المقابلة التالية التي أجراها الأستاذ رشيد خشانة مع المحامي الليبي محمد العلاقي تشكّل استعراضاً دقيقاً للمسار الذي قاد إلى ثورة 17 فبراير، كما يقول رشيد خشانة في تقديمه. وهي تلقي الضوء على سحق منظمات المجتمع المدني في الثمانينات ثم عودتها بصعوبة مؤلمة في السنوات الأخيرة.
ولكن لا بد من إضافة، أو تحفّظ:
وهو أن سرد الأستاذ محمد العلاقي لا يتطرّق إلى “إنتفاضة المساكن” التي اندلعت في كل أنحاء ليبيا قبل شهر من إنتفاضة 17 فبراير. أي في الفترة الفاصلة بين سقوط بن علي وبدء إنتفاضة 17 فبراير.
ولأسباب تتعلّق بمصادر المعلومات (التي كانت من نوع “المهمة المستحيلة” في ليبيا القذافي، كان “الشفاف” الموقع الوحيد الذي تابع “إنتفاضة المساكن” منذ يومها الأول، وظل يتابعها على مدى الشهر تقريباً. وباستثناء خبر يتيم، ومتأخر زمنياً، من “الجزيرة” ومثله من “رويترز”، فقد مرّت “إنتفاضة المساكن” دون ذِكر تقريباً في التحليلات اللاحقة للثورة الليبية- تحديداً لأن الإعلام الخارجي عجز عن تغطيتها.
وقد وقف النظام الليبي موقف المشلول أمام استيلاء ألوف المواطنين على مجمّعات سكنية جديدة على طريق مطار طرابلس العاصمة، وظل على شلله أمام اتساع انتفاضة المساكن حتى وصلت إلى كل المدن الليبية، “درنة” مثلاً. وظلت قوى الأمن تراقب ما يجري من غير تدخّل، رغم تذمّر شركات المقاولات الأجنبية مما كان يحصل. وهذا إلى درجة أن البعض اعتقد أن معمر القذافي هو الذي أطلق “إنتفاضة المساكن” لكي يُشغِل الليبيين بقضية تحول دون انتقال عدوى تونس ومصر إليهم. وذلك غير صحيح.
وبحسب معلوماتنا، فإن “سيف الإسلام القذافي” كان أول من “انتبه” إلى خطورة “إنتفاضة المساكن”، وسعى لدى والده بضرورة قمعها! ومن هذه الزاوية، فربما كان “سيف الإسلام” على حقّ! فقد كانت “إنتفاضة المساكن” أول “تمرين” (قبل الثورة الليبية بشهر واحد) اكتشف فيه شعب ليبيا قدرته على “تغيير الأمور بيديه” رغم أنف نظام القذافي، واكتشف فيه وجود ضعف قاتل في قدرات النظام الأمنية.
وفي رأينا، فما زال مطلوباً إدخال “‘إنتفاضة المساكن” في أي سرد لمسار الثورة الليبية، وخصوصاً من شهادات “الشعب” الذي قام بها. وهذا ما كان متعذّراً القيام به قبل 3 أشهر، وما لم يحصل بعد اندلاع ثورة فبراير.
بيار عقل
(صورة المقال: علم فرنسا يرفرف في صلاة الجمعة في بنغازي!)
*
“أدعو منظمات حقوق الإنسان لإرسال بعثات لتقصِّي الحقائق في ليبيا”
بقلم : رشيد خشانة – الدوحة- swissinfo.ch
رافق المحامي محمد العلاقي تبلوُر إرهاصات الثورة في أحشاء المجتمع المدني الليبي طيلة سنوات، من نقيب للمحامين على مدى أربع سنوات إلى رئيس للَـجنة حقوق الإنسان في مؤسسة سيف الإسلام القذافي، عندما كان ذلك المربّـع هو نافذة التغيير الوحيدة في الداخل، إلى أن اندلعت الثورة فغادر طرابلس خِـلسة كي يلتحِـق بها، وتمّ اختياره وزيرا للعدل في المجلس الوطني الإنتقالي.
في هذا الحوار الخاص الذي أدلى به النقيب العلاقي لـ swissinfo.ch، استعراض دقيق للمسار الذي قاد إلى ثورة 17 فبراير منذ بواكير السبعينيات، وكذلك لِـموقف المجلس الوطني الإنتقالي من جيران ليبيا والمُـبادرة التركية الجديدة، لينتهِـي إلى توجيه دعوة مُـلحّـة إلى المنظمات الحقوقية الدولية، وخاصة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لإرسال بعثات لتقصِّـي الحقائق في العاصمة طرابلس والمدن الأخرى. وبدأ الحوار الذي تمّ في الذكرى الخامسة والثلاثين لأحداث 7 أبريل في ليبيا من السؤال التالي:
swissinfo.ch: ماذا حدث بالضبط في 7 أبريل 1976؟
محمد العلاقي: كان هناك صِـراع في الجامعة الليبية بين النظام واتِّـحاد الطلاب المستقِـل “الإتحاد العام لطلاب ليبيا” وحاولت السلطة تقسيم الإتحاد إلى مرحلة ما قبل التعليم الجامعي من جهة، ومرحلة طلاّب الجامعة من جهة ثانية.
في المقابل، كان الطلاب يريدون اتِّـحادا موحَّـدا يمثل في نفس الوقت الجامعات والمعاهِـد الثانوية، وفق انتخابات حُـرة ونزيهة تتِـم بكامل الاستقلالية، لكن النظام رفض ذلك. ثم تدخَّـلت الشرطة في الجامعة لفرْض الطلاّب التابعين للنظام في القيادة، فيما اتُّـهم “الإتحاد العام لطلاب ليبيا”، بأنه يُقاد من قِـبل عناصر يسارية، عِـلما أن قانونا صدر قبل ذلك بسنوات مُحرّما الإنتماء الحزبي، وهو القانون رقم 71 لسنة 1972، الذي كرّس مبدأ “من تحزَّب خان”.
وماذا كان مُبرِّر هذا الإنقلاب؟
محمد العلاقي: لم يتمكّـن طلاب النظام من الفوز بمقاعِـد في قيادة الإتحاد على مستوى كافة الكليات، فهاجم عناصِر الشرطة، الذين كانوا يرتَـدُون لِـباسا مدنيا ومدعومين بأعضاء اللجان الثورية، الحَـرَم الجامعي وقاموا باعتقالات واسعة. فأصبح يوم 7 أبريل هو يوم “ثورة الطلاب”، كما سمّـاها النظام، وهو يقصِـد يوم دخول زبانِـيته إلى الجامعة للسَّـيطرة عليها ومحاكمة الطلاب المستقلين الذين وصلت الأحكام الصادِرة عليهم إلى عشرات السنوات والمؤبّـد بالنسبة لبعضهم، لنشهَـد بعد ذلك احتفالات سنوية يتِـم فيها نصْـب مشانق داخل الحَـرم الجامعي، واستمر ذلك حتى سنة 1984.
كيف كان انطلاق الهجوم على الجامعة واعتقال أعضاء الإتحاد؟
محمد العلاقي: أتى الهجوم على خلفِـية خِـطاب ألقاه معمر القذافي في مدينة طُـبرق أو سلّـوق، طالِـبا من أعوانه في الجامعة أن يقوموا بمَـا سمّـاه “ثورة”، وإثر ذلك، صار طلاب القانون يُشنَـقون في كلية الحقوق، وطلاّب الهندسة يُشنقون في كلية الهندسة، وطلاّب الطب في كلية الطب وهكذا..، إلى درجة أن الطلاّب صاروا يتعمّـدون الغِـياب عن الدروس في تلك الأيام، تفاديا للشنق، ولا يبقى في الجامعة سِـوى الطلاب المُـوالون للنظام.
إلى أي مدى أضعف ضرب الحركة الطلابية بهذه الشّـراسة، مؤسسات المجتمع المدني الأخرى؟
محمد العلاقي: تمّ ضرب اتحاد الطلاب، لأنه كان قويا ثمَّ ضُـرِب بعده اتِّـحاد العمال، الذي كان قويا أيضا. وقبل ذلك، تم حظر العمل السياسي والفِـكري. وصدر قانون الأحزاب الذي حظر تكوين الأحزاب والجمعيات “أو ما شابهها”، مثلما جاء في نصّ القانون ومعاقبة الإنتماء إليها، ما شكّـل ضربا للمجتمع المدني، سُـرعان ما شمل النقابات المهنية، التي تمّ إنهاء دورها، بما فيها نقابة المحامين التي تمّـت الإستعاضة عنها برابطة، ولم يعُـد مُـمكنا بالتالي، حتى إنشاء جمعية عادية. والمحاولتان الأخيرتان في هذا السياق، هما جمعية العدالة ومركز الديمقراطية اللّـذان تسنّـى إنشاؤهما خلال “فترة الإنفتاح”، إن جاز أن نُسميها كذلك تجاوُزا، أي في عامي 2008 – 2009، لكنهما لم تستمرا سوى أربعا وعشرين ساعة…
كيف استطاع المجتمع المدني أن يصحُـو مجددا في السنوات الأخيرة؟
محمد العلاقي: نقابتان رئيسيتان للمحامين لعِـبَـتا دورا في إنشاء مركز الدراسات والبحوث وتكوين حلقات نقاش، بل وتجاسرت النقابة على التحفيز على سَـنِّ دستور لليبيا وإحياء هيئات المجتمع المدني، وتمّ ذلك بالتعاون مع رابطة الكتّـاب.
كم بقِـيتم على رأس نقابة المحامين؟
محمد العلاقي: أربع سنوات، ثم جاء النقيب عبد الحفيظ غوقة، الذي استمر أربع سنوات أيضا، ثم حُلّ َمجلس النقابة وفَُـِرضت هيئة على المحامين فرْضا من قِـبل اللِّـجان الثورية ومؤتمر الشعب العام. وما أن سوّى النظام الملفات العالقة مع الغرب، ومع إطلاق مبادرة الإصلاح التي طرحها سيف الإسلام، لم يبقَ لنا نحن المقيمون في الداخل، سوى سلوك سبيل الإصلاح. وكان الهدف من ذلك، توسيع هامش الحرية وتشجيع الناس على المطالبة بحقوقهم.
ماذا كان موقِـعكم في هذه التجربة؟
محمد العلاقي: تمّ تكليفي برئاسة جمعية حقوق الإنسان التي كان يرأسها قبلي الدكتور جمعة عتيقة، واستطعنا عن طريقها إصدار تقارير سنوية عن حالة حقوق الإنسان، وما تتعرّض له مؤسسات المجتمع المدني من ضغوط، حتى أصبح صوتنا مسموعا في الداخل والخارج. لقد استطعنا تنظيم وانتخاب نقابة للمحامين في بنغازي، بإرادة المحامين. وقد فُـرضت على السلطة فرضا ولم تعترف بها إلا قبل ثلاثة أيام من اندِلاع انتفاضة 17 فبراير، وكان لها دورها في إضْـرام شرارة الثورة في كامل ليبيا.
من مهَّـد للثورة وأنضج أسبابها؟
محمد العلاقي: كل هذا المسار ساهَـم في إنضاجها، وخاصة نقابة المحامين وجمعية ضحايا أُسَـرِ شهداء أبو سليم، التي يرأسها المحامي فتحي تربل، وهي جمعية شكَّـلتها عائلات أكثر من 1200 سجين رأي تمَّـت تصفِـيتهم في مجمَّـع سجون أبو سليم.
كيف اعترف بها النظام؟
محمد العلاقي: لا، كانت جمعِـية أمرٍ واقِـع، إذ لم يستأذِنوا النظام في تأسيسها وأصبحت هي التي تتعامل مع هذه القضية في الدّاخل والخارج ولها مطالبها المُـعلنة. وقد نظَّـمت مُـظاهرات دورية كل يوم سبت أمام مجمّـع المحاكم في بنغازي.
هل تعتقدون أن مبادرة الإصلاح التي طرحها سيف الإسلام القذافي كانت صادقة؟
محمد العلاقي: أثبتت الأيام أن النظام لم يكُـن صادِقا في ما سمّـاه مشروع الإصلاح، ولو كان صادِقا وتجاوَب مع مطالبات الناس بسَـنِّ دستور ورفع القوانين الاستثنائية، لقَـبل الناس بهذا المشروع، لكنه استمرّ في الإعلان عن المشروع بُـغيَـةً تلميع صورته في الخارج وكسْـب المزيد من الوقت. وأثبَـت الواقع عدَم صِـدق مشروع سيف الإسلام، ولعلّـه نزع القِناع عن وجهِـه الحقيقي بعد اندِلاع الثورة.
هل أنتم مقتنعون اليوم بأنه كان هناك اختلاف في التوجّـهات بين أركان النظام؟
محمد العلاقي: ما كان يسمى إختلافا لم يكُـن يعكس تبايُـنا حقيقيا، بل كان مجرّد توزيع أدوار، وإن صدَّقنا في ذلك الزمن وجود تباعُـد في المواقف. فأبناء القذافي كلّـهم على مدرسة واحدة، وتأكَّـد اليوم أنهم على دِين والِـدهم.
تبدو الدول الغربية المتعاطفة مع الثوّار في ليبيا، وخاصة الولايات المتحدة، متخوِّفة ممن سيأتي إلى الحُـكم بعد القذافي، وخاصة من احتمال سيْـطرة قِـوىً سلفية على البلد. فهل لهذه المخاوف ما يُبرِّرها، وكيف يمكن الإطمئنان إلى مستقبل النظام الذي سيُقيمه المجلس الوطني الإنتقالي بعد رحيل القذافي؟
محمد العلاقي: مَـن هُـم في المجلس اليوم، هُـم مجموعة من الخِـبرات الوطنية، بين سياسيين وقانونيين وتكنوقراط، لذلك، فالفزّاعة التي أطلقها القذافي لتخْـويف الغرب، لا أساس لها ولا محلّ لها في أرضِ الواقِـع. فالإسلام في ليبيا سُـنّي وسَـطي، وأنا كُـنت محامِـيا ودافعْـت عن كل التيارات الإسلامية، ولم يكُـن من بينها أي مِـلف لتنظيم “القاعدة”.
وحتى “الجماعة الإسلامية المقاتلة”، التي كانت تعتمد سلوكا متطرِّفا، أجرت مراجعات فقهية، أسْـوة بما حصل في مصر والسودان، وأصدرت كتابا نبَـذت فيه العُـنف وتكفير الناس. وعليه، فلدينا إسلام وسَـطي معتدِل ولا داعي للخوف على الإطلاق. وأحب أن أوضح في هذا الإطار، إلى أنه سيُصار إلى مؤتمر وطني عام يضُـم كل ألْـوان الطَّـيف السياسي الليبي، وتنشأ من المؤتمر حكومة انتِـقالية تُـشرِف على سَـنِّ دستور يتِـم استفتاء الشعب عليه، ويُتوّج هذا المسار في نهاية المطاف، بولادة ليبيا مدنية ديمقراطية تقُـوم على حُـكم القانون وسِـيادة الحريات.
بماذا تُفسرون إذن انسحاب الولايات المتحدة من قوات الحلف الأطلسي العاملة في ليبيا؟
محمد العلاقي: ليس صحيحا أن الإنسحاب تمّ بناءً على وجود تنظيمات إسلامية متطرِّفة، بل كان سبَـبه خِـلافات بين أعضاء الحِـلف الأطلسي، والأمريكيون هُـم أكثَـر الناس معرِفة بأنه لا وجود لجماعات تابِـعة للقاعدة في ليبيا. فالمجتمع الليبي بطبيعته، يرفُـض التطرّف الدِّيني.
وكيف ينظر المجلس إلى الموقف الجزائري الذي يؤكِّـد هو أيضا أن “القاعدة” تستفيد من الوضع في ليبيا وأن شُـحنة أسلحة تمّ ضبْـطها على الحدود المشتركة مع ليبيا؟
محمد العلاقي: هذه فزّاعة أخرى تأتِـي من الجزائر الشقيقة، ولا يمكن أن تُـفهم إلا في إطار تخوّف الحكومة الجزائرية من شعبها والإستعداد إلى مرحلةٍ ما، تستعطِـف فيها الغرب لمساعدتها فيما قد يحصل في الجزائر.
وماذا عن مواقف بقية الجيران… مصر وتونس والبلدان الإفريقية؟
محمد العلاقي: أثمِّـن عالِـيا موقف الشعب والحكومة في تونس، اللذين فتحا حدود بلدهما للمرضى والجَـرحى الليبيين ولم يتوقَّـفا عن دعْـم شعبنا، باختصار الإجراءات الروتينية في المنافذ الحدودية وتقليصها إلى الحدّ الأدنى. وليس لدينا أيّ شكٍّ في أن الشعب التونسي مُـستعِـد للعمل معَـنا ضدّ أمَـراء الحرب في باب العزيزية. وكذلك الشأن أيضا بالنسبة للموقف الشَّـهم، الذي اتَّـخذه أشقّـاؤنا المصريون والمجلس العسكري.
وماذا عن الموقف الإفريقي من النظام الليبي حاليا؟
محمد العلاقي: القذافي انتهى إفريقيا، وهو الآن مُـنشَـقّ عن المجلس الوطني الإنتقالي، ولك أن تتخيَّـل مصير الحكومة التي انشَـق عنها وزير الداخلية والعدْل والخارجية وشؤون المُـغتربين ومحافظ البنك المركزي ومندوب ليبيا في الأمم المتحدة وسفيرها لدى الجامعة العربية و15 سفيرا وممثِّـلا دبلوماسيا، ولم يتبقّ منها الآن سوى وزير السياحة والمرافق، هما عبارة عن منشقيْن عن المجلس الوطني. لم يعُـد مع نظام طرابلس إلا أسْـرة القذافي ومُـرتزِقة من الليبيين والأجانب يُـدافعون عن مصالِـح مادية، خاصة ونحن نعلَـم أنه لا مؤسسات دستورية في ليبيا، فإذن، عَـمّا يُـدافعون؟ على مصالح خاصة أم هم مجنّـدون؟ فحتى قبيلة القذاذفة يقِـف 90% منها مع الثورة.
يتردّد مجاهَـرة أو مداورة أن هناك صِـراعا بين أبناء المحافظات الشرقية والغربية في ليبيا، مع الإشارة إلى أن الثِّـقل السكاني يوجد في الغرب، حيث ثلثَـيْ السكان، بينما يُـمثل المجلس الإنتقالي، الشرق الذي لا يتجاوَز وزْنُـه ثلُـث السكان، ما ردّكم على هذه المآخذ؟
محمد العلاقي: ليس هناك خلاف. فالنظام هو الذي يروِّج لذلك، وإذا كانت هناك نسبة 1% من الشكّ في الوحدة الوطنية، فقد أزالها النظام، إذ أن المظاهرات في بنغازي، وهي في الشرق، كانت تُـنادي الزاوية، وهي في الغرب، “يا شباب الزاوية نبو )نريد( الليلة ضاوية”، وسمعنا المتظاهرين في بنغازي يهتِـفون “يا شباب العاصمة )طرابلس( نبو الليلة حاسِـمة”. وتردّدت هذه الشعارات في دَرْنة وطُـبرق ومِـصراتة وأجْـدابيا وغيرها، ولذا، فإثارة النَّـعرة القبَـلية أو المناطقية، هي فزّاعة لجَـأ إليها القذافي لمُـحاولة خلْخَـلَـة النَّـسيج الوطني الليبي، لكن الشعب الليبي متيقِّـظ ومنتبِّـه لهذه المحاولات.
ولعلّ آخر الفِـتن التي حاول إشعالها، ما سماه “مسيرة لمِّ الشمل”، التي أرِيد لَـها أن تذهب إلى بنغازي للعَـزاء، في حين أن الناس يموتون في الزاوية والزّنْـتان وراجبان وجبل نفوسة وسواها بأسلحة أزْلامِـه. فلو كان النظام صادِقا، لماذا لا يكون لمّ الشّـمل في طرابلس نفسها، وهي العاصمة؟ ثم إنه لا عَـزاء في الشهداء، فما هذه الخدعة سِـوى مُـناورة لدفْـع أولئك المأجورين نحْـو منطقة سِـرت، لاستعمالهم دُروعا بشرية من أجْـل سِـرت وحدها لا أكثر.
الأمر الثابت، هو أن الشعب الليبي متوحِّـد، والوحيد الذي بقي خارج القبيلة الواحدة ليبيا، هو معمر القذافي وأولاده، فلْـيَـرحلوا ويتركُـونا نبني ليبيا معا، هذا بلد طيب، وهذه هي البدوية الشّـرسة التي تحبّ وقتَ ما تشاء، وقد أحبَّـت شعبها وأهلها…
حمل المجلس الإنتقالي بقوّة على حكومة أردوغان، بسبب موقفها الذي اعتبَـرْتموه مُـمالِـئا للقذافي. فهل تغيّـر الموقف التركي مع مبادرة أردوغان الأخيرة؟
محمد العلاقي: هناك موقِـف جديد نتيجة كشفنا لحقيقة التّـلاعب السابق الذي تُـفسِّـره العقود التي حصدتها تركيا من النظام في ليبيا بشكل مباشر. وكنا أعْـلَـنّـا أنه إذا استمرت تركيا في أدائها هذا، فبالإمكان إلغاء تلك العقود لكوْنها لم تعتمِـد الشفافية في التَّـعاقُـد، ما يُجيز لنا رفْـع دعاوى أمام غُـرف التحكيم التي نصَّـت عليها العقود، لإبطالها والتحلّـل منها. وفي تقديرنا، سوف لن يكون لتركيا أيّ مستقبل اقتصادي أو سياسي في ليبيا، لو واصل رئيس وزرائها في لعِـب تلك الأدوار. ونحن نعرِف يقيناً خلفِـية المبادرة التركية السابقة التي رفضناها، إذ أوْعز بها سيف الإسلام القذافي عن طريق أحَـد المحامين، الذين لم يتورعوا عن المتاجرة بدِماء الشهداء، وسيكون لنا قوْل في حقّ هؤلاء في الوقت المناسب.
هل تعتبرون أن الموقف التركي تغيّـر الآن؟
محمد العلاقي: بعدما فضحْـنا دوْر تركيا، بدأت تُـرسِـل مندوبيها إلى المجلس الوطني الإنتقالي، ونحن بصدَد دراسة المبادرة الجديدة. فإذا التَـزَمت أنقرة بتبنّـي قضية الشعب الليبي، سيُؤخذ ذلك طبعاً في الإعتبار، وإلا فلِـكُلِّ حادِث حديث.
ما هو الدور الذي يُـمكن أن تقوم به الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني عموما في دعم الثورة الليبية في هذه المرحلة؟
محمد العلاقي: ما نريده من مؤسسات المجتمع المدني، المعنِـية بحقوق الإنسان في كل أنحاء العالم، وخاصة مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، أن ترسِـل مندوبيها لتتقصّـى حالة حقوق الإنسان في طرابلس والزاوية وزْوارة، كي ترى بأعيُـنها حجْـم الإنتهاكات والإعتداءات وعمليات الإغتصاب، التي تتِـم أمام المحارِم، وأن تذهب أيضا إلى بنغازي لترى الأسْـرى الذين قبَـض عليهم الثوار وتُقارن بين المعاملتيْـن، إذ يتِـم التعامل مع الأسْـرى في بنغازي طِـبقا لمعايير تتناسَـب مع الضَّـمانات الدولية والحقوقية لمُـعاملة الأسرى.
رشيد خشانة – الدوحة- swissinfo.ch
وصلة هذا المقال
http://www.swissinfo.ch/ara/detail/content.html?cid=29970520