كان اللبنانيون قد عانوا تعتيماً شبه شامل لمدّة 3 أيام بسبب قيام عناصر من حركة أمل يعملون في المعمل بتوقيفه كلياً بذريعة الضغوط التي تُمارس عليهم من أهالي منطقة الزهراني وفاعلياتها! وهو ما أدّى إلى فقدان نحو 440 ميغاواط من الكهرباء، أي نحو 35% ـــــ40% من الطاقة المتاحة في لبنان، فاضطرت المؤسسة إلى زيادة التقنين إلى 14 ساعة في حدّ أدنى في المناطق، واضطرت كذلك إلى خفض حصّة مدينة بيروت الإدارية من الكهرباء وشمولها ببرنامج التقنين بمعدّل 3 ساعات تغذية في مقابل 3 ساعات قطع.
مصادر رفيعة المستوى في حركة أمل أكدت لـ«الأخبار» أن وزير الطاقة جبران باسيل يتحمل مسؤولية ما جرى، «فهو يتصرف كما لو أنه مستشار واجبه الوحيد وضع الخطط المنوي تنفيذها مستقبلاً، من دون الالتفات إلى الأوضاع الحالية المزرية التي يعانيها المواطنون». وقالت «بصراحة، لو سئلنا عما إذا كان بإمكاننا الضغط أكثر على الناس ومنع أبناء عشرات القرى من الاعتراض على مشكلة الانقطاع الدائم للكهرباء في منطقتهم، فإننا لن ننفي ذلك. لكننا لم نعد نستطيع إجبار الناس على السكوت، لأن الحالة في الزهراني باتت لا تُحتمل. وكلما راجعنا باسيل بالأمر، يقول لنا إن لديه خطة شاملة لتنفيذها في لبنان على مستوى النقل والتوزيع، وإنه لن يمارس سياسة الترقيع. ويعني ذلك أمراً واحداً لا غير، أي أن يبقى الناس في المنطقة يعانون ذل انقطاع التيار الكهربائي، من دون أن يسعى أحد إلى حل المشكلة». ورفضت المصادر إلباس القضية أي بعد سياسي، مؤكدة أن ما جرى هو «نتيجة لمطالبة أهل المنطقة بمساواتهم بغيرهم».
وأوضح رئيس نقابة مستخدمي وعمال معمل الزهراني جهاد عاكوش، لـ«الأخبار» أن ما استدعى من النقابة اتخاذ موقف حادّ ووقف معمل الزهراني قسراً عن العمل، يعود إلى أن عمال هذا المعمل ومستخدميه يتعرّضون منذ 4 أشهر لمضايقات متواصلة، فيما «لم يكترث المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان لمطالبنا التي أرسلناها له في 14 تشرين الثاني والمتصلة بأمننا الشخصي. أما قصّة المحولات التي أتت أو ستأتي أو تلك التي أخذوها من معمل الزهراني، فهي لا تعنينا مباشرة بمقدار السبب الأساسي الذي يعرّضنا لهذه الاعتداءات… لقد كان المهم بالنسبة إلينا أن تُحلّ المشكلة لتتوقف الاعتداءات على الموظفين والخروج من هذه المعمعة». وأوضح عاكوش «أن قرار وقف الإضراب الذي أدّى إلى توقف المعمل اتخذه مجلس إدارة النقابة، بعدما قمنا بإضرابات سلمية عدّة سابقاً ولم يسمع صوتنا، ورغم أن هناك تفسيرات سياسية لهذا الإضراب، إلا أن أبعاده بالنسبة إلى النقابة تتعلق بمطالبنا فقط».
ترفض وزارة الطاقة والمياه ومؤسسة كهرباء لبنان هذه الحجّة المستخدمة لوقف معمل الكهرباء؛ إذ تقول مصادرهما المتطابقة إن المعطيات لا تسمح باستنتاج أن هناك خطراً ما كان يهدد الأمن الشخصي للعمّال التابعين لشركة YTL الماليزية المشغلة للمعمل؛ فهؤلاء ينتمون في معظمهم إلى الجهة الحزبية نفسها التي يدّعون أنها تضايقهم على خلفية مشكلة سحب «المحوّل الشهير»، التي تعود إلى أكثر من 12 عاماً إلى الوراء، أي أنها ليست مشكلة طارئة أو مستجدة، وهي في كل الأحوال لا تؤثّر على معدّلات التغذية الكهربائية في منطقة الزهراني، بل تؤثّر على قدرة هذه الجهة الحزبية في تخصيص قرى وبلدات محددة في المنطقة بتغذية دائمة بالتيار الكهربائي خلافاً لبرنامج التقنين المعتمد.
وبحسب هذه المصادر، فإن المحوّل بقوة 40 م.ف.أ الذي قيل إنه سحب من الزهراني إلى صيدا، تعود قصّته إلى عام 1999، وهو لم يكن مستخدماً أصلاً؛ إذ نُقل إلى صيدا حينها لمواجهة مشكلة «حمولة زائدة» هناك. أمّا منطقة الزهراني، فكانت مخصصة بمحوّل يتناسب مع حاجاتها، وهو بقوّة 20 م.ف.أ، ولم يجر تشغيله إلا في عام 2002؛ لأن المخارج المخصصة لمنطقة الزهراني، البالغ عددها 8، كانت تتغذى قبل ذلك من محطتي المصيلح وصيدا. إلا أن هذا المحوّل تعطّل في آخر عام 2010، فعاد الوضع إلى ما كان عليه سابقاً، أي إن المخارج عادت تتغذى من محطتي المصيلح وصيدا حتى 29 تموز 2011؛ إذ نُقل محول بقوّة 10 م.ف.أ مؤقّتاً من محطة حالات إلى محطة الزهراني، بانتظار نقل محول آخر بقوّة 20 م.ف.أ من صيدا إلى الزهراني لإعادة الأمور إلى نصابها. لكن عملية نقل المحوّل كانت تنتظر الانتهاء من تصليح محوّل بقوّة 40 م.ف.أ مخصص لصيدا وموجود في صور.
حصل ذلك منذ شهر تقريباً، فإذا بالناقلة التي تنقل المحوّل تتعرّض لكمين في الصرفند بهدف منع وصوله إلى صيدا بحجّة أنه يعود إلى منطقة الزهراني. وعوجلت المشكلة يومها، وأُبلغ من يجب إبلاغه بأن محوّل الزهراني بقوّة 20 م.ف.أ سيجري تركيبه بعد إجراء التجارب على محوّل صيدا مباشرة، وهذه العملية تحتاج إلى شهر تقريباً، أي حتى منتصف الشهر الجاري، إلا أن المفاجأة كانت عندما أقدم عمال معمل الزهراني على وقفه عن العمل يوم الجمعة الماضي عشوائياً من دون التزام المعايير التقنية، أي أُوقف فجأة، لا بطريقة تدريجية ومتوازنة، وهو ما كان يمكن أن يؤدّي إلى تخريبه.