<زعيم الاشتراكي: أنا لم أقم بتسوية في 11 أيار مع الشيعة لأقاتل السن>
يقول أحد رفاق وليد جنبلاط “إن الرجل عاد من زيارته إلى موسكو مثقلا بالهواجس نفسها التي تنتابه حيال ما يجري في سوريا، وذلك نتيجة اختلاف القراءة لا تطابقها· فعلى عكس ما ظنه البعض من ان وصف جنبلاط للحالة السورية بـ”الثورة”، ربما تشي بتحول روسي ما، فان موسكو ما زالت مسانداة بقوة للنظام السوري· وهي تنطلق من مصلحتها أولا المتمثلة بأن النظام السوري هو “الحليف” الاخير لها في الشرق الاوسط، وخسارته يعني خسارة أخر قدم لها في المنطقة، حيث لديها أيضاً قاعدة عسكرية بحرية في طرطوس تستخدم كمركز لصيانة وتموين سلاح البحرية الروسية في البحر الابيض المتوسط· كما يسودها اقتناع تام بأن هناك تآمراً أميركياً- غربياً ضد سوريا· وهذا كله يدفع القيادة الروسية الى الاستمرار في دعم دمشق ومساندتها في مجلس الامن والوقوف حائلا دون صدور أي قرار ادانة ضدها، ولا سيما انها تستند الى معلومات قوامها ان النظام السوري لا يزال متماسكا وقوياً وممسكاً بالوضع على الارض ويحظى بدعم شعبي· الامر الذي يجعل المرء يخرج باستناج ان موسكو لا تستشعر بالخطر المحدق بسوريا وبواقع الحركة الاحتجاجية في داخلها وما يمكن تالياً ان تؤول اليه التطورات في المستقبل مع ازدياد الشرخ الحاصل في المجتمع السوري، والاستمرار في اللجوء الى الحلول الامنية بدل وقفها وتقديم الحلول الاصلاحية السياسية على ما عداها من ممارسات امنية قمعية·
والنقاش الذي دار بين جنبلاط والمسؤولين الروس وصل الى “التسليم جدلا بأن هناك تآمرا على سوريا”، والسؤال عن كيفية حمايتها من “هذا التآمر” الذي سوف بغرقها بمزيد من الدماء والتفتيت اذا لم تتركز الجهود على ايجاد الحلول الناجعة التي تخرجها من آتون الصراع الدائر اليوم·
على ان جنبلاط الذي اصطحب معه الوزير غازي العريضي الموثوق من قبل السوريين، في رسالة واضحة لدمشق انه يعمل لمصلحتها لا ضدها، خصوصاً بعدما بدأ حلفاؤها في لبنان يشنوون حملات مبطنة ضده نتيجة تمايزه في قراءة الاحداث في سوريا وسبل معالجتها، عاد، وفق ما أسرّ لمسؤول في الحزب التقدمي الاشتراكي، ببعض “الامل” في ان تقوم القيادة الروسية بمسعى ما حيال دمشق، ولا سيما بعدما لمس “تفهما ما” لموقفه لدى وزير الخارجية سيرغي لافروف، الا انه أمل يبقى متأرجحا بين التفهم والتمني، ولا يمكن التعويل عليه كثيراً·
والزعيم الاشتراكي الذي لا يمكنه الا ان يكون في قرارة نفسه مع حركة الشعوب التواقة الى الحرية والعدالة والديموقراطية في وجه الانظمة قاطبة، والشمولية تحديداً، لا يغفل الموقع السياسي الذي اتخذه على خلفية احداث السابع من أيار 2008 وإفقاده لاحقاً زعيم الغالبية النيابية سعد الحريري الاكثرية التي حظيت بها قوى الرابع عشر من أذار في الانتخابات النيابية، مرسخاً الانقلاب السياسي لسوريا و”حزب الله” في البلاد·
لكن تمة قلقاً متزيدا قد بدأ يتنامى في الآوانة الاخيرة عند جنبلاط- بوصفه زعيماً درزياً- من جراء عوامل عدة، في مقدمها وقوع حادثة، لم تكن أيدي المخابرات السورية بعيدة عنها في بلدة قطنة السورية آلت الى ردات فعل على خلفية مذهبية بين الدروز والسنة·
حادثة “قطنة” وفتنة تسليح الدروز
وهي حادثة ترافقت مع طروحات بدأ بعض الرموز السياسية الدرزية المحسوبة على قوى الثامن من آذار بتداولها عن ضرورة تسلّح دروز لبنان ودروز سوريا بغية الانخراط في الدفاع عن “خط الممانعة” ومشروع المقاومة سواء في لبنان او سوريا·
وقد فاتح احد الرموز العائد الى عائلة سياسية تاريخية جنبلاط بهذا الطرح، لكن جواب زعيم المختارة كان حازما في الرفض وتوجه الى محدثه قائلا: انا لم أقم بتسوية مع الشيعة بعد 11 أيار لأقاتل السنة· غير ان هذه الطروحات وما يصله من اخبار حملته الى التوجس من فتنة تحاك بين جبل الدروز وسهل حوران، تمتد شظاياها الى لبنان· وهو الامر الذي ظهر جليا في مهرجان راشيا الاسبوع الماضي ، حين حذر “دروز لبنان و سوريا من الدخول في مشروع فتنة لاته انتحار وفناء وخطر على الوجود” وحضهم على “الانتباه من هنا أو هناك من أي مفتن أو مغرض أو أي رأي يريد تحميس بعضا منا في مواجهة الآخر”· وكانت خارطة طريق مفصلة رسمها جنبلاط لكيفية خروج سوريا من النفق المظلم الى رحاب “التنوع والتحديث من أجل زيادة الممانعة السورية·
زعيم الاشتراكي: أنا لم أقم بتسوية في 11 أيار مع الشيعة لأقاتل السنّة
وقد دفع توجس جنبلاط الى التأكيد في أوساطه على ضرورة العمل على تمتين التواصل مع زعيم تيار المستقبل سعد الحريري وجمهوره، لقطع الطريق على احتمال اللعب بالنار· وفُهم ان جنبلاط سيلبي دعوة الحريري الى حفل افطار في “البيال” خلال شهر رمضان، بعد فترة من الفتور شابت العلاقة بين الرجلين على خلفية خطاب “لبيال” في ذكرى اغتيال الحريري حين تحدث الحريري عن غدر الحلفاء·
وازاء قرار جنبلاط الوقوف سدا امام محاولات توريط الدروز على الضفة اللبنانية، خرجت الناشطة منتهى الاطرش، ابنة سلطان باشا الاطرش احد رجالات الثورة السورية ضد الاستعمار، بموقف صارم من الضفة السورية في اتصال مع “اللواء” من بلدتها القرية، ومفاده بأن الدروز أوعى من ان يتم توريطهم في مؤامرة الفتنة الطائفية، رغم اقتناعها بأن النظام يحاول اللعب على الوتر الطائفي لخدمة مصالحهم، ويحاول تأليب الاقليات وتخويفهم على مستقبلهم في حال تغير النظام القائم· وهي اذ نفت علمها بمحاولات جدية لتسليح الدروز في جبل العرب، لفت الى ان سياسية النظام هي سياسة فرق تسد، وان الحادثة التي حصلت في قطنة كان وراءها الامن الذي لعب على وتر تحريض بعض من الدروز في هذه القرية في وجه بعض من السنة في قرية مجاورة · لكنها حادثة تمّ استدراك مراميها واهدافها سريعاً·
كان الاتجاه السائد في الاشهر الاولى من الاحتجاجات الشعبية في سوريا العمل على “تحييد الدروز” لعدم التواصل مع سهل حوران الجار الذي انطلقت شرارة الاحتجاجات من عنده لتنقل ككرة الثلج الى المدن والمحافظات الاخرى· وهو ما عمل بعض اركان الطائفة في سوريا والقيادات الدرزية اللبنانية على تأمينه· اما اليوم فإن هناك مخاوف من ان يكون العمل قد بدأ على “توريط الدروز” في سوريا كمقدمة لتوريط الاقليات الاخرى ومنهم المسيحيون في “الخطة باء” للنظام بهدف اطلالة عمره حتى ولو آل ذلك الى حروب طائفية تطيح بسوريا ككيان ودولة·
rmowaffak@yahoo.com
* كاتبة لبنانية- بيروت
نُشِرت هذه المقالة في اللواء ويعاد نشرها بالإتفاق مع الكاتبة