لم يكن من المصادفات أن عضو فريق المراقبين العرب في سوريا، الذي انسحب من البعثة وأماط اللثام عن حقيقة دورها، هو ناشط حقوقي جزائري حصل على اللجوء السياسي في أوروبا وهو يُصارع بعض القوى المتنفذة في بلده إلى درجة أنه كاد يقود وزيرا مشهورا إلى المحاكم السويسرية.
لكن أنور مالك الذي صارت الفضائيات تنتظر دورها لإجراء مقابلات صحفية معه، لا يوافق على أن خلفيته الحقوقية هي فقط التي جعلته يستقيل من عضوية بعثة مراقبي الجامعة العربية إلى سوريا، فعندما التقيته وسألته عن الدوافع التي حفزته على إعلان انسحابه رد على الفور “لو تجرد أي مراقب من عواطفه وذهب إلى المدن السورية لتدوين كما لو أنه روبوت، لنبتت له مشاعر جديدة أقوى ولما تحمل الإستمرار في لعب دور شاهد الزور”.
“شاهد الزور”… إنها الكلمة المفتاحية التي تفسر الكابوس الذي ظل يطارد نوار قبل الإقدام على عمليته التي قوضت كل ما بناه الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه الأخير، وظلت أجهزته تركب أجزاءه بدقة متناهية طيلة أسابيع.
وقال أنور الذي التقته swissinfo.ch في العاصمة القطرية “انسحبت لأني وجدت نفسي عنصرا في مسرحية ترمي لحماية النظام والتغطية على الجرائم التي يرتكبها في حق المدنيين. وما شاهدته في المدن السورية التي زرناها هو انتفاضة شعبية مدنية استُخدمت فيها جميع وسائل القمع والترهيب. كنت شاهدا أخرس، مُقيدا، لا أقدر على قول أي شيء بينما أنا أرى القنص المكثف أمام عيني. لم تكن تلك هي المهمة الأصلية، فنحن ذهبنا في مهمة سلام، مهمة مراقبة لتنفيذ بروتوكول مكتوب وواضح، لكن وجدنا أنفسنا نحمي النظام”.
swissinfo.ch: لكن اللجنة قالت إنها استعرضت صورا وخرائط للمدن والمواقع التي حدثت فيها مواجهات، فهل تشكك أيضا في وجود تلك الصور والخرائط؟
أنور مالك: لا أشكك فهي موجودة فعلا، لكنها سُلمت لنا من أجهزة النظام وقد أنجزها المحافظون وهي تحتوي على أسماء أحياء نجهلها تماما، فهي لا تُقدم ولا تُؤخر. لقد ذهبنا إلى سوريا بحقائب فارغة ولم نعد منها بشيء.
وماذا عن مدى صعوبة الإتصال بالمواطنين السوريين؟
أنور مالك: إنها صعوبات كبيرة لكنها من صنفين، الأول يتعلق بالأحياء الموالية مثل حي الزهراء وحي الأرمن حيث سمع المراقبون السب والشتائم ليس لهم فقط وإنما للسيدة عائشة والصحابة، أما الثاني فهو الأحياء المنتفضة التي لم نشعر فيها بأي ضغط سوى شكاوى المواطنين الذين يأتون إلينا لتوسيطنا لدى السلطات من أجل معرفة مصير أبنائهم وبناتهم. ماذا تشعر حين تأتيك سيدة وتقبل جبينك ويديك وتسألك أن تساعدها على التعرف على المكان الذي توجد فيه ابنتها المخطوفة؟ أو تأتيك سيدة أخرى لتترجاك أن تساعدها على دفن ابنها القتيل الذي لا تعرف أين هي جثته؟
المعارضة كانت تهاجم دور فريق المراقبين ألم يتسبب ذلك في تعريضكم لأي إيذاء من المحتجين؟
أنور مالك: لم نتعرض إلى أي نوع للإساءة من المعارضة. أقمنا في فندق “سفير” ولم يستطع أحد من المواطنين الإقتراب منه عدا حالات قليلة. لقد كان من المفروض أن يكون لنا مكتب خاص وأدوات عمل مثل جهاز الفاكس ووسائل الإتصال الأخرى لكي نستطيع الإستماع إلى الطرفين، الموالون والمعارضون، لكن لم نجد شيئا من ذلك. بل على العكس أتونا بسيدة موالية لتمثل دور المحتجة، لكننا اكتشفنا الحيلة.
قيل أيضا إن الفريق كان مربوطا إلى غرفة عمليات فما مدى صحة ذلك؟
– فعلا قالوا ذلك، لكن اتضح أن الأمر يتعلق بمكتب عادي فيه مجموعة أشخاص معظمهم سودانيون منهم العقيد أكرم وهو مساعد لرئيس البعثة الفريق اول الركن السوداني محمد احمد مصطفى الدابي، لكن واجهتنا صعوبات كبيرة في التواصل، إذ اضطررنا لاستخدام البريد الألكتروني أداة وحيدة للإتصال، وهذا البريد بطيء بطءا شديدا في سوريا، إذ يحتاج التحميل إلى وقت طويل. باختصار مكاتبنا هي غرفنا في الفندق، وبعد اجتماعنا مع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي وعدتنا السلطات السورية بمكاتب مجهزة بأجهزة فاكس في كل مدينة، لكن لم نر شيئا من ذلك.
هل تتوقع أن ينسحب مراقبون آخرون بعد استقالتك أنت؟
– لا أستبعد ذاك خاصة من الأعضاء المستقلين الذين لهم ضمير… هناك ضابط مغربي غادر سوريا قبلي بيوم واحد، وضابط تونسي كان يحتج منذ اليوم الأول على الصعوبات التي واجهناها، ولما دخلت إلى مكتب الفريق الدابي لأشعره بقرار المغادرة وجدت لديه عضوا في الفريق من جيبوتي وآخر من مصر يرغبان بالمغادرة، لكنهم غادروا بصمت في اعتقادي ربما لأن بعضهم تلقى أوامر من منظمته بالسكوت. ولا ننسى أن أغلبية أعضاء الفريق هم من ممثلي الحكومات فهم إما ضباط في المخابرات أو سفراء سابقون، وهؤلاء لا ينسحبون من فريق المراقبين سوى بعد موافقة دولهم.
ذكر التقرير أن فريق المراقبين ساهم في تأمين إيصال الأغذية إلى بعض المناطق المحاصرة، فهل هذا صحيح؟
أنور مالك: بلى، قمنا بتأمين الأغذية لمنطقة السلطانية وحي بابا عمرو، لكن ذلك كان خارج إطار البروتوكول ولم يحدث سوى مرة واحدة، فضلا عن أن الكميات لم تكن كافية. وقد كنت حاضرا عندما صار المحافظ يبتزنا قائلا “تعاونتُ معكم في ما هو غير قانوني”، وهو يسعى في الحقيقة إلى إملاء شهادات مزيفة علينا.
لكن الفريق الدابي قال كلاما آخر واتهمك بأنك لم تغادر الفندق طيلة المدة؟
– هذا رد سخيف يدل على سخافة المهمة التي أسندت إلى الفريق، فهو يزعم أني لم أغادر غرفتي بينما ظهرتُ في صور كثيرة بثتها المحطات التليفزيونية، ومن بينها قنوات سورية، إلى جانبه. أنا لم أغادر إلا يوم الجمعة 6 يناير. قبل ذلك كتبت رأيي بحرية على صفحات فايس بوك وبقيت أربعة أيام لا أفعل شيئا، قبل أن أقرر المغادرة. كنت أنتظر تصحيح المسار لكنهم خيبوا ظني.
من “هم”؟
– سأعطيك مثالا: حاولت الاتصال أمس (الخميس 12 يناير 2012) بنبيل العربي في القاهرة فأحالوني على مدير مكتبه، وكان السؤال الذي طرحه علي هو “لماذا لم تُرجع العهدة إلى الجامعة؟” وكان يقصد بالعهدة السترة المميزة ذات اللون الأحمر التي كان يرتديها أعضاء الفريق، فأجبته: هل هذا هو أهم جانب في القصة؟ مع العلم أني اجتمعت مع الفريق الدابي وقلت له قبل مغادرتي دمشق: انتظرني على قناة “الجزيرة” مساء اليوم، وكانت تأشيرة الدخول إلى قطر المثبتة على جوازي مبنية على دعوة من القناة.
كيف وجدت ردود فعل السوريين على استقالتك؟
– مُذهلة، فقد أطلقوا اسمي على شارع نزار قباني في حمص ورأيت التحيات مكتوبة على لافتات نقلت صورها الفضائيات، وأغتنم هذه الفرصة لأرد على التحية والتكريم بأحسن منهما عبر “سويس أنفو”. لقد أعطوني قيمة أكبر مما قدمت، وهذا ما سيحفزني على مواصلة العمل على إحقاق الحق في هذا البلد العربي المنكوب.
مراسلة خاصة من الدوحة- swissinfo.ch
أنور مالك: “شاهدتُ انتفاضة مدنية استُخدمت فيها جميع وسائل القمع والترهيب”
احسنت عملا السيد انور بانسحابك من مسرحية المراقبين. النظام البعثي يحمل درجة الاستاذية في تحوير وتطويع القرارات الغبية الصادرة من جامعة الأنظمة العربية لإطالة عمره واعطاء الوقت اللازم لنظام البعث ان يجد مخرجا يبقيه وزرافته في السلطة. يجب على السوريون الوطنيون الذهاب الى الامم المتحدة و مجلس الامن مهما كلف الامر ومهما تصدت روسيا والصين للقرارات الاممية فمع الوقت سيرون ان القصة في سوريا قصة شعب يريد حكم نفسه وليس كما يقول شبيحة النظام (الإكترونيون) كالربيعي العراقي الطائفي وامثاله والذين يستطيبون اكل لحوم اخوتهم احياء بدعاوي طائفية.