مقدّمة
في هذا المقال التحليلي يؤكّد الصّادق بلعيد العميد السابق لكلّية الحقوق بتونس على أربع حقائق أساسّية:
1) النّهضة تحكم الأن البلاد حكماً مطلقاً ولكنّها لا تمتلك أيّ برنامج حكم.
2) النّخب التّونسيّة القادرة على امتلاك برنامج سديد تمّ إقصاؤها بالكامل عن الحكم.
3) الدّين لم يقدّم في أي بلد نام ٍ برنامجا ً صالحا ً للحكم بل بالعكس جميع السّياسات الاقتصادية و الاجتماعية الّتي نجحت في هذه البلدان لم يكن لها أيّ علاقة بالدّين.
4) النّخب التونسيّة القادرة على إنقاذ البلاد من أزمتها الطّاحنة يجب عليها أن تتّحد في جبهة إنقاذ ديموقراطيّة تحمل برنامجا ً واقعيا ً قادراً على إخراج البلاد من أزمتها.
محمد المثلوثي
أستاذ مميز بجامعة “رانس”
مترجم المقال
*
هذا البلد اليوم في مفترق الطّرق.
1) بعد تشكيل حكومة في الأيّام المقبلة، بدون مفاجأة وبدون نقاش في المجلس التّأسيسي، فإن “النّهضة” مع كوكبيها التّابعين اليوم قد تكوّن “المرّبع” الّذي ستنزوي فيه لمدّة غير معّينة، مزوّدة بكلّ الذّخيرة الّلازمة لممارسة السّلطة الشّاملة. لديها، بالفعل، جميع السّلطات عمليّا ً بدون قسمة أو مراقبة؛ لقد تحصّلت على أن لا تكون محدّدة بأجل مربِك؛ لقد تفادت كلّ نقاش غير نافع، في نظرها، حول السّياسة العامّة القادمة وحول برامج عملها في الأشهر- أو السّنوات – الآتية؛ وأخيراً، لقد ضمّنت لنفسها أنّه عندما تقرّر أن تنهي هذا الوضع الإنتقاليّ فلن يكون هناك مفاجآت سيّئة فيما يخصّ إقرار الدّستور القادم، بتصويت الثّلثين عليه، أو بالإجراء الكريه، في نظرها، المتمثّل في استشارة الشّعب.
“مفتاح الأمن” لكامل العمليّة هو إطالة مدّة كتابة الدّستور حتّى تتمكّن النّهضة من وضع أجندتها الحقيقيّة ألا وهي: بناء النّظام النّهضويّ على أًَََََََسس ٍقويّة ٍلا رجعة فيها- وربّما الخلافة- الّتي تعتبرها النّظام الذي يكون في نفس الوقت النّظام المثالي لتونس وربّما أيضا ً لكافّة العالم العربيّ الإسلاميّ: أرى لهذه الّرّؤيا النّهضويّة نوعا من الإلهام “الفاطميّ”.
2) كلّ الملاحظين المطّلعين في هذا البلد و معهم أيضا ًقسم وافر من المجتمع المدنيّ يعلمون علم اليقين النّوايا الحقيقيّة للنّهضة. ولكن خلافا للنّهضة الّتي عندها أفكار وشعارات ساذجة، ولكنّها تجترّها دون توقّّّف (على الأقلّ خمس مرّات في اليوم) ومع نشاط لا يكلّ و لا يملّ على أرض الواقع، استطاعت أن تكوّن لنفسها ولاءات قويّة ووفاءا ًلا حدود له، فإنّ هذه الشّريحة المستنيرة من السّكّان لم تعط الإهتمام الّلازم أو ربّما لم تبذل الجهد اللازم و الكافي لتكوين جبهة سياسيّة على علم بواقع الأمور و ذات انتباه ملمّ بأهمّية رهانات المعركة السّياسية والاقتصادية التي تجابهها البلاد و أقلّ من ذلك فيما يخص تكوين أيديولوجيا جديدة ورؤيا مجدّدة لمستقبل الوطن.
فكانت النّتيجة المنافية للعقل والمخيّبة للأمل التي انبثقت من هذا التّناقض الواضح أن النّهضة التي لا تملك أيّ رؤيا يوثق بها لمستقبل البلاد، بقت تملك حاليّا السّلطة الفعليّة بل هي قادرة على تأبيدها لصالحها، بينما الشّريحة المستنيرة للبلد التي تملك وحدها القدرة لإعطاء هذه الرّؤيا الشّاملة وحتّى التّصور البديل الذي تصلح به أخطاءها، تجد نفسها مهمّشة و حتّى مقصاة إقصاء كاملا من الحكم. وبعبارة أ ُخرى فإنّ هذا الأمر المنافي للعقل يمكن صياغته هكذا: من ناحية، لنا مجموعة اجتماعيّة تملك زمام النفوذ الحقيقيّ ولكنّها عاجزة عن إنتاج الرّؤيا المجدّدة الّتي تحتاجها البلاد، ومن ناحية أ ُخرى لنا مجموعة اجتماعيّة أخرى قادرة على صنع البديل الشّامل الكفيل بإنقاذ البلاد، ولكنّها اليوم في تونس و كذلك في البلدان العربيّة الإسلاميّة الأخرى المارّة بنفس العواصف الهوجاء، غير قادرة على الوصول للحكم.
بالضّبط، هذا هو التّناقض الّذي يجب حلّّه أوّلا وبالذ ّات؛ وفي مرتبة ثانية فإنّه على الطّبقة المستنيرة من الأمّة أن تجد وحدها الطّّرق و الوسائل لرفع هذا التّناقض.
3) بلادنا مثل بقيّة البلدان العربيّة الإسلاميّة الأخرى الّتي تجد نفسها في نفس الوضع، تواجه الضّرورة الحيويّة ألا وهي تصوّر وتطبيق نموذج التّنمية الشّاملة الّتي تحيي داخل الأمّة، وكذلك في الخارج، الثّقة الضّرورية اللّتي تمكّنها من حظوظ معقولة في النّجاح. إذا كان التّحدّي لا محيد عنه، فحتما يجب الإعتراف بالأمر البديهيّ بأنه، إلى حدّ اليوم، لم يقدمّ لنا أيّ دين مثل هذا البرنامج ولا أيّ أمل في النجاح للعثور على هذا النّموذج. في جميع البلدان السّائرة في طريق النّموّ- لنقتصر عليها – لم نر الدّين يحبّذ وأقلّ من ذلك يبني بنجاح أيّ نسق تنمية اقتصادية واجتماعية. بل بالأحرى، العكس هو الذي حصل:
جميع السّياسات الاقتصادية و الاجتماعية الّتي نجحت في البلدان السّائرة في طريق النّموّ، في آسيا و أمريكا اللاتينيّة خاصّة، هي السّياسات الّتي لم تكن لها علاقات بالأديان الأكثر انتشارا ً في هذه البلدان. لا نعرف أيّ نسق تنمية بوذيّ، هندوسيّ أو حتّى مستوحى من المسيحيّة.
الإيمان و”البزنس” لا يتساكنان في سلام أبدا ً. الإسلام ليس استثناء لهذه المعاينة؛ لا نعرف أيّ متحصّل على جائزة “نوبل” إسلاميّة في الإقتصاد السّياسي؛ ولا نعرف أيّ تجربة تنمويّة ناجحة مؤسّسة على تعاليم مذهب “إسلامّي” مزعوم. لا فائدة في التّنويه ببعض المؤسّسات التقليديّة اللّتي يحبّذها بعض رجال الأعمال و الّتي مزيّتها الّرئيسيّة أنّها تلمع بعتاقتها خارج التاريخ وبالفوائد المريحة العائدة على الباعثين لها. إذا ً ليس علينا أن نبحث عن طريق الأمان في هذا الاتجاه.
4) تتطلّّب التّنمية الشّاملة طريقا ً تختلف كلّ الإختلاف عن تلك اللّتي تنادي بها الأديان. فبالتّحديد إنّما الأديان بماهيتها متّجهة نحو الآجلة، وبقطع النّظر عن بعض الوصايا الأخلاقيّة اللّتي تحتوي عليها مع كلّ الفلسفات الكونيّة، فإنّها لا تقدّم أيّ شي مفيد يكوّن حقّا سياسة تنمية باعثة على ثقة.
إنّما التّنمية الشّاملة اللّتي تهمّ جميع النّاس هي تلك الّتي تأتي بجلول واقعيّة ملموسة لمشاغلهم الدّنويّة العاجلة.
وبكلمة كما بألف، فإنّ ما يهمّ ” إنسان الإقتصاد” l’homme économique)) هي الحياة الدّنيا. إذا ما أردنا أن نعطي جوابا لائقا للتطلّّعات الّتي يتطلّبها هذا الأخير فإنّ الفكرة الوحيدة للتّنمية الشّاملة هي القادرة أن تأتي له بالحلول الّتي ينتظرها والآمال اللّتي يتغذّي بها.
والحال أنّ تلك الحلول وتلك الآمال هي حتما قائمة على الإبداع، وعلى الاختراعات وعلى التّحدّيات. ولا يمكن خلقها الا من تلك الشّريحة الإجتماعيّة المهتمّة بمشاكل عالم الحياة الدّنيا، والمهتمّة بجهد اكتشاف أسراره لتستخرج منه منفعة عامّة تفيد جميع النّاس.
هذه هي المهّمة التي لا يمكن تفويضها إلا لهذه الشّريحة المختصّة في التّنمية وفي البحث عن التّقدّم والعلم.
هذه النّخبة هي التي عليها أن تمتلك القدرة على ممارسة السّلطة لا كتشريف بل كتكليف: وهذا ما لا يمكن أن نطلبه من رجال الدّين بسبب بسيط أنّهم لم يأخذوا أيّ التزام في هذا الموضوع، وهم، لا محالة، غير قادرين على ذلك. فإذا على النّخبة المستنيرة أن تأخذ مسؤوليّاتها و أن تضع الظّروف الملائمة لتجعل ذلك ممكنا على المستوى السّياسي.
5) أوّل مهمّة لهذه النّخبة هي تحديد برنامج عمل يعتمد عليه وقادر على تحقيق وعوده في مادّة التّنمية الشّاملة. في الظّروف الحاليّة يجب أن تكون هذه النّخبة قادرة، بعيدا ًعن الإنفصالات السّياسيّة والأيدلوجّية وغيرها اّلتي يمكن أن تفرّقها، على إنتاج برنامج عمل مشترك يوحّدها، تقدّمه وتدافع عنه أمام الرّأي العامّ لهذه البلاد وقادرة على كسب أغلبّية السّكان لأهدافه السياسيّة. والأمر الأساسيّ هنا تحديد ما يوحّد وإبعاد ما يفرّق الّذي غالباً ما يكون تافها. كلّ المناصرين لهذه الأساسّيات، يجب أن يسلّموا، لنجاح المشروع، بأنه من الجوهريّ أن يتخلّوا عن التّفاصيل اللا مفيدة لينضّموا لما هو مفيد للشّعب و للصّالح العام.
تصوّر وصياغة هذا الإجماع الوطني الأساسيّ يمكن إنجازه في وقت قصير وبتشاور توافقيّ لا يكون فيه “غالب أو مغلوب”.
6) هذا البرنامج المشترك، هذه السّياسة المشتركة، هذه السّياسة الشّاملة، لا يمكن تصوّرها إلاّ إذا ما قضينا على “الأنانيّة” الشخصيّة و العشائريّة، وامّحت الفرديّة لصالح المجموعة ووجدت الرّغبة المشتركة في خدمة مصلحة الأمّة العليا. الوصيّة الرئيسيّة التي تنحدر من هذه الأمنيّة التي نوحيها لكلّ أعضاء هذه النّخبة هي أن تقبل الّتضحية والتخليّ عن الأنانيّات. لقد خسرنا معركة بسبب الإنقسامات والنّقاشات العقيمة الّتي كلّّفتنا خسارة نصر كان ممكنا في الإنتخابات الأخيرة. فلنتّعظ بدرس هذه الهزيمة. والآن، فلننخرط في طريق الإتّحاد ووحدة العمل. لنتصرف كسياسيّين لا كمجرّد “مناصرين” كما كنّا. لنكوّن جبهة مشتركة من أجل الديمقراطية ستنشأ انطلاقا من ذوبان المجموعات الصّغيرة الكثيرة الحاليّة، العديمة الجدوى، في مجموع قوميّ. ولنلتزم على أساس “برنامج مشترك” وجبهة مشتركة من أجل الديمقراطية بإعطاء شعبنا الأمل من جديد!…
(La Presse de Tunisie 15/12/11)
والآن ما العمل؟ ل :ح. هاشم مع التحية، أرجو أن تكون قد قرأت كلماتي جيدا، و ها أنا أعيدها عليك: “لو أن محل النزاع بينكم-معشر المستنرين- و بين حزب الغنوشي و حكومة الجبالي و من انتخبوهم هو التنمية و الإقتصاد لكان الأمر هينا على الجميع. لكنكم تشترطون على الشعب التونسي و بقية الشعوب الإسلامية تنازلات دينية كثيرة مقابل التنمية الإقتصادية”. أنا أعلم منك يا أخي بضروريات النهضة الإقتصادية بحكم تخصصي، و أعلم جيدا أن الدين ليس عائقا أو معيقا لها. و أن الجهد و السعي للمصلحة الدينية والدنيوية واجب على كل مسلم. لذلك لم أنخدع بكلمات المثلوثي و بلعيد، مع… قراءة المزيد ..
والآن ما العمل؟ هذا وللأسف تفكير عقيم. يبد أن الامورإختلطت عليك مع أنها حقا سهلة الفهم لو جردت عقلك بعض الشيء من المكبلات التي تمنعك فهم الأشياء البسيطية عقلانيا بإعمال العقل المجرد فيها. الحالة الإقتصادية والإجتماعية الآن في تونس تنبئ بكارثة. مصانع متوقفة وأخرى أحرقت أو سلبت والمستثمرون الأجانب مثل مصنع كابلات السيارات الياباني أغلق أبوابه وهرب تاركا 2200 عامل (وعائلة) بدون عمل. هناك أكثر من مليون عاطل عن العمل بدون مورد رزق. عائلات بعشرات الآلاف ليست قادرة الإفاء بأدني حاجياتها الأولية اليومية. من يريد لشعب تونس هذا؟ الأستاذين بلعيد والمثلوثي وهم من درسوا في التعليم العالي لأكثر من 40… قراءة المزيد ..
والآن ما العمل؟ ل :السلفي الظلامي بزعمهم وهم كاذبون — هذا وللأسف تفكير عقيم. يبد أن الامورإختلطت عليك مع أنها حقا سهلة الفهم لو جردت عقلك بعض الشيء من المكبلات التي تمنعك فهم الأشياء البسيطية عقلانيا بإعمال العقل المجرد فيها. الحالة الإقتصادية والإجتماعية الآن في تونس تنبئ بكارثة. مصانع متوقفة وأخرى أحرقت أو سلبت والمستثمرون الأجانب مثل مصنع كابلات السيارات الياباني أغلق أبوابه وهرب تاركا 2200 عامل (وعائلة) بدون عمل. هناك أكثر من مليون عاطل عن العمل بدون مورد رزق. عائلات بعشرات الآلاف ليست قادرة الإفاء بأدني حاجياتها الأولية اليومية. من يريد لشعب تونس هذا؟ الأستاذين بلعيد والمثلوثي وهم من… قراءة المزيد ..
والآن ما العمل؟ لو أن محل النزاع بينكم-معشر المستنرين- و بين حزب الغنوشي و حكومة الجبالي و من انتخبوهم هو التنمية و الإقتصاد لكان الأمر هينا على الجميع. لكنكم تشترطون على الشعب التونسي و بقية الشعوب الإسلامية تنازلات دينية كثيرة مقابل التنمية الإقتصادية أو بالأحرى تغرونهم بالتنمية لتسليمكم الحكم، مما سيمكنكم من دفع الشعب التونسي إلى التنازل عن دينه بالقهر و التهميش و التحقير للدين و المتدينين. ثم إن الديموقراطية و التنمية والفكر الحر قد يكتب لها النجاح أكثر لو أن من كان مشرفا عليها ينتمي برسوخ و جدارة إلى الشعب التونسي و تاريخيته (أو أي شعب مسلم آخر). أما… قراءة المزيد ..