بدا وزير خارجيتنا ، في الصورة مع الرئيس السوري ووزير خارجيته ومستشارته السياسية، كالتلميذ النجيب أمام لجنة فاحصة، ينتظر أن تقرّظه، وتمنحه شهادة حسن سلوك، وتمتدح ألمعيته في “امتحان” مجلس الامن إذ “نأى” بلبنان عن إدانة استخدام النظام السوري القمع ضد شعبه.
الصورة مرشحة لأن تتكرر: فالرئيس الروسي دعا رئيس النظام إلى تنفيذ الاصلاح ، ومصالحة معارضيه كي يتجنب مواجهة “مصير حزين”. والملك السعودي نبهه الى مفترق “الحكمة والفوضى”. بينما كاد الرئيس التركي ان يستخدم عبارة الاسد الاب عن “شعب واحد في بلدين” لوصف العلاقة بين تركيا وسوريا، وليؤشر إلى مدى تدخل انقرة المحتمل.
مع سحب سفراء دول مجلس التعاون الخليجي، صار متوقعا ان يشهد قصر المهاجرين ما شهد قصر بعبدا مع “طيب الذكر” اميل لحود، حين كانت اجهزة الوصاية تستحضر الى مكتبه “ودائعها” من نواب ووزراء راهنين وسابقين، إلى جانب “الامين العام للمجلس الاعلى اللبناني – السوري، لتذكّر العالم بوجوده.
المواقف العربية والدولية توضح أن “نأي” حكومة “الحزب القائد” بلبنان عن القيم الانسانية الكبرى وفي طليعتها الحرية، هو استرضاء من الاجير لمشغله، ولن يبقى للثاني غير الأول في أيامه الصعبة الآتية.
و”المشغّل” ،في عز حشرته، استكمل المشهد الهزلي بأمرين: بحث مع زائره في تفعيل الاغتراب لتعزيز السياحة، وتذكر مذكرات التوقيف الـ 33 الشهيرة، ليقول أنه في ألف خير ولا ينقصه سوى مشاهدة الهاربين من قمعه، واعتقال مناكفي وصايته المباشرة او المتلطية بالقمصان السود.
لكن ذلك لا يغيب حقيقة أن الرأي العام العالمي ضاق ذرعا من محاولة استغبائه بالقول ان المنتفضين على القمع هم خارجون على القانون. فلقد رأى أهل النظام في ردود الفعل العربية والدولية الباردة رخصة للإيغال في الدم ، سيما أن ردود الفعل الشعبية في العالم غابت عن التضامن مع الحق الانساني في التعبير. والشعوب العربية لم تفعل العكس . نسيت حتى الرابط القومي الذي تباكت عليه اجيال منها، فيما نسي اللبنانيون الاثنتين، إلا قلة نالت نصيبها من سفارة الوصاية وأزلامها.
أوحى كل ذلك أن الشعوب العربية دفنت انتماءها القومي الواحد وخدرت حسها الانساني.وكالعادة، جاء الاعتراض الشعبي العربي من لبنان أولا، وانتشرت عدواه . وجاء المؤشر السياسي في كلمة خادم الحرمين الشريفين إذ رسم خطا فاصلا يؤشر إلى أن رد الفعل العربي عموما ،والسعودي خصوصا، بعد اليوم لن يكون كما قبلها، وأن هذا النظام أخطأ في رهانه على الصمت العربي ليتمادى في استهداف المدنيين السوريين ، مفسرا الديبلوماسية السعودية الصامتة على أنها فرصة للإنقضاض على طالبي الحرية.
المواجهة باتت علنية. ولربما ستكون التعليمات إلى وفدنا في الاجتماع المقبل لمجلس الأمن لبحث الوضع السوري القول “أن لبنان ينأى بنفسه مبدئيا”.
لكنها ،مبدئيا، لن تنفع لا الأجير ولا مشغّله. فدم السوريين العزل رسم الحدود بين الحكمة والضياع، والتسلل بينهما مستحيل.
rached.fayed@annahar.com.lb
* كاتب لبناني – بيروت