يروي الامين العام السابق لحزب الله الشيخ صبحي الطفيلي انه عندما كان على رأس قيادته (بين العامين 1983 و1992)، وفي العام 1985 تحديدا، كانت مدينة طرابلس تتعرض لحصار سوري، وشهدت معارك عنيفة بين الجيش السوري وحركة التوحيد الاسلامي التي كانت القوة الابرز في ذلك الحين في المدينة. تلك المعارك أحدثت دمارا كبيرا وادت الى سقوط مئات القتلى من عسكريين ومدنيين، يتابع الشيخ طفيلي، الذي كان مع قيادات في حزب الله يسعون الى وقف هذه المجزرة. وبعد اتصالات قام بها شخصيا مع مسؤولين سوريين في دمشق، قرر ان يتجه الى طرابلس شخصيا ويخرج زعيم حركة التوحيد آنذاك الراحل الشيخ سعيد شعبان من المدينة كخطوة تستهدف وقف النزف والقتال. ورغم اعتراض الضابط السوري يومها غازي كنعان، الذي حاول منعه من القيام بهذه الخطوة، الا انه ابلغه انه سيدخل الى المدينة وسيخرج الشيخ شعبان مهما كلف الامر: “وقمت بهذه الخطوة ودخلت المدينة التي كانت في ذلك اليوم شوارعها ممتلئة بالجثث، واخرجنا الشيخ شعبان وعملنا على اعادة الوصل بين القيادة السورية والشيخ شعبان لانهاء الازمة. ونجحنا في هذا المسعى الايجابي وساهمت هذه الخطوة بوقف حمام الدم وهو ما حفظه لنا ابناء المدينة ولم تتأثرعلاقتنا بالقيادة السورية”.
وعلى هذا الصعيد ايضا يستذكر الشيخ الطفيلي حرب المخيمات في تلك الفترة، يقول: “تعرض حزب الله إلى ضغوط هائلة للانخراط في هذه الحرب، ولكنه بقي على موقف الادانة لهذه الحرب القذرة، رغم انه لم ينج من بعض آثارها في نهاية المطاف، إلا أنّه حافظ نسبيا على موقعه في وجدان الشعب الفلسطيني ونجح في تحصين نفسه الى حد كبير على رغم بعض الاخطاء التي كانت بتوريط خارجي وليست نابعة من قرار حزبي”.
بين هاتين الحكايتين يقول الشيخ الطفيلي بأسف إنّنا إزاء ما يجري في لبنان اليوم وفي سوريا “نشهد اندفاعا غير مفهوم وغير مسبوق وغير مبرر الى فخ الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة”، مشيرا بوضوح الى ان قيادة حزب الله منخرطة في هذا المضمار، ونابذة لدورها المفترض ان تقوم به في هذه المرحلة المفصلية على مستوى الوحدة الاسلامية، وهو دور لا يجعلها بالضرورة في موقع الانقلاب على علاقتها مع النظام السوري، بل في موقع عدم التفريط بتاريخ حزب الله الذي كان له مكانة مقدرة لدى السنّة عموما والشعب السوري على وجه الخصوص. وهو دور مساعد للنظام السوري في ان يجد مخرجا للازمة ويتيح الانتقال بسورية الى مرحلة تطور دورها بما ينسجم مع ارادة شعبها وتطلعاته الوطنية والفلسطينية والاسلامية.
هاجس الفتنة يؤرّق الشيخ طفيلي الى حد قوله انها تبدو امام عينيه، ويتحسس كوارثها في هذا الضخ المذهبي الهائل على كل المستويات، الى حد أنّ الكثيرين ممن يفترض بهم تقويضها يسيرون اليها بوعي خطير. ويعتبر ان مقولة حلف الاقليات تدغدغ رؤوس البعض، خصوصا من الشيعة هذه الايام، وان تورطوا بها: “فهم يدركون قبل غيرهم انها موصلة للشيعة الى احضان اسرئيل“، معتبرا ان المراقب لما جرى منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري الى اليوم يلحظ في المفاصل الرئيسة دفعا لمشروع حلف الاقليات الى الواجهة، وتأمين شروط قيامه بعزم اقليمي ودولي وبتنفيذ واستجابة محلية لبنانية، حزب الله ليس خارجها.
لذا يبدي الشيخ قناعة راسخة لديه مفادها أن رابطة عقد هذا الحلف المتنامي بين الاقليات هي اسرائيل وليس احدا غيرها. ويتابع ان فتناً شهدها جنوب لبنان كان بعض الفلسطينيين طرفا فيها عشية اجتياح اسرائيل لبنان في العام 1982، وهي فتن لا تقاس في خطورتها بما تحمله الفتنة السنية – الشيعية اليوم، وقد دفعت الكثيرين من الجنوبيين وغيرهم آنذاك الى الترحيب بالدبابات الاسرائيلية، واستقبلت الكثير من القرى جنود العدو بالورود والارز نتيجة لها. ويختم: “لا اعتقد ان مقدمات هذا لا تتحقق عندنا اليوم، ولا اتهم بعض المسؤولين عن هذا المسار بالغباء”!!
alyalamine@gmail.com
* كاتب لبناني
البلد