ما بين العام 1991 والعام 2005 ووفقاً لمعاهدة الأخوّة والتنسيق بين البلدين الشقيقين لبنان وسوريا، كانت القوى الأمنية اللبنانية وأجهزتها مُلزمة بتسليم أي لبناني قد تطلبه القيادة السورية بجريمة المطالبة بالحرية والسيادة والإستقلال، من هنا تبدأ حكاية ثابتة أن رؤساء الأجهزة الرسمية اللبنانية في ذلك العهد يعرفون الكثير عن تلك القصص دون أن يحركوا ساكناً.
بعيّد الإنسحاب السوري وفي زيارة رئيس الحكومة وقتذاك نجيب ميقاتي إلى سوريا، تشكلت لجنة مشتركة بين البلدين رأسها من الجانب اللبناني النائب العام الإستئنافي جوزف معماري هدفها الأساس البتّ في قضية المعتقلين والمخفيين قسراً في سوريا… ولأن اللجان مقبرة المشاريع لم تُفلح تلك اللجنة في إنجاز أي شيء ولا حتى في “أرشفة” الملف الذي ما زال فارغاً.
للحظات قليلة أشبه بالحلم، حضرت أمامي صورة دولة الرئيس العماد ميشال عون واقفاً بشموخ غير عادي، متمنطقاً بأكبر تكتل نيابي ووزاري ومحاطاً بعشرات الجنرالات المناضلة والقيادات الشريفة، خلته يصرخ بأعلى صوته مطالباً الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” بوضع حدّ للقضية الإنسانية الأبرز والمتعلقة برهبان دير القلعة وأبطال 13 تشرين وبطرس خوند وغيرهم من المعتقلين الشرفاء في سجون الذلّ السورية، خلته يحمّل العالم مسؤولية إستمرار وجودهم في أقبية العذاب وغياهب النسيان وخاصة أن الوضع السوري الحالي هو الخطر بعينه على حياتهم في حال كان من بينهم أحياء يرزقون…
بعيّد زيارة الجنرال ميشال عون إلى سوريا ومصالحته مع النظام البعثي الشقيق، حمّل دولة العماد مسؤولية البتّ بمصير المعتقلين إلى الحكومة اللبنانية متناسياً أن حليفه الأساس والمتفاهم معه أصلاً حزب الله كان ركناً أساسياً من تلك الحكومة، أما اليوم فهو الحكومة، كلّ الحكومة ومعه الجنرال صاحب أكبر تكتل وزاري في تاريخ الجمهورية اللبنانية…
وطنيٌ بامتياز أن تطالب الحكومة اللبنانية بمعرفة مصير الإمام المغيّب موسى الصدر ورفاقه يوم ترنّح النظام القذافي، لكن الوطنيّ أيضاً أن يصرخ العماد عون كما كان وما زال يصرخ الرئيس بري، مطالباً الأمين العام للأمم المتحدة بالتدخل الفوري لحل هذا الملف الشائك والمزمن وخاصة أن هؤلاء الأبطال هم بأغلبيتهم الساحقة أبطال 13 تشرين 1990، أبطال الحرية والسيادة والإستقلال، أبطال التصدي للإحتلال السوري يوم تخاذل العالم أجمع وبيع لبنان إلى النظام الأسدي، المترنّح حالياً.
هل من يسمع، هل من يجرؤ وهل من يتحرك ما تبقّى لديه من حسّ إنساني ووطني؟ أم مصلحة البلدين العليا تتطلب من الجميع الإبتسام للكاميرات وإستقبال الضيف الأممي “بروتوكولياً” دون المطالبة بهؤلاء الشجعان وكأن لا أهل لهم ولا أمهات ولا حسب ونسب. نعم جنرال، أنت الحكومة اليوم والحكومة أنت… أُصرخ بالله عليك ومن دون حسابات.
becharakhairallah@hotmail.com
* كاتب لبناني
إلى “عون”، الحكومة و”بان كي مون” الأمم
الجنرال لا يصرخ الجنرال يتوه في متاهته!