ما نُشِر من خطاب ألقاه البطريرك الراعي أثناء زيارته لروما قبل أسبوعين لا يتعدّى بضعة أسطر، سوى أنها كانت كافية لإثارة علامات إستفهام حول موقف البطريرك من “الربيع العربي”! فقد بدا مما نُشر أن موقف البطريرك يلتقي مع الذين ينظرون نظرة متشائمة، أو حتى “أقلّوية” إلى الحركة الديمقراطية التي هزّت مستنقع الإستبداد العربي (هذا يشمل العونيين طبعاً، وبعض.. القياديين الكتائبيين أيضاً!).
ماذا قال البطريرك الراعي؟
محاضرة البطريرك الراعي تحت عنوان “الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية في لبنان والشرق الأوسط”، تناول فيها عناوين ثلاثة، “الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط، أبعاد هذه الأوضاع ومخاطرها على المواطنين عامة والمسيحيين خاصة، والتطلّعات المستقبلية من الناحية السياسيّة، وذلك وفقاً لما ستؤول إليه التظاهرات والإعتراضات في العالم العربي، مع ما تنطوي عليه من مخاوف في حال إنتهت الأمور إلى أنظمة متشددة طائفياً، وما يخشى أن تؤول إليه وهو مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي على ما يبدو، يرمي إلى تقسيم بلدان العالم العربي إلى دويلات طائفية، بالإضافة إلى دور الكنيسة حيال هذه الأوضاع، وهو ما رسمه سينودس الأساقفة من أجل الشرق الأوسط للمحافظة على وجود المسيحيين في أوطانهم من أجل خدمة مجتمعاتهم على المستوى الثقافي والإقتصادي والإنمائي”.
هل يعني هذا الكلام أن البطريرك حسم موقفه في الموقف المناهض للثورات الديمقراطية العربية، وتحديداً في سوريا، مع أن نخبة مثقفي سوريا “المسيحيين” (بما فيهم “الأثوريين” الذين اعتقل النظام قادة منظمتهم) يشاركون بفاعلية في ثورة شعبهم العظيمة؟
*
يواصل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي جولاته المكوكية في المناطق اللبنانية. فهو ،منذ إنتخابه بطريركاً، لم يجلس في الصرح البطريركي بقدر ما امضى وقته متنقلا بين “عزيمة” من هنا وسفر وجولة مناطقية من هناك.
الراعي يزور يوم السبت منطقة البترون حيث يرتقب ان يمكث حتى مساء الاحد، وتتضمن الجولة لقاءات شعبية في القرى و”لقاءً سياسياً” فشل قبل ان يتحقق.
البطريرك الراعي دعا الى اللقاء النواب الحاليين والسابقين والوزراء من دون سابق تحضير، ربما لاعتباره ان “مَونته” على السياسيين أكبر من أن يرفضها سياسي.
من حيث المبدأ دعا الراعي الى اللقاء النواب الحاليين سامر سعادة وبطرس حرب وطوني زهرا ومن النواب السابقين النائبين سايد عقل ومنوال يونس، والوزير الوحيد من المنطقة جبران باسيل.
وفي الوقائع، فقد إعتذر النائب بطرس حرب عن المشاركة في اللقاء لوجوده خارج لبنان وهو سيوفد شقيقه لتمثيله، في حين اعتذر أيضا النائب طوني زهرا عن المشاركة وكئلك النائبان السابقين سايد عقل ومنويل يونس، ما يعني ان اللقاء سيضم الى البطريرك الراعي الوزير جبران باسيل والنائب سامر سعاده وشقيق النائب حرب.
مصادر مارونية متابعة لحركة البطريرك الراعي قالت إن مواقف غبطته منذ إنتخابه تصبح، يوما بعد يوم، أكثر إثارة للجدل، خصوصا ان الراعي يحاول إتباع نهج مغاير لسلفه البطريرك مار نصرالله بطرس صفير ليكوّن لنفسه شخصية مستقلة عن السلف وتتناقض معه.
فأشارت هذه المصادر الى ان الراعي يعتبر ان سلفه ساهم من خلال مواقفه في قسمة الموارنة، وهو سيعمل على جمعهم. وأن سلفه كان مُقلًا في الكلام، وهو يكثر من الخطب والمواعظ. وان سلفه كان مقلا في الزيارات الراعوية، وهو لا ينفك يتجول بين منطقة وأخرى. وأن سلفه كان لا يزور سياسيين، وان الراعي لا يجد حرجا في زيارة رؤوساء للجمهورية سابقين والرئيس الحالي ورؤوساء حكومات وسواهم.
سياسية الراعي لم تلق صدى إيجابيا في الفاتيكان حيث تشير مصادر مقربة من الصرح البطريركي الى ان غبطته عاد من زيارته الاخيرة الى الفاتيكان وعلامات الاستياء تعتري محياه، حيث ووجه في دوائر الفاتيكان بمجموعة شكاوى وملاحظات من كهنة ومطارنة وعلمانيين بدأت في الشكل ولم تقف عند حدود مضمون تصرفاته العامة وحتى الشخصية منها.
وأشارت المصادر الى ان الفاتيكان رفض تعيين ثلاثة مطارنة يعتبرهم الراعي أساسيين في ما يسميه “فريق عمله” وهم “جو معوض” الذي رشحه الراعي ليكون احد نوابه العامين، وذلك لصغر سنه حيث ان المطران يجب ان يكون تجاوز 45 سنة/ في حين ان معوض دون الاربعين؛ و”ايوب شهوان” الذي رشحه الراعي لمنصب راعي ابرشية صربا، وسبب الرفض هو منشأ شهوان الذي ينتمي الى رهبنة الكسليك ويريد تعيينه على ابرشية تضم 11 مركزا للرهبنة المريمية التي خرج الراعي من صفوفها ، بحيث بدا الأمر وكأنه أراد معاقبتها بتعيين راهب من رهبان الكسليك راعي ابرشية عليها؛ اما المونسنيور “منير خيرالله”، فتحدثت المصادر الفاتيكانية عن أسباب سياسية تقف وراء رفض ترشيحه، علما ان خيرالله يجاهر بانتمائه للتيار العوني وهو يعتبر ناشطا في صفوف التيار العوني ويسخّر امكانات الرعية لدعم انصار عون.
والى الرفض السابق لتعيين مطارنة، أصدرت الدوائر الفاتيكانية قرارا بالموافقة على تعيين بولس الصياح نائب عاما للبطريرك الراعي فورا. والمطران الصياح الذي يشغل منصب مطران الاراضي المقدسة مشهود له بعقله التنظيمي والاداري العصري.
المطران الصياح وفور تعيينه الغى 11 تعيينا كان البطريرك الراعي قد إتخذ قراراته بشأنها داخل الصرح البطريركي، الامر الذي أثار الجدل في أوساط الصرح.