أوّلاً، أقترح على بلدية رام الله تسمية شوارع وأحياء قائمة أو قيد الإنشاء بأسماء مثل باب عمرو، وباب السباع، وحمص، وحماة، ودرعا، وجسر الشغور، وإدلب. وهذا الاقتراح موجه إلى بلديات أخرى في فلسطين. بهذا العمل لا نعبّر عن التضامن، فلا أحد يتضامن مع نفسه، ونحن من سورية وسورية منّا، بل عن الانحياز إلى الثورة السورية ولو بطريقة رمزية، فهذه الأسماء عناوين عزة وكرامة تستحق الاعتزاز والتكريم.
ثانياً، تحية خاصة إلى فدوى سليمان، وإلى كل الفنانين والمثقفين، رجالاً ونساءً في سورية، الذين انحازوا إلى الشعب في مجابهة الطاغية، أما العار فنصيب أقرانهم، الذين وقفوا إلى جانب الطاغية والطغيان.
أما بعد، فلنفكر على النحو التالي:
مجرد أن يقبل آل الأسد بمبادرة تأتي من الخارج، سواء من الجامعة العربية أو غيرها، لحل “الأزمة” في سورية، حتى وإن قبلوا من باب المراوغة أو التسويف، يعني أمرين أثنين:
أولاً، الموافقة على وجود طرف ثالث بينهم وبين الشعب السوري، وقد كانت موافقة كهذه مستحيلة حتى وقت قريب، لأنهم يتصرفون كجماعة تملك سورية، وهم بهذا المعنى لا يمكن أن يقبلوا التدخل، أو الوساطة، في ملكيتهم الخاصة، وإن قبلوا ففي القبول ما يعني بداية النهاية.
ثانياً، أن تأتي الموافقة في سياق الاعتراف بوجود “أزمة” في سورية، حتى وإن قالوا إنها نجمت عن وجود عصابات إرهابية مسلحة، فهذا يعني أن أدوات القمع لم تعد قادرة على الحيلولة دون وصول التمرّد المحلي، أو النشاط الإرهابي، أو المؤامرة (سمها ما شئت) إلى العلن. وبقدر ما يتعلّق الأمر بالأنظمة الشمولية فهذا أمر جلل، لأن يوتوبيا الشعب المجيد والقائد الفريد لا تعترف بوقوع أزمات، وإذا اعترفت ففي هذا ما يُضاف إلى بداية النهاية.
أكتب هذا الكلام مساء الاثنين، وقد اطلعت على قرار الجامعة العربية الداعي إلى تعليق مشاركة وفد سورية في الجامعة، كما شاهدت المؤتمر الصحافي الصاخب لسفير سورية في مصر، ومندوبها في الجامعة العربية، وكذلك المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية السوري، الذي رحّب بقدوم وفد من الجامعة، ومراقبين، إلى سورية.
والواقع أن كل هذه التطوّرات لا تغيّر من دلالة الأمرين السابقين: القبول بطرف ثالث، والاعتراف بالأزمة. وما يعنيني، في هذا السياق، الوصول إلى أمر ثالث لا أعرف ما إذا كان آل الأسد على استعداد للاعتراف به، وتسديد فواتيره، والمقصود أن “الأزمة” تعبير مُضلل، فلا يحتمل ما يحدث في سورية من أسماء سوى تسمية الثورة على نظامهم، والعمل على إسقاطه.
لا أعرف ما إذا كان بشّار الأسد قد شاهد على شاشة التلفزيون القذافي أسيراً وقتيلاً، أعتقد أن أحداً من الحكّام العرب لم ينجح في مقاومة إغراء مشاهدة ما حدث لحاكم ليبيا، ولا أعتقد أن أحداً منهم لم يجر حسابات ذهنية سريعة للتفكير في نهايات مشابهة، أو في الحيلولة دون وقوعها. ومهما تكن النتائج المُستخلصة، فإن فرص بشّار الأسد في البقاء حاكماً لسورية في تناقص مستمر.
يمكنه، بالتأكيد، تسيير مظاهرات التأييد، والتعويل على الفيتو الروسي في مجلس الأمن، وعلى تماسك مؤسسة الجيش، كما يمكنه المراهنة على كسب المزيد من الوقت بمزيد من المراوغة، ويمكنه التفكير في إمكانية كسر إرادة المتظاهرين بمزيد من أعمال القتل، أو في شق صفوف المعارضة، ويمكنه أيضاً وأيضاً إلقاء المزيد من الخطابات التي يستعرض فيها بلاغته الخطابية، التي لا تُقنع أحداً.
ومع ذلك، ثمة ما ينبغي الاعتراف به: ديمومة الثورة رغم أعمال القتل، وتصدّع مؤسسة الجيش، وتدهور الموارد الاقتصادية القادرة على تمويل مؤسسة الجيش والأمن، واسترضاء جانب من الجمهور، أو على الأقل تسديد نفقات جهاز الدولة.
وثمة، أيضا، ما ينبغي الاعتراف به: العزلة العربية والدولية، تبلور معارضة سورية تحظى بالقبول في الإقليم والعالم، وبروز الحلف المعادي للنظام في الإقليم وخارجه، وتصميم أطراف فاعلة في هذا الحلف على تصفية الحساب مع آل الأسد. لكل طرف حساباته ومصالحه وهذه الأطراف مجتمعة أقوى من آل الأسد.
لذلك، فإن الخطوة المنطقية التالية بعد القبول بالطرف الثالث، والاعتراف “بالأزمة” تتمثل في التسليم بحقيقة أن بشّار الأسد لم يعد قادراً على حكم سورية. ولكي لا يجهلن أحد على أحد، فإن كلام العرب والأميركيين والأوروبيين والمتظاهرين السوريين والمعارضين عن حل الأزمة، وحقن الدماء، وحماية المدنيين، والإصلاحات الدستورية، والانتخابات.. الخ لا يعني سوى خلق آلية تؤدي إلى إخراج آل الأسد من السلطة.
وبالقدر نفسه فإن كلام آل الأسد عن العصابات الإرهابية المسلحة، والمؤامرة، والمقاومة والممانعة..الخ لا يعني سوى تجريب كل ما يمكن تجريبه للحيلولة دون الخروج من سدة الحكم.
الخروج من سدة الحكم قدر لا مفر منه. وكما يُقال بالإنكليزية فقد رمي النرد على الطاولة. والمسألة مسألة وقت لا غير. وربما يستطيع آل الأسد تغيير السيناريوهات المحتملة لنهايات دامية إذا شرعوا في التفاوض اليوم قبل الغد مع الجامعة العربية، والمعارضة السورية، والأميركيين والأوروبيين (ولمِ لا) لتأمين خروج آمن لهم مقابل تقصير أمد الصراع في وعلى سورية. وقد طرح حكّام عرب على آل الأسد فكرة الملاذ الآمن. هذا، بالتأكيد، أفضل الخيارات، فاللبيب كما قالت العرب بالإشارة يفهمُ، ومع ذلك لن يحدث، لا يتعلم أحد من أحد، حتى وإن بدت النهاية في الأفق، وسبقتها نهايات.
كاتب فلسطيني يقيم في برلين
Khaderhas1@hotmail.com
نهاية النظام في الأفق..!!
للوهلة الأولى ظننت الهدف من تسمية الأحياء الفلسطينية بأسماء أحياء ومدن سورية منتفضة هدفه توجيه جيش الممانعة والصمود والتصدي إلى تحرير هذه المدن طالما أن تحرير فلسطين لا يعني لآل الأسد شيئاً سوى البقاء في الحكم، بينما (تحرير) المدن السورية من شعبها الثائر يقع في أولى أولويات النظام.
شكراً أستاذ حسن.