تحليل
لندن (رويترز) – قوض هجوم سوري على مدينة حمص العنيدة خطة سلام عربية وكشف فشل الغضب العالمي في اجبار الرئيس السوري بشار الاسد على وقف عملية القمع العنيفة لانتفاضة شعبية اندلعت في البلاد قبل ثمانية أشهر.
وعمدت الدبابات والقناصة الى ترويع المحتجين وملاحقة المنشقين عن صفوف الجيش في حمص ويقول نشطون انها قتلت أكثر من مئة منذ أن أعلنت جامعة الدول العربية في الثاني من نوفمبر تشرين الثاني قبول دمشق خطة لسحب الجيش من المدن واجراء محادثات مع المعارضين.
وقال مرهف جويجاتي وهو أستاذ جامعي ولد في سوريا يقيم في واشنطن “خطة السلام العربية وئدت في مهدها فالعنف لم يهدأ. نظام الاسد في حالة تحد كاملة.”
وسيراجع وزراء الخارجية العرب الخطة يوم السبت المقبل لكن معارضين سوريين لم يفاجئهم ما ال اليه مصيرها.
وقال وليد البني وهو محام ومعارض سوري سجن كثيرا وغادر سوريا متوجها الى باريس قبل أسبوعين لرويترز “لا أعتقد أن عاقلا توقع أن يسحب الاسد قواته من الشوارع ويسمح باحتجاجات سلمية.”
وأضاف أن السلطات السورية اعتبرت عدم التهديد بالتدخل الدولي ترخيصا بالقتل.
ويعيد العجز العربي الواضح عن اثناء الاسد عن المسار الذي اختاره من أجل البقاء في مواجهة من يصفهم بأنهم اسلاميون متشددون وعصابات مدعومة من الغرب الكرة الى ملعب القوى الغربية التي تجاهل الرئيس السوري رسائل التوبيخ التي وجهتها أو شجبها.
ويستغل الاسد مخاوف تقول ان سوريا بدونه قد تنزلق الى الحرب الاهلية أو الاسلام المتشدد أو الفوضى الطائفية على غرار ما حدث في العراق مما قد يحدث ما وصفه بأنه “زلزال” في المنطقة.
وقال نديم شحادة من مؤسسة تشاتام هاوس في لندن ان الاسد فقد السلطة بالفعل فيما يتعلق بالشرعية لكنه قال ان العالم الخارجي دعمه بالفعل من خلال الدعوات التي وجهها للاسد ولم يستجب لها للاصلاح والحوار.
وأضاف أنه يبدو أن من يحتجون في سوريا كسروا حاجز الخوف لكن المجتمع الدولي لم يفعل.
وتحدى عدد كبير من السوريين جهازا أمنيا مرهوب الجانب واستمروا في المطالبة بالتغيير برغم اراقة الدماء التي قالت الامم المتحدة انها أسفرت عن مقتل أكثر من 3500 شخصا الى جانب 1100 من أفراد الجيش والشرطة وفقا لما تقوله الحكومة.
وقدمت قوى غربية دعما جويا لليبيين أطاحوا بالزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي بعدما حصلت على تفويض من مجلس الامن التابع للامم المتحدة لحماية المدنيين لكنها أحجمت عن اظهار نيتها الاقدام على نفس الشيء في سوريا التي تقع في منطقة أكثر صعوبة بالشرق الاوسط.
وتعارض روسيا والصين اللتان شعرتا بالاستياء لطريقة فهم الغرب لقرار الامم المتحدة بشأن ليبيا حتى توجيه الامم المتحدة الانتقاد لسوريا التي استلهمت الانتفاضة فيها ثورات أخرى في العالم العربي.
وكانت الجامعة العربية قد علقت عضوية ليبيا وأيدت فرض منطقة حظر طيران فوقها لكنها تعاملت مع سوريا بتساهل أكبر.
وعززت تهديدات الاسد مخاوف جيران لسوريا مثل اسرائيل ولبنان والعراق والاردن وتركيا بشأن العواقب الكارثية المحتملة لتغيير النظام في دولة تقع في قلب العديد من الصراعات في منطقة الشرق الاوسط.
وقد يمتد انعدام الاستقرار في سوريا حليفة ايران العربية الوحيدة الى لبنان أو العراق حيث توجد انقسامات طائفية متفجرة. واعتادت اسرائيل منذ وقت طويل على هدوء حدودها مع سوريا وهي تخشى أن ينذر سقوط الاسد بحكام جدد للبلاد لا يمكن التنبؤ بتصرفاتهم. ونزح لاجئون سوريون بالفعل الى لبنان وتركيا التي تخشى أيضا تجدد الدعم السوري للمتمردين الاكراد في جنوب شرق البلاد.
ومازال الاسد يتمتع بدعم كبير من الاقلية العلوية التي ينتمي اليها في سوريا ومن بعض رجال الاعمال من النخبة في دمشق وحلب ومن مسيحيين واخرين يخشون تقدم الاسلاميين المتشددين الى الصدارة والاهم من ذلك أنه مازال يحظى بدعم قادة قوات الامن والجيش.
وقال معارض كبير في سوريا طلب عدم ذكر اسمه “حتى الان هناك قطاعات في الشعب السوري تقف على الهامش خوفا على حياتها اذا نزلت الى الشوارع أو تراهن على بقاء الاسد.”
وأضاف أن الجامعة العربية أحرجت الاسد بخطة لا يمكنه تنفيذها دون أن تؤدي الى نزول احتجاجات ضخمة الى الشوارع. وقد تعلق الجامعة الان عضوية سوريا وتحيل ملفها الى الامم المتحدة مما يضع ضغطا على روسيا والصين لتغيير موقفيهما.
وقال مصدر بالجامعة العربية ان لجنة وزارية قد تعود الى دمشق حاملة رسالة توبيخ وربما موعدا نهائيا جديدا لتنفيذ الخطة أو تنشر مراقبين من العرب لمعرفة من ينتهك الخطة. ومن غير المرجح على الفور اتخاذ خطوة أكثر صرامة مثل تعليق عضوية سوريا في الجامعة أو توجيه اللوم لها في أعمال العنف.
وقال وحيد عبد المجيد من مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة ان الانقسامات في الجامعة العربية تعوق تحركها حيث تعارض الجزائر ولبنان واليمن معاقبة سوريا بينما مازالت دول مثل العراق والسودان وموريتانيا مترددة.
وقال ان هذا الامر يضع الجامعة في موقف حرج وأضاف أنها تعقد اجتماعات لكنها غير قادرة على الفعل.
ويبدو أن القوى الكبرى منقسمة ومترددة أيضا وان اتفقت فيما يبدو على استبعاد التدخل العسكري.
وقال جويجاتي “في مثل هذه الظروف ليس من المستبعد أن تقوم تركيا بتحرك ما بدعم ضمني من واشنطن والعواصم الاوروبية الكبرى.”
لكن تركيا وهي الان منتقد شرس لصديقتها السابقة دمشق لم تفرض بعد عقوبات وعدت بها قبل أسابيع ولم تبعث برسائل واضحة حول فرض حظر طيران فوق سوريا أو فكرة اقامة ملاذ آمن.
وقال وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو لصحيفة (فاينانشال تايمز) هذا الشهر “نأمل ألا تكون هناك حاجة لهذا النوع من الاجراءات لكن الامور الانسانية مهمة بالطبع.”
وشددت الدول الغربية المشغولة بمصاعب اقتصادية عالمية من اللهجة التي تستخدمها لكنها بخلاف ذلك تبدو في حيرة من أمرها.
وقالت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون يوم الاثنين في اشارة لسوريا “يجب أن يعلم هؤلاء الزعماء الذين يحاولون ايقاف المستقبل تحت تهديد السلاح أن أيامهم معدودة” لكنها أقرت صعوبة أي “تحرير” لسوريا على غرار ما حدث في ليبيا.
وقال وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه في نفس اليوم ان تصرفات سوريا بعد خطة السلام العربية “غير مقبولة على الاطلاق” وانه “لم يعد ممكنا الوثوق بها.”
لكن الوزير الفرنسي سار على نهج نظيره البريطاني وليام هيج الذي شجب سياسة سوريا لكنه لم يقدم خطة عمل.
وحث الغرب معارضي الاسد على تشكيل جبهة موحدة ومتماسكة لكن شحادة قال ان هذا أمر غير منطقي بالنظر الى تنوع الافكار بعد سنوات طويلة من القمع.
وقال “هذه ليست معارضة لكنه المجتمع السوري بأسره.”
وقال جوشوا لانديس وهو خبير في شؤون سوريا بجامعة أوكلاهوما ان الاسد قد يبقى في السلطة لسنوات مع عدم وجود خطوات خارجية حاسمة أو بدون نمو معارضة أقوى في داخل سوريا.
وأضاف “اليوم مازالت المعارضة ضعيفة ومازال الجيش السوري له اليد العليا. قد يتغير هذا اذا بدأت المعارضة في تشكيل حركة تمرد حقيقية او اذا شنت تركيا حربا على سوريا بدعم شكل من أشكال التمرد أو اذا حدث تدخل عسكري أجنبي مثلما حدث في ليبيا.
“ولا يلوح أي من هذه الاحتمالات في الافق.”
وأضاف أن مجموعات ميليشيات صغيرة يمكن أن تبدأ في الانتشار وفي مضايقة الجيش السوري والسلطات.
وقال “اذا اكتسبت قوة جذب وتمويلا خارجيا وأسلحة يمكنها أن تتحول الى حركة تمرد حقيقية بمرور الوقت.”