في الصورة التي التقطها المصور الرسمي لقصر بعبدا، وقف أمس وزراء الحكومة الجديدة في صفوف متوازنة طولاً وعرضاً باللباس الأسود، محيطين برئيس الجمهورية ميشال سليمان ومعه رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الصورة راعت في توزيعها المواقع والانتماءات والوجوه المختلفة، وأظهرت تمايزاً كبيراً بين أعضائها من حيث الشكل الجسدي في الطول والعرض والصحة أي الوزن ولون الشعر وشكل الصلعة، كذلك أظهرت التنوع الفكري للوزراء من الليبرالي المتوحش إلى اليساري الراديكالي الذي أطاح بكارل ماركس ووضع لينين بجيبه الصغير، ولكن هذه الصورة باختلافها الجسدي بيّنت الصفاء الكامل بين الأكثرية الساحقة لمكوناتها السياسية باعتبارها حكومة تحالف حزب الله وحده.
حتى الأمس لم يجرِ أحد من مؤسسات الدراسات والأبحاث النابتة كالفطر استفتاءً ما يقول إن كان المواطنون اللبنانيون فرحين بالحكومة الجديدة ورقصوا لها وهللوا لحضورها وتأليفها أم أنهم ذهبوا إلى بيوتهم غير آبهين هذه المرة للتشكيل وللحكومة، أم انهم انقسموا على مواقفهم منها بالنسب بين مؤيد ومعارض في متابعة للانقسام السياسي اللبناني.
ولكن الذي تابع ما حدث يوم تشكيل الحكومة كان بإمكانه التمعن في النظر ورؤية مجموعة من القوى السياسية والكتل النيابية التي اعتبرت أنها انتصرت على المواطنين اللبنانيين من خلال وصف الانتصار الحكومي بالبديع والفريد، متناسين انتصارهم من خلال السلاح الغير شرعي والقمصان السود على قوى 14 آذار، وكذلك كما ظهر من تصريحاتهم فهم انتصروا على بعضهم البعض كحلفاء بما حصّلوه من مقاعد وزارية وهذا هو الأهم.
الكل أعلن أنه أخذ ما لم يأخذه الآخرون من حلفائه، والكل اعتبروا أنها المرة الأولى التي تحصل فيها هذه المعجزات الحكومية، من حجم المقاعد الوزارية ونوعيتها إلى أسماء الوزراء ورتبهم الحزبية والمناطقية، وصار في هذه الحكومة وزراء بالسمنة ووزراء بالزيت البلدي ووزراء بزيت “الخروع”، مواقع حكومية تؤهل كل واحدة من هذه القوى السياسية لقيادة المعركة الانتخابية في العام 2013 للحصول على أكبر عدد من مقاعد المجلس النيابي، وكذلك القيام بالدور المرسوم لها في الصراع السياسي الداخلي، والصراع الإقليمي الحاصل بين الشعوب العربية والأنظمة التي تتحكم بها، إضافة إلى الدور الذي يجب أن تضطلع فيه قريباً جداً مع وصول التقرير الاتهامي في المحكمة الخاصة بلبنان إلى خواتيمه والإعلان القريب عنه كما قال أحد المستوزرين الجدد في لقاء خاص، إنها حكومة المواجهات بالتأكيد وليست حكومة الوقت الضائع، ولذلك هي لا تحتمل وجوهاً نسائية لأن هذه التوليفة بالتأكيد لا تثق بالمرأة ولا بدورها التغييري في بناء المجتمع، وهم كذلك لا يثقون بالشباب لأن هذه الوزارة من صغيرها إلى كبيرها لا تضم أشخاصاً أعمارهم أقل من العقد الخامس، أو أشخاصاً ولدوا بعد العام 1971.
فالنساء بالنسبة لجهابذة الحكومة الجديدة مخلوقات للبيوت والطبخ وإنجاب الأطفال والثرثرة، ولذلك لا يمكنهن إدارة المؤسسات ومواجهة المحكمة الخاصة بلبنان، وقلوب النساء رحيمة، فلا يمكنهن الصمت أمام المجازر التي تحصل للعائلات والأطفال في العالم العربي، أما الشباب فهؤلاء يمكن اعتبارهم ثوريين وتغيريين وغير قادرين على التمييز بين الصح والخطأ وسرعتهم في أخذ القرار قد تجعلهم في يوم من الأيام يقفون إلى جانب قضايا وضعوا في مواقعهم لمواجهتها، ولذلك “بلا وجعة الرأس من أساسها”.
إذاً، شهدنا التكتلات التي أعلنت فرحتها من خلال توزيع “البونبون” والملبّس وأنواع الحلويات المختلفة، تعيش نشوة النصر حيث أطلق مناصروها الرصاص والمفرقعات النارية احتفالاً وبعضهم حزناً كما حصل مع أنصار المير طلال ارسلان، فتكتل التغيير والإصلاح انتصر بعدد المقاعد ونوعياتها وأشكالها، وكذلك كتلة النضال الوطني انتصرت بعدد الوزارات الخدماتية التي أخذتها هذه المرة، والرئيس المشكّل للحكومة انتصر بأن صار رئيس حكومة و”حزب الله” بالانجاز “الإلهي” كما الوعد “الإلهي”، والرئيس بري بدخوله منطقة الشمال وتوسيع تشكيلته الوزارية، أما السرعة التي تشكلت بها هذه الحكومة فيمكن القول إنها جاءت “صباً طريحاً مفركشاً” في ظل كمية الحب التي هبطت في لحظة واحدة وأنتجت مكوّناً يشبه بمكان ما المكون الذي أنتجته “جمهورية” الرئيس إميل لحود في العام 8991 مع الفارق في الحديث عن الرئيس ميشال سليمان ورئيس ذلك العهد.
والسؤال الذي ينتظر الجميع إجابة عنه، هو هل يتحول وزراء الأكثرية خلال عملهم إلى الكيدية السياسية، وهل يقوم مثلاً وزير العدل المشهود له بنزاهته بتقديم ما يطلب منه من ملفات سياسية وغيرها ويزيح ملفات سياسية وغيرها. وهل يعلن الوزير شربل نحاس الحرب في وزارة العمل على النقابات التي يرأسها مناصرون لقوى آذار، ويترك لغسان غصن حليفه السياسي ونقيضه بالايديولوجيا والعقائد أن يستمر بإدارة الاتحاد العمالي العام كما يشاء، وأيضاً هل يقوم وزير الاتصالات نقولا صحناوي بتهشيم ورقة قطاع الاتصالات التي وضعها حليفه الوزير جبران باسيل، ويستكمل الحرب السياسية التي بدأها نحاس.
لنتذكر “المواطن الصالح” الذي كان يقوم في أواخر التسعينيات بتقديم ملفات جاهزة ومفبركة إلى القضاء، تلك الملفات التي طالت المقربين من الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولنتذكر كيف اعتقل موظفون ومدراء عامون بالتهم المركّبة نفسها، في ظل تركيبة أمنية سياسية اقتصادية ما زال أبطالها موجودين بالقرب من بعض الوزراء الجدد أو حتى تربوا سوياً من نفس المدرسة وقد يكونون رضعوا من نفس قنينة الحليب.
هذه الذكريات ليست للتخويف بالتأكيد، فمن ناضل إلى جانب الرئيس الشهيد رفيق الحريري والشهداء سمير قصير وجبران تويني وجورج حاوي وغيرهم من شهداء انتفاضة الاستقلال، هؤلاء المناضلون قادرون على مواجهة القمع ومنع الاعتقالات “السياسية” وما زالوا يملكون كتلة نيابية كبيرة لا تحتاج إلى كثير من الجهد ليعود إليها الكثير من أعضائها الذين رحلوا لأسباب كثيرة، وأهم أسباب العودة مواجهة الكيدية والقمع وطرد الموظفين وتركيب التهم والملفات الطويلة.
في النهاية، لبنان ليس أي دولة مشرقية مجاورة أو بعيدة، ولكنه على صغره يتأثر بالتأكيد بكل ما يدور من حوله، من المغرب إلى البحرين ودمشق والقاهرة وتونس وغيرها، وفي زمن انطلاقة الشعوب العربية نحو ربيعها، لن يدخل الخريف إلى لبنان من “خواصر رخوة” أو من تركيبات عفا عنها الزمن إنه الربيع الذي يطيب به شم النسيم، نسيم الحرية.
* كاتب لبناني
المستقبل