجتمع وأفراد نختلق ألقاباً نرمي بها بعضنا البعض «…» كلٌّ يعتقد أن آراءه واعتقاداته منزهة عن الخطأ ولا يأتيها الباطل من أمامها أو من خلفها. أليس في ذلك غرور مقيت؟ “.
وكان الملك عبدالله قد شرع منذ اعتلائه العرش سنة 2005 سلسلة من الإصلاحات كان من ضمنها إغلق “بازار الفتاوى” العشوائية التي تحرم الحلال وتحلل الحرام، وذلك بحصر الإفتاء في هيئة كبار العلماء. وقبلها، أعفى الملك الشيخ اللحيدان من منصبه كرئيس لمجلس القضاء الأعلى، بعد أن أدمن المجتمع السعودي على الفتاوى الشاذة واشتدّ التباين في الإفتاء بين الفقهاء حتى… طفح الكيل.
مطالبات بضوابط رادعة
لكن نداءات بدأت تصدر لوضع حد لـ”الاصطياد في مياه الإلحاد”، كما قال أحد الكتاب.
وتحدث المستشار الشرعي عضو الجمعية الوطنية الحقوقية، حمد الخنين، عن ” نظام جديدً سيصدر ليكون ضابطاً لظاهرة الانفلات الإلكتروني”.
لكنه أقرّ في نفس الوقت بأن “الأفكار الهدامة” المتداولة على مواقع التواصل الإجتماعي “ترجع للكبت الذي يعانيه هؤلاء الشباب فيتوجهون إلى ‘تويتر’ ليدلي كل منهم بدلوه”.
وبدورها أكدت والمستشارة القانونية سعاد الشمري “ضرورة وجود قانون يجرِّم المساس بالعقيدة ومصادرة الحريات وخطاب التكفير”.