نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية في عددها امس الاحد تقريرا عن الانتخابات البرلمانية الكويتية، سلطت الضوء خلاله على عدد من الملاحظات التي تم رصدها من مراسليها في الكويت، وذلك تحت عنوان «الديموقراطية الكويتية تعاني».
حملة انتخابية عنيفة ونقاشات محمومة تحتضنها الديوانيات، هذه الصالونات السياسية التي تعتبر المكان التقليدي الذي يعبر فيه الكويتيون عن آرائهم بشأن الانتخابات التشريعية المبكرة، التي ينتظر أن تعقد في الثاني من فبراير المقبل.
تبدو المعركة بين المرشحين لهذه الانتخابات حامية الوطيس، خصوصاً أولئك المرشحين الذين ينتمون إلى أبرز التيارات السياسية في البلد، سواء تعلق الأمر بالليبراليين أو الوطنيين أو الإسلاميين.
لكن ما علينا أن نعرفه، هو ما إذا كان الناخبون الكويتيون الذين تم استدعاؤهم للانتخاب لرابع مرة، في ظرف خمس سنوات، سينتهون إلى متابعة الأزمات السياسية ذاتها التي شهدتها الكويت من قبل.
أين هو البلد سياسياً؟
تمت الدعوة إلى تنظيم انتخابات تشريعية مسبقة بعد حل البرلمان، الذي جاء بعد استقالة حكومة الشيخ ناصر المحمد في ديسمبر 2011. وكان الشيخ ناصر المحمد يرأس الحكومة منذ تعيينه عام 2006. ويتعلق الأمر هنا باستقالة سابع حكومة شكلها، ولكن الشيخ ناصر المحمد اسْتُبْد.ل هذه المرة بالشيخ جابر المبارك، وهو مثله أحد أعضاء الأسرة الحاكمة.
لقد كان الشيخ جابر المبارك ضمن الطاقم الحكومي منذ 2001، كما اعتلى سابقاً منصب وزير الدفاع، ولكنه لا يمثل القطيعة التي تأمل المعارضة تحقيقها.
رحل الشيخ ناصر المحمد عن الحكومة، بعد معركة طويلة، ففي أغسطس من عام 2011، كشفت صحيفة كويتية (القبس) عن تحويلات بنكية تزيد قيمتها على مئات الملايين من الدولارات، استفاد منها عدد من أعضاء مجلس الأمة، نظير تأمين عدد من الأصوات الموالية، ليتمكن رئيس الوزراء من تفادي التصويت بسحب الثقة منه، وقد قدم كتاب لسحب الثقة منه مرات عدة. وكان الشيخ أحمد الفهد المتهم بالفساد قد قدم استقالته قبل بضعة أسابيع فقط من ذلك.
بلغ التوتر بين رئيس الوزراء والمعارضة ذروته، حين اقتحم عدد من المتظاهرين مقر مجلس الأمة في السادس عشر من نوفمبر الماضي. لقد كانوا يطالبون بوقوف رئيس الوزراء على المنصة، والرد على استجوابات نواب المعارضة.
نقاشات تهز المجتمع
قبل موجة الربيع العربي التي انتهت بتنظيم أول انتخابات حرة ونزيهة في خريف 2011 في كل من تونس ومصر والمغرب، سمحت الكويت بشكل من أشكال التعددية السياسية الفريدة من نوعها في المنطقة، حين تم إجبار الشيخ ناصر المحمد على تقديم استقالته.
فمنذ الاستقلال عن الحكم البريطاني في عام 1961، تم الاتفاق في الكويت على انتخاب مجلس تأسيسي وصياغة قانون أساسي يؤسس لشكل المشاركة في الحكم بين عائلة الصباح المالكة التي تحكم هذه الإمارة منذ القرن الثامن عشر والقوى الأخرى في البلاد.
ومثلما تذكر كارين لحود طاهر في كتابها الذي خصصته للكويت «الإسلام والسياسة في الكويت» الصادر عام 2011، فإن هذه التعددية نتيجة اتفاق أبرمته العائلة الحاكمة مع التجار. لكن هذا الاتفاق تغير بسبب الثروة النفطية وبسبب المنافسة التي تعرضت لها نخبة التجار من قبل فاعلين سياسيين جدد من الطبقة السياسية المتوسطة والبدو والشيعة.
لقد حقق المختبر الكويتي نجاحات عدة في ظرف نصف قرن على الرغم من رفضه لحد الآن فكرة تشكيل احزاب سياسية، واما ابرز هذه النجاحات فيتمثل في دمج ابرز القوى الاسلامية، سواء تعلق الامر بالسلفيين او الاخوان المسلمين، والكويت كانت اول دولة خليجية فتحت هيئاتها ومؤسساتها السياسية للمرأة.
بعد ان حصلت المرأة على حق الترشح والانتخاب في عام 2005، رغم معارضة الاسلاميين والقبائل، تقلدت النساء مناصب وزارية في الحكومة ونجح اربع منهن في دخول البرلمان، بعد محاولتين فاشلتين في عامي 2006 و2008.
والنائبات السابقات الاربع هن مرشحات ايضا لانتخابات 2012، بالاضافة الى ذلك فالكويت وفق الباحثة المتخصصة في شؤون الكويت فتيحة دازي هني: هي من دون شك الدولة الوحيدة في المنطقة التي يمكن فيها التنديد علناً بالفساد واستجواب اعضاء الاسرة الحاكمة الذين يتولون مناصب وزارية.
ولكن على الرغم من كل هذا التقدم، فإن حالة الانسداد المؤسساتي الملاحظ منذ 2006، سببت خيبة امل بالنسبة الى الديموقراطية الكويتية، بحسب كارين لحود طاهر «تجربة الكويت قادرة على فتح الكثير من النقاشات، لكنها فقدت القدرة على انتاج قرارات»، بالاضافة الى ذلك تعيش الكويت حالة ركود مقارنة بدول الخليج الاخرى التي باتت تتبع النموذج السنغافوري القائم على اقتصاد ليبرالي واستبداد سياسي.
تبعات اجتماعية
لم تخل الأزمة السياسية من تبعات اجتماعية في هذا البلد الذي يسيطر على 9 في المائة من احتياطي البترول العالمي، فيما تصنف مداخيله من بين الأعلى عالمياً بالنظر الى عدد سكانه.
وبينما تغطي مداخيل البترول 93 في المائة من ميزانية الدولة، يتجه الخطاب الرسمي نحو الدعوة الى خفض نسبة الاعتماد على البترول.
لقد غذى ضعف الحكومة خلال الأشهر القليلة الماضية المطالبات الاجتماعية، حيث تميزت تلك الفترة بسلسلة اضرابات من بينها اضراب موظفي القطاع النفطي.
في يناير 2011، وخلال بداية أحداث الربيع العربي، استسهلت السلطات اللجوء الى الخزينة العمومية لإخماد أي شكل من اشكال الاحتجاج، وتم إقرار منحة استثنائية للمواطنين.
لقد تضاعفت تكلفة القطاع العام في الكويت خلال العشرية الأخيرة، ذلك ان أكثر من 80 في المائة من المواطنين موظفون في القطاع الحكومي، بينما تشتغل نسبة كبيرة جدا من الأجانب في القطاع الخاص.
اعتمدت الحكومة في عام 2010 خطة تنمية تهدف الى تحويل الكويت الى مركز مالي وتجاري، لكن دبي والبحرين سبقتاها في ذلك، وتمكنتا من بناء سمعة قوية. وتقول فتيحة دازي هني «تفتقر الكويت الى خبراء في الاستشراف، سواء في العائلة المالكة أو البرلمان، وهو ما يفسر رد فعل الشباب، الذين تحركوا بقوة للمطالبة برحيل رئيس الوزراء»، «سيشارك جزء من هؤلاء الشباب في الانتخابات على أمل إحداث التغيير، انطلاقاً من تجديد البرلمان، لكن جزءاً آخر من الشباب لا يؤمن من دون شك بذلك».
علاقات الكويت مع جيرانها
كل شيء يوحي بان الكويت التي كانت في بداية 1960 قلب الخليج النابض، سواء على الصعيد السياسي او الثقافي، لم تخرج بعد من الصدمة التي سببها لها الغزو العراقي في عام 1990، كما ان سقوط نظام صدام حسين في 2003، لم يبدد مخاوفها. وبعيدا عن التوترات التي تغذيها مسألة تعويضات الغزو ومصير المفقودين خلال تلك الفترة، هناك تخوفات حقيقية للكويت، وفي هذه النقطة تقول فتيحة دازي هني «ما لم تعترف السلطات العراقية كتابيا بالحدود، ستسيطر حالة عدم الثقة على العلاقات بين البلدين». وهذا الامر لمسناه خلال الازمة التي تسبب فيها قرار الكويت ببناء ميناء مبارك الكبير.
تحاول الكويت على صعيد آخر الحفاظ على مصالحها، وهي الموجودة بين ايران والعراق اللذين يسيطر عليهما الشيعة، والسعودية التي تجمعها علاقات سيئة للغاية مع هذين البلدين، لذلك اقترحت الوساطة، لتجنب قمع التظاهرات التي اندلعت في البحرين في فبراير ومارس 2011. هذا الاقتراح رفضته المملكة العربية السعودية التي تدخلت في البحرين مع الامارات العربية المتحدة في اطار اتفاقية الدفاع المشترك (درع الجزيرة).
والكويت التي يتكون ثلث سكانها من الشيعة معرضة ايضا للخطر في حال توجيه اي ضربة عسكرية ضد البرنامج النووي الايراني، فمفاعل بوشهر النووي الذي بنته روسيا يقع على الحدود الكويتية.