” منذ دخولي معترك مهنة الصحافة لم أبدل رأيي مطلقا، وظلت قناعاتي ثابتة لا تعبر عن الحكم ولا تعبر عن المعارضة ولا تعبر عن الإدارة الأميركية ولا الإدارة الفلبينية وإنما تعبر عما أؤمن به أشد إيمان. ولا يعني انتقادي للأوضاع القائمة في اليمن عدم إيماني بأهمية وحدة الأرض اليمنية، مثلما أن إيماني بالوحدة لا يقلل من قناعتي بضرورة تصحيح مسارها الأحادي.”
الفقرة أعلاه اخترتها مقدمة لهذا المقال لكني لم أكتبها اليوم بل كتبتها قبل سبع سنوات وثلاثة أشهر وبضعة أيام. ولم أدونها في مفكرة خاصة لا تنشر محتوياتها بل نشرتها للملأ في موقع التغيير الاخباري ضمن مقال تحت عنوان: وحدة الجنوب أولا
ولمن يهمه التأكد فرابط المقال هو: http://www.al-tagheer.com/arts887.html
ولكن ما مناسبة هذا الكلام وما الجدوى من التكرار. المناسبة هي أن كثيرا من كتاب الحراك اعتقدوا خطأ أن قاسمنا المشترك معهم في مقارعة نظام الفساد والاستبداد طوال السنين الماضية معناه تاييدنا لمشروع الانفصال الأناني. وأن رفضنا لفساد علي عبدالله صالح السياسي والمالي يعني ترحيبنا بفساد علي سالم البيض المالي والسياسي. وهذا غير صحيح وتشهد به كتابات الماضي كما تشهد به كتابات الحاضر. ومن أجل التدليل على أن موقفي من القضية الجنوبية لم يتبدل فإني في السطور التالية سوف انتقي من مقال التغيير المشار إليه أعلاه فقرات إضافية تبين رأيي في القضية الجنوبية قبل نشوء الحراك وهو نفس الرأي الذي مازلت اقوله اليوم رغم الخطاب التنفيري والتهجم الدائم الذين اسمعه من الحراكيين الجدد التابعين لسفارات علي عبدالله صالح أو من تلتقي مصالحهم بمصلحته الجديدة في الانتقام من اليمن :
وسوف يلاحظ القارئ الكريم أن الفقرات التالية المنشورة في التغيير بتاريخ ٢٥ نوفمبر ٢٠٠٥، لم يرد فيها ذكر الحراك ولكن ورد ذكر حركة تاج لأن الحراك لم يكن قد نشأ بعد، ولكن الخطاب هو نفس الخطاب والرد هو نفس الرد، وما أشبه الليلة بالبارحة، وإليكم فقرات من أرائي السابقة على نشوء الحراك:
” …. ألاحظ كمراقب أن المعارضة الجنوبية تريد من معارضي الشمال أن يناضلوا من أجل استقلال الجنوب، كما يطالب المعارضون الشماليون من إخوانهم الجنوبيين تناسي مشكلات الجنوب ويتظاهرون ضد الفساد والاستبداد وهم قاعدون.
وفي رأيي الشخصي أن تشخيص المشكلة هو الطريق الأسلم لحلها فإذا كان التشخيص خاطئ لا بد أن يكون العلاج خاطئ وربما يموت المريض بسبب ذلك إذا ما استمر تعاطيه دواء غير سليم، وهذا هو حال المعارضة المتمثلة في حركة تاج من خلال قراءتي لما يكتبه المنتمون لتاج توصلت إلى نتيجة أنهم شخصوا مشكلة اليمن بشكل خاطئ وأصبحوا مقتنعين تماما أن أبناء الشمال متخلفون ويصعب التعايش معهم والحل الوحيد هو الانفصال عنهم وربما إقامة سور عازل فيما بعد على شاكلة السور الشاروني! هذا التشخيص يؤكده أحدهم بالقول ” ما ذنبي أنا الجنوبي الذي سلمت دولة بمؤسساتها وكوادرها وثرواتها إلى من يحتاج إلى مائة عام قادمة حتى يفكر بأشياء كهذه”.. في رأيي الشخصي أننا في اليمن موحدون بالتخلف ولا يقل ابن الجنوب تخلفا عن ابن الشمال وإن اختلفت مظاهر التخلف.
وهناك منطقة محدودة جدا في الجنوب تمتعت بوجود الاستعمار البريطاني خصوصا مدينة عدن الكبرى وما جاورها حيث تعلم أبناؤها قليلا من قشور الحضارة، وهم بالمناسبة ينتمون إلى خليط متنوع من كافة مناطق اليمن الجنوبية والشمالية على حد سواء وما عداهم لم تصلهم خيرات الاستعمار للأسف، وقد ينتقدني كثيرون بسبب ترحمي على الاستعمار البريطاني ولكن هذه قناعتي ولا أخجل من المجاهرة بها فأنا على قناعة أن الاستعمار أرحم من الاستبداد.. المشكلة القائمة حاليا تكمن في عدم وحدة الجنوب لأن الجنوب اليمني لو كان موحدا لكانت الوحدة اليمنية قوية ولكن ضعفها عائد لضعف الجنوب وانقسامه، ويوضح قولي هذا صديق جنوبي من أبناء مدينة عدن بقوله ” نحن لا نريد أن نتحرر من الاحتلال الشمالي لأننا -والكلام وليس لي- سوف نعاني مجددا من هيمنة مديرية أو مديريتين في الضالع. ويقول آخر من أبناء الضالع ” نحن نريد أن نبقى على الوضع الحالي مهما كان سيئا لأن ذلك أفضل من هيمنة أبناء أبين علينا، وقد يقول قائل من أبين ” لا نريد أن يستقل الجنوب لأننا سنعود للتضحية بأبنائنا وأنفسنا في سبيل قلة قليلة من حضرموت تتمتع بالحكم”.
أنا لا أحاول المبالغة بإيراد مثل هذه الأمثلة ولكن الغرض من ذلك هو الإيضاح بأن الجنوب اليمني مازال يعاني من الفرقة المناطقية بين أبنائه وعدم الاتفاق، ولهذا يتعرض اليمن الكبير للتدمير والنهب شمالا وجنوبا بلا استثناء. ولن أبالغ إن قلت إن حرب 1994 لم تكن حربا شمالية جنوبية بل حربا قائمة بين أبناء الجنوب أنفسهم وكانت امتدادا لصراع يناير 1986. ويمكن النظر إلى الذين اقتحموا العند واقتحموا عدن وفتحوا كل التحصينات في حرب 1994 فسنجد أن أهم طلائعهم من أبناء الجنوب، ولم تكن قبائل الشمال إلا قوى مساندة، ولولا القيادات الجنوبية لاقتصر طموح القيادات الشمالية على إلقاء الجيش الجنوبي خلف مدينة البيضاء لعودة لإعلان الجمهورية العربية اليمنية.
الصراع القائم في الجنوب يعود إلى ما قبل عام 1986 وكان هناك تنافسا مناطقيا مقيتا ومكبوتا بين المحافظتين الثانية والثالثة أدى إلى مآسي دفع ثمنها الآلاف من أبناء الجنوب. ولعبت الأنانية دورا كبيرا في إيقاد الصراع الذي لم ينته إلى يومنا هذا. إنني وأنا من ابناء الشمال أشعر بالرضا عندما أرى في حركة تاج الانفصالية أشخاصا مثل اللواء أحمد الحسني يعملون جنبا إلى جنب مع إخوان لهم من أبناء لحج والضالع.
وهذا هو الأسلوب الأمثل للمضي قدما نحو خطوة أخرى أكثر شمولا وهي الاقتناع بالوحدة الكبرى ، وفي نظري أن العلاج الأمثل لمشكلة اليمن الموحد هو تبني نظام الحكم المحلي الموسع أو الفيدرالية التي تتيح لسكان كل إقليم أو محافظة أن يديروا شؤونهم بالأساليب التي لا يتحمل سكان المناطق الأخرى اللوم في فشلهم. وعلى العكس ستخلق الفدرالية نوعا من التنافس بالأقاليم وهي السبيل الأمثل للحفاظ على وحدة البلاد لأننا قد نغرق في الوحدة إلى درجة التفتت في حين أن اللامركزية الحقيقة هي الضمان الوحيد للحفاظ على البلاد من التفتت ولا نقول الانفصال. وكلامي عن الفيدرالية ليس جديدا إذ أنني أعلنت تأييدي لها على صفحات صحيفة الوحدة الحكومية بعد أن طرحها الأستاذ سالم صالح محمد عام 1993 في ذروة أزمة الاعتكاف السياسية التي مرت بها البلاد قبل اندلاع الحرب، وتسببت الحرب في تغيير مسار الوحدة السلمي. ولن يتمكن أبناء الجنوب من فرض وحدة مرضية لهم ما لم يبدأوا بالتوحد فيما بينهم ونسيان جراح الماضي. وأنا لو كنت جنوبيا وكان هدفي الانفصال فسوف أصل إلى هدفي عن طريق الوحدة، فوحدة الجنوب يمكن أن تقرر مصيره سلبا أو إيجابا، أما استمرار الأنانية والتفرق فلن يحل مشكلة الضم والإلحاق مطلقا.
يجب علينا ألا نتقوقع في الجنوب أو في الشمال أو أو في الشرق بل علينا أن نعمل على امتداد اليمن ونستفيد من كل طاقة تشعر بالظلم والاضطهاد وصدق البيت القائل ” تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحاد “. وسوف تجد أميركا بكل قوتها تسعى إلينا وتخطب ودنا بدلا أن نسعى إليها ونطالبها بتحريرنا من الاستحمار الداخلي. والأمر الآخر هو أن تربط مصلحتك كمعارض بمصالح الآخرين لأن البحث عن المصلحة الضيقة بمعزل عن المصلحة الواسعة إن لم يؤد إلى الفشل فسوف يحتاج منك مائة عام لتحقيق الهدف، ولو أن نائب الرئيس السابق علي سالم البيض طالب بصنعاء وتعز والحديدة لما خسر عدن والمكلا وسيئون. العصر عصر التكتلات والتجمعات الكبرى وليس عصر الانعزالية والأنانية. وإذا لم ترغب في الخير لي لن تجده لنفسك، فأنا أطمح للتحرر من الاضطهاد بالقدر الذي تطمح فيه أنت للتحرر منه، ولن تتمكن من تقرير مصيرك ما لم أتمكن أنا من تقرير مصيري أيضا، والعكس صحيح أيضا فلماذا لا نقرر مصيرنا سويا ؟. وإذا اعترضت على الرئيس الحالي لمجرد أنه من الشمال فسوف تعترض على الرئيس القادم لمجرد أنه من حضرموت أو من أبين. ولن يرضيك أي شئ أخي العزيز ما لم تعلن دولة برئيس واحد وشعب واحد وشخص واحد، هذا إن لم تطالب فيما بعد بالانفصال عن نفسك، فهل نستطيع أن نراجع أنفسنا ونقف وقفة تمعن فيما نحن فيه كي نربط مصلحتنا بمصالح الآخرين لعل وعسى أن نحقق شيئا. ورحم الله الاستعمار البريطاني مرة أخرى الذي كان أبي وجدي يدخلان عدن في ظله بلا خوف ولا رهبة لأن عدن كانت وطنهم ومدينتهم بصدق في حين أصبحت عدن حاليا تضيق بوجود مولودين فيها أبا عن جد. ومن مكاني هذا أدعو قيادات الجنوب والشمال أن يضعوا أياديهم بيد بعض لما فيه مصلحة بلادهم من صعدة وصولا إلى المهرة، فكلنا أبناء وطن واحد شئنا أم أبينا.
* كاتب ومحلل سياسي يمني مقيم في واشنطن
تم نشر هذا المقال في موقع التغيير عام ٢٠٠٥
“الجمهورية” اليمنية
هكذا كنت أرى القضية الجنوبية قبل نشوء الحراك صداع الرأس مضمون للجميع مند الوحدة الى اليوم علي البيض لا يمثل إلا نفسه ! لماذا أقحمته في موضوع القضية الجنوبية , لا يمكن مقارنة موضوع الفساد في البلدين وموضوع الوحدة الغير العادلة, فإذا الفساد هو كان نتيجة العقلية المتخلفة في كلا اليمنيين, فالفساد الشمالي له عمق تاريخي وعريق راجعوا الكتب, الفساد! لم يكون هو السبب في نشوب تلك الحرب عام 1994 كما تريد أن تقدمة للقارئ العربي على صفحات الشفاف, قبلك حاول احمد الحبيشي ان يغطي أشعه الشمس هنا وانتهت بفشل وهزيمة ( راجع كتاباته) على الشفاف . بداية صداع الرأس… قراءة المزيد ..