بعد عقود من تراكم المظالم والقمع وكبت الحريات والتجهيل، أثمر الربيع العربي عن براعم تفتحت في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها في الانتظار. وفي سيرورة معقدة قاسية طافحة بالآمال والآلام تستيقظ الشعوب العربية، لتثبت وجودها، وتنفض الغبار عن عقود عشعش فيها الخوف والصمت.
ومنذ تسعة أشهر، انطلقت شرارة الثورة السورية، وتدحرجت كرة الثلج من “درعا” لتعم مدناً وبلداتٍ كثيرة، ولم يتأخر النظام في الرد لحظة واحدة، فبادر بتطبيق ما لديه من أدوات قمع ورعب، كانت من أهم العوامل التي أشاعت الخوف في المجتمع السوري لعقود. ومنذ البداية، وحتى هذه اللحظة، لم يتوقف القمع يوماً واحداً، ولم تُستثنَ من ذلك أيام الأعياد. وخلال هذه الفترة صعَّدت الانتفاضة من مطالبها، بدءاً من شعارات الحرية والكرامة وحتى إسقاط النظام، تماشياً مع اشتداد القمع.
وإلى جانب الحل الأمني المعتمد، جيَّش النظام آلته الإعلامية لتشويه كل ما يحصل. ولأنه لم يعتد مواجهة المنتفضين، فقد اخترع منذ الأيام الأولى فكرة “المندسين” و”العصابات المسلحة” التي لديه باع طويل في فبركتها واستخدامها، وذلك من أجل تبرير استعمال الرصاص الحي في قمع المتظاهرين العُزَّل وسط الشوارع والطرقات، وحتى في الجوامع. ولعل النظام السوري كان يحاول بذلك أن يُخفي استخدامه لعناصر “الشبيحة” كقوى غير نظامية متعددة المشارب، بحيث تضيع بذلك المسؤوليات، ويختلط الحابل بالنابل، مع أن ما يقلقه بالفعل هو المظاهرات السلمية التي تُحرج نظامه وتكتسب تعاطفاً داخلياً وعربياً ودولياً.
واعتقد هذا الإعلام، الذي ما زال يقتات مفاهيمه من عصور الأيديولوجيا والديماغوجيا لأنظمة الاستبداد، أنه اللاعب الوحيد في نقل الصورة والخبر، غير مدرك لأهمية التقدم التكنولوجي في مجال الإعلام، والذي دفع بحرية التعبير قدماً، جاعلا من الثائرين أنفسهم محررين ومراسلين وصانعي الأحداث والأخبار.
ومنذ البداية، جرى الحديث أيضاً عن الطائفية لتخويف فئات من الشعب السوري، وإثارة الشكوك بين مكوناته، مستغلا حساسية البعض من الممارسات التي ارتكبتها تنظيمات دينية في الثمانينات، والتي رد النظام عليها بصورة مفرطة، وما زالت ذِكرياتُها تقض مضاجع السوريين، مع العلم أنه لم تُجرَ أية مصالحة بعد تلك الأحداث الأليمة.
غنيٌّ عن القول بأن سوريا، بلد الصمت والخوف، لم يُسمح فيها بأي تجمع، وقمع أي نشاط سياسي وحقوقي. ومع أن ذلك ينطبق على جميع السكان-الرعايا، فإن القوى الإسلامية كان لها البنية التحتية التي تتمثل بالجوامع كأماكن للعبادة لا يمكن إغلاقُها، وبالتالي استطاعوا التجمع فيها، رغم خضوعها للمراقبة الصارمة، فصارت هذه الجوامع المكان الوحيد تقريباً للتجمع، حيث أُمكن للمظاهرات أن تتشكل وتتكون قبل أن تبدأ آلة القمع بعملها دون هوادة، مع أن إرهاصات الانتفاضة السورية كانت قد تمثلت بعدة محاولات اعتصام وتضامن مع الثورات العربية هنا وهناك.
ثمة أمر آخر أيضاً يُفسِّر المشاركة الواسعة للطائفة السنية أكثر من غيرها، ويعود إلى تهميشها سياسياً في فترة حكم البعث، ومن ثم الضرر الذي لحق بها من جراء ادعاء “الإخوان المسلمين” تمثيلها، واستغلال ذلك من قبل سلطة الاستبداد، حيث كان أي معارض من هذه الطائفة مُعرَّض لتهمة الإخوان المسلمين، وحكمُها الإعدام. وشكل خروج نواة المظاهرة من الجوامع حجةً للبعض في حذره من الطابع الإسلامي للثورة، والتشكيك بوطنيتها، مع أن معظم المشاركين في هذه المظاهرات كانوا ينضمون إليها بعد خروجها من الجوامع.
كان النظام يخطط لتحويل ثورةٍ شعبية من أجل الحرية والكرامة، بشعاراتها الوطنية المؤثرة، إلى مشكلة طائفية، أو بين أقليات وأكثرية. واضطر الثوار للتراجع إلى الأحياء الشعبية التي تشكل ملاذاً آمناً نسبياً في وجه آلة قمع لا ترحم، كما تم منع المشاركين الآخرين من باقي أطياف الشعب السوري ومكوناته السياسية من الالتحاق بهؤلاء. وعملت أجهزة النظام الأمنية على تحريض شبيحتها بصورة ممنهجة للاعتداء على الناشطين في الأحياء التي تسيطر عليها، من أجل إسكات أي صوت معارض.
بدأت الثورة السورية في الأحياء المدينية الفقيرة والمهمشة وفي الأرياف، والتحق بها الكثير من أبناء الطبقة الوسطى والمثقفين، خاصة في الحالات التي ضعُفت فيها السيطرة الأمنية، حيث نزل مئات الآلاف إلى الشوارع، كما حدث في مدينتي حماة ودير الزور على سبيل المثال لا الحصر. ومع ذلك كان أفراد الطبقة المتوسطة ينحسرون عند اشتداد القمع لتبقى الشعلة متأججة بفضل أبناء الطبقات الشعبية. وكان دور المرأة السورية مميزاً بهذا الخصوص، سواء على صعيد الكلمة أو الفعل الثوري على الأرض وتقديم الدعم اللوجستي.
وقام النشطاء والمثقفون بدور مميز في إنشاء “التنسيقيات” التي كان لها دور مهم في التغطية الإعلامية لمجريات الأحداث عل الأرض في ظروف بالغة التعقيد لم يُسمح فيها إلا للإعلام الرسمي بنقل الأحداث بصورة مشوهة فيها الكثير من إنكارالوقائع وتحريفها. وقد ووجهت مظاهرة المثقفين الوحيدة التي شاركت فيها في حي الميدان بدمشق بعنف مفرط من قبل الشبيحة، وتم اعتقال العشرات، وسالت الدماء فيها أيضاً.
وفي مواجهة الموت والتعذيب، التجأ المتظاهرون إلى قيم تراثية وإيمانية تساعدهم على الصمود في هذه المواجهة غير المتكافئة، مثل قيم الشهادة والتضامن في الملمات، وهنا صارت الظروف ملائمة ليدخل بعض علماء الدين بقوة في التأثير على سير الأحداث. وقد استغل النظام شعبية بعض هؤلاء وأخطائهم، والذين تم تضخيم دورهم لتخويف مزيدٍ من المناصرين وحشدهم.
وشيئاً فشيئاً، تعلَّم الثوار بعض أساليب الدفاع عن النفس في مواجهة الموت، والتي تطورت لاحقاً إلى ما سمي “حماية المظاهرات”، خاصة بعد انشقاق المزيد من الجنود، وبدأ التسلح يشق طريقه إلى داخل صفوف الثورة. كما أن الإشكالات والحوادث الطائفية في مدينة حمص خاصةً صارت تنذر بخطر تعميمها في أماكن أخرى. وربما يحاول النظام من خلال سكوته عما يحدث في هذه المدينة توجيه رسالة إلى الشعب السوري مفادها أن البديل عنه هو الحرب الطائفية.
حاولت المعارضة السورية منذ بدء الثورة تنظيم نفسها بدون جدوى، ويبدو أن ظروف العمل الصعبة والسرية والمنافي والسجون قد تركت آثارها البليغة على أشخاص هذه المعارضة. وكان من الصعب علينا جميعاً استيعاب الظروف الجديدة التي تتطلب العمل ضمن فريق. ويؤسفني القول أن المعارضة السورية لم تكن، برأيي، على مستوى المسؤولية والاستعداد لهذه اللحظة الوطنية الاستثنائية. وعلى العموم فقد أثمرت الجهود المستمرة إلى تشكيل كتلتين رئيستين معارضتين هما “المجلس الوطني السوري” و”هيئة التنسيق الوطنية”.
ورغم تأييد معظم فعاليات الثورة السورية للمجلس الوطني السوري، فإن التمثيل السياسي لم يتحقق كما يجب؛ والمجلس الوطني وغيره من التشكيلات المعارضة تقف وراء الثورة الشعبية، صانعة الحدث، أو بجانبها، ويسعى لتأمين اعتراف عربي ودولي في هذه الظروف المعقدة. ويترك ذلك الباب مفتوحاً لشتى الاحتمالات عند سقوط النظام بصورة مفاجئة، لأنها، وكأية ثورة شعبية، تحتوي على مكونات عدة، ولم تستطع تنظيم نفسها في معظم الأماكن بسبب الظروف الأمنية الصعبة.
وثمة خطر الانفلات الأمني والانهيار الاقتصادي، وخاصة إذا لم يتمكن الجيش من فرض سيطرته على الأرض، بسبب ما لحق لتركيبته وسمعته من أضرار. وفي غمرة استعجالهم لسقوط النظام القاسي، يقلل بعض المعارضين من هذين الخطرين وغيرهما من الأخطار، متذرعين بخطر بقاء النظام نفسه على الوحدة الوطنية. ومع أن بقاء النظام فترة أطول لن يفضي إلا لمزيد من المشاكل، فلا يجوز الاستخفاف بفداحة المخاطر التي قد تتعرض لها سوريا بعد كل هذا العنف والقمع. ونشير هنا إلى تحذيرات جاءت من مراكز أبحاث عالمية بهذا الصدد، ومفادها أن المعارضة السورية تركز على إسقاط النظام، ولا تهتم بدرجة كافية بمخاطر المرحلة الانتقالية.
تسليح الثورة السورية خطرٌ آخر أيضاً، إذ أن نفوذ المسلحين الذين يعملون تحت غطاء الجيش الحر أو بدونه قد تزايد على حساب التنسيقيات في بعض الأماكن، ما يزيد من عدد الحوادث غير المنضبطة.
وعموماً، نستطيع أن نقسم الثورة السورية إلى ثلاث مراحل:
• مرحلة التظاهر السلمي وقمعه بشتى الوسائل،
• مرحلة ظهور الجيش السوري الحر، والمسلحين إلى جانب المظاهرات السلمية. وفي هذه المرحلة بدأت عملية حماية المظاهرات، علاوة على عمليات استهداف للقوى الأمنية والشبيحة، وبعض عمليات الخطف والاغتيال ذات البعد الطائفي، واغتيال خبرات علمية لم يتسنى معرفة مرتكبيها في ضوء التعتيم الإعلامي الذي يفرضه النظام.
• المرحلة الخطيرة الأخيرة التي بدأت بالتفجيرين الأخيرين في دمشق، ودخول المراقبين العرب إلى سوريا.
لا يصح تطبيق نفس المفاهيم على هذه المراحل الثلاث، وما زال من المبكر الحديث عن التطورات الدراماتيكية التي ستتلاحق في المرحلة الأخيرة.
وفي محاولة لاستعادة المبادرة، أعلنت قوى الثورة عن إضراب على مراحل ينتهي بالعصيان المدني. وجاء ذلك بعد يأسٍ دفع المنتفضين إلى الاستنجاد بأية جهة يمكن أن تقدم الدعم، دون إدراك للمخاطر التي قد تنجم عن مثل هذه التدخلات، خاصة من الدول المجاورة.
ومع أنه من المبكر الحديث عن نتائج هذا الإضراب، فمن الملاحظ أن خارطة المشاركة في الإضرابات تتطابق إلى حد بعيد مع خارطة الاحتجاجات. هذا يعني أن الإضراب سيعزِّز التوجه السلمي في المناطق الثائرة، وهذا أمر في غاية الأهمية، ولكنه يقف عند حدود المشكلة الكبرى، وهي الانقسام الاجتماعي، حيث توجد كتلة صامتة لا يستهان بها من الشعب السوري لم تعبر عن نفسها بسبب الخوف من النظام أو من الآتي غير الواضحة معالمه. المشكلة الأخيرة تحتاج لمبادرة سياسية تكسر هذا الجمود مهما كابرنا، من يقوم بذلك؟ هذا هو السؤال.
إن خارطة التطرف التي يراها المرء على الصفحات الموالية والمعارضة ذات المستوى الشعبي تنذر بالخطر، وهي انعكاس عن الوضع المتفجر على الأرض. ولوحظ في الآونة الأخيرة انسحاب هذه الحالة لمستويات أعلى، لتشمل سياسيين ومثقفين. وإن النهج الطائفي لنظام يدافع عن وجوده باستخدام أخطر الوسائل، لايبرر لنا أن نكون طائفيين؛ فنكون قد وقعنا في الفخ الذي نصبه لنا.
ومع أن شعارات الثورة السورية قد انزاحت قليلاً من الوطنية في بداية الثورة إلى الدينية في هذه الأوقات، فإن ذلك يمكن تفسيره بسبب اليأس والحصار والتردد العربي والدولي في إبداء الدعم المطلوب. وساهم عزل المدن والبلدات والأحياء بعضها عن بعض في حصر النشاطات الثورية في أماكن ضيقة، وأثار ذلك عند المحاصرين شعوراً بالغيظ والحنق أحياناً، فكانت طريقة مطالبتهم الآخرين بالمشاركة من أسباب ابتعاد هؤلاء الآخرين عنها، وظهرت الدعوات التي تلقي باللوم على الآخرين، وتتهمهم بمساندة النظام، وأنه لن يُسمح لهم بالمشاركة في جني ثمار الثورة، ما أثار نوعاً من التوجس والريبة.
وأعطى انتصار القوى ذات التوجه الإسلامي في تونس ومصر دفعاً لهذا الاتجاه في الثورة السورية، مع أن الحالة السياسية والاجتماعية السورية لها خصوصيتها. كما أثار انتصارُ القوى الإسلامية هذه المخاوفَ عند آخرين، بسبب عدم الثقة المتأصل تاريخياً، مع أن تغيرات لا بأس بها قد طرأت على برامج القوى الإسلامية، علاوة على ما يمكن أن يحصل من تطورات إيجابية على هذه البرامج في الشروط الديمقراطية والخضوع لصندوق الانتخاب. ويبقى الخوف من الآخر وليد العزلة بصورة أساسية، وخاصة بعد عقود من الاستبداد لم يستطع فيها السوري أن يمد يده إلى أخيه السوري.
ما هو مستقبل الثورة في سوريا، وما هي القوى والعوامل التي ستؤثر على مجريات الأمور قبل سقوط النظام وبعده؟
من الصعب الحصول على إجابة واضحة عن هذين التساؤلين بسبب كثرة المتغيرات التي تؤثر على مسار الثورة. ومع ذلك، فثمة استيقاظ لقوى وطنية تم تهميشها منذ الخمسينات، لتعبر عن تمثيل الطبقات المتوسطة أو البرجوازية، كوريثة للتقاليد السورية العريقة في التجارة والصناعة. وتصنف هذه القوى من الناحية الدينية في صف الإسلام الليبرالي المعتدل. أن عودة السياسة إلى هذه البرجوازية وطبقتها الوسطى سيصحح وضعا تاريخيا ويعيد التوازن إلى المجتمع السوري. وإن إسلاماً معتدلاً لهو أفضل من علمانية متطرفة، طالما أنه يحترم الحريات الفردية ولا يكفِّر معارضيه.
التجربة التونسية أفضل الحالات التي يمكن الاستفادة منها، مع أن الخصوصية السورية، والانقسام الاجتماعي الذي لا يبدو أنه سيلتئم بسهولة، يتطلب منا كمعارضين تفانياً وحنكةً سياسيةً لوضع سوريا على طريق الديمقراطية والازدهار.
وعلى عاتق المجلس الوطني السوري، الأكثر تمثيلاً للمعارضة السورية، تقع مسؤولية كبيرة، ولعل مؤتمره الأول الذي انعقد منذ أيام في تونس ينجح في مقاربة الكثير من المسائل العويصة في مسار الثورة السورية، ومنها التنسيق مع الجيش السوري الحر والتحكم بمصادر تمويله، حتى لا تسنح الفرصة للأطراف الممولة بالتأثير على الخيارات المستقبلية لسوريا من خلال هذا الجيش، علاوة على المشاكل التي ستنجم عن صراع دول الجوار على سوريا. كما أن على المجلس توجيه خطابه إلى الشعب السوري كله ليشكل مظلة اطمئنان للمستقبل، ويسحب من النظام أهم أوراقه التي يدعي فيها تمثيل الأقليات وحمايتها. كما عليه أيضاً أن يكبح قوى الإقصاء التي تحاول تسلق سلم الثورة السورية من أجل بث بذور الفتنة، ومحاولة استبدال استبدادٍ بآخر. وعلى المجلس الوطني، من خلال ذلك كله، أن يقنع الأطراف العربية والدولية للاعتراف به كممثل للشعب السوري في هذه المرحلة، وذلك بالتنسيق مع قوى المعارضة الأخرى، ومن أجل جدولة أولويات التغيير القادم في سوريا.
من بين دول الجوار، كانت ردة فعل الجارة تركيا مبكرة، والتي تمثَّلت بمحاولات متكررة لإنقاذ نظام الأسد، بلا جدوى. وكانت تحاول، في الوقت نفسه، الإبقاء على مصداقيتها عند الشعب السوري وشعوب المنطقة. وتستطيع تركيا لعب دور إيجابي في لحظة حرجة بسبب علاقة الجوار وطبيعة تركيبتها السكانية التي تتشابه مع التركيبة السورية إلى حد كبير.
وتأخرت ردود الأفعال العربية على ما يحصل في سوريا بصورة يصعب تبريرها إلاَّ بالسياسة. فالدول العربية التي لم تصلها رياح الربيع العربي ليست بمنأى عنه بالطبع، وهي بالتالي تنظر في اتجاهين مختلفين: إنقاذ الأنظمة القائمة ولو بالإصلاح الشكلي، وإرضاء الشعوب الثائرة. ومع ذلك كانت مبادرة الجامعة العربية أمراً مقبولاً وحكيماً بحيث يصعب للنظام رفضها مثلما لا يمكنه قبولها أيضاً، وستشكل هذه المبادرة الأساس الذي سيجري بواسطته تدويل الموضوع السوري.
وروسيا، وقد بدأ الربيعُ العربي بالتسلل إلى ديمقراطيتها التي مازالت ترتدي المعطف السوفييتي، أخرجت مبادرتها أخيراً لحفظ ماء الوجه أمام العالم المندهش من دفاعها المستميت عن نظامٍ لا حظ له بالبقاء. وفي نهاية المطاف، فقَدَ نظام الاستبداد السوري أصدقاءه باستثناء حلفائه الذين يعتقدون بأن نهايته تفتح الطريق لنهايتهم أيضاً، مثل إيران وعراق المالكي ولبنان حزب الله.
لقد تثبت الوعي اليساري التقليدي منذ عقود على العداء للغرب كشر مطلق امبريالي، مشكلاً ركيزة الاستبداد الذي ادعى العلمانية، وتحول العداء في السياسة إلى سياسة عداء جوفاء، في منافسة مع الإسلام السياسي بأجنحته المختلفة، والذي شهد الإسلام الراديكالي منه صعوداً مستمراً في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، ليعود الإسلام السياسي الليبرالي المعتدل في الأعوام الأخيرة، مستلهما بعض تجارب الحكم، ومن أهمها التجربة التركية.
إن الثورات العربية ستظهر هذه القوى السياسية الدينية وتدفع بها إلى الواجهة كفاتحة عصر ديمقراطي يستند إلى حكم القانون والدستور، ما يجعل الانقلاب على الديمقراطية من الماضي، كما سيدفع بقوى مدنية أخرى للظهور والتبلور في عملية سياسية واجتماعية مستمرة تواكب التطور الاجتماعي والمعرفي والحقوقي في الشروط الديمقراطية المتآلفة مع العصر.
غني عن القول أن النظام السوري غير قابل للإصلاح، وأن تفكيكه صار حاجة ملحة ليس للشعب السوري فقط بل من أجل خير المنطقة والعالم، وحتى تتحول سوريا من بلد يثير القلاقل في المنطقة إلى بلد يساهم في السلام والتعاون بين دول العالم أجمع. وإن الضغط العربي والدولي متعدد الأشكال، علاوة على استمرار الثورة في الداخل، سيجعل النظام يترنَّح تدريجياً. ومع ذلك، لا بد من مراقبة الوضع في الداخل السوري، لألا يتحول إلى صراع أهلي. وعلى الأمم المتحدة أن تتدخل بتفويض من مجلس الأمن، وأن يكون لها ممثل خاص لمراقبة تطور الأوضاع والحاجات الإنسانية والعمل على حماية المدنيين بالطريقة المناسبة.
إن مساعدة الشعب السوري في التخلص من نظام الاستبداد وتفكيكه واجب إنساني وعربي ودولي، وهو ضروري لاجتياز المرحلة الانتقالية بأمان، وإعادة إعمار بلدنا المنكوب.
mshahhoud@yahoo.com
كاتب سوري – دمشق