2011-04-10
هذه الجمعة (8-4-2011) قررنا الذهاب إلى دوما..
لا أدري لماذا اخترنا دوما.. بالنسبة لي قد يكون إحساسي بالذنب لأني في الجمعة السابقة اخترت النزول إلى المرجة، ولم يحدث شيء يذكر.. في الوقت الذي حدثت فيه مجزرة دوما.
نزلنا في وسائل النقل العادية، ركبنا السرفيس وسرفيس آخر إلى حرستا.. كان الوضع حتى لحظتها هادئاً جداً.
لم نجد وسيلة نقل توصلنا لدوما.. انتظرنا قليلاً حتى وجدنا سرفيس ينقلنا إلى مفرق دوما..
عند وصولنا إلى مدخل المدينة أوقفنا حاجز أمني بملابس مدنية تقدم شخص وأمر جميع الركاب بالنزول والتوجه إلى الجهة المقابلة من الشارع والعودة من حيث أتوا..
نحن (أنا وزوجي) بقينا في السرفيس لم نتحرك من مكاننا..
سألونا لماذا لا تنزلون قال جلال (أنا طبيب ولدي حالة إسعافية).
تلكأ السائل قليلاً.. ثم نادى لشخص أعلى منه رتبة..
سألنا من جديد وكررنا إجابتنا من جديد… اعتذر وقال اذهبوا…
بعدها عرفنا أن الحاجز موجود من الليل لمنع أحد من دخول المدينة إن لم يكن من أبنائها.
بعد المفرق نزلنا.. مشينا لمسافة ثلث ساعة حتى وصلنا إلى وسط المدينة.. كانت الشوارع مقفرة في البداية.. ثم لاحظنا حركة بنفس اتجاه سيرنا.. الجميع يتجه إلى ساحة الجامع الكبير..
عند وصولنا إلى الجامع.. كان جمهرة من الناس ينتظرون نهاية خطبة الجمعة ..
بعد قليل انتهت الخطبة، وقفت سيارة سوزوكي على جنب كانت مليئة بالأعلام تم توزيعها على الواقفين…
البعض كان قد أتى مع يافطته.. وقد كتب عليها مطالبه (وهي مطالب الشعب السوري).
خرج جمع كبير من الجامع وسارت المظاهرة.. بدأت الهتافات.
التقينا بأحد الأشخاص سألناه أين النساء… قال سوف يلحقن بنا بعد حين.. الآن الوضع غير آمن.
قال لي إبقي على جنب لا داعي لسيرك.
وشكر لي ولزوجي وجودنا إلى جانبهم..
قلنا له.. هذا بلدنا وهذه دماؤنا نحن لسنا ضيوفاً.. نحن منكم وما يحصل لكم يحصل لنا..
كنت امرأة في حشد يتجاوز الثلاثة آلاف رجل…
نظرات الاستغراب لم تخف عن الجميع
ظن البعض أني أجنبية، ربما صحافية.. أو أي أحد ولكن النظرات لم تتجاوز سؤال الفضول إلا من البعض.
سرنا مع السائرين.. هتفنا مع الهاتفين… كانت الهتافات بأبرز شعاراتها (الله، سورية، حرية وبس…)…. وكذلك (حرية .. حرية.. حرية..) (وين العصابات وين العصابات).. إضافة لشعارات تنبذ الطائفية.. وتحيات للشهداء..
لأول مرة أسمع الهتافات للحرية بهذا الدفق والتأجج في شوارع سورية… لأول مرة وبدون عصي أو بلطجية أو رصاص..
وزعوا علينا (سكر نبات) حتى لا تنجرح حلوقنا من الهتاف.. وهتفنا حتى تعبنا..
لفت نظري إلى جوارنا رجل كبير في العمر يتكئ على عكاز.. ويمشي ويهتف والناس تردد وراءه.. كان رائعاً في هتافاته التي لم يكن يحفظها كلها وكان هناك من يردد له كلمات لا يعرفها.. إصراره كان رائعاً في التواصل مع الآخرين والتعبير عن مطالب الشعب.. لم تخل المظاهرة من بعض البهجة.. رغم لوعة فراق أصدقاء الأمس والشباب الذين استشهدوا في الجمعة السابقة..
أطفال بعمر الورود كانوا يحملون اليافطات التي تؤكد أن دماء الشهداء وحدت الجميع في سورية.!!
شباناً.. شيباً.. أطفالاً دوما كانت في المظاهرة..
في ساحة جانبية وقف أحد المصابين من الجمعة السابقة وألهب الشعارات بهتافاته..
ثم توجهنا إلى ساحة المدينة الرئيسية..
هناك كانت خطب للبعض.. وهتافات.
التقيت بصديقة لي استطاعت الدخول بالحيلة كذلك مع أصدقاء من دوما وكانت تضع الحجاب مراعاة لأهل المدينة..
قلت لها ليس من المطلوب أن تتحجبي أنت مقبولة هنا كما أنت.. يكفي تضامنك مع الأهالي ليقبلوك ويحموك مجموعة من النساء القلائل تجمعن الى جانب أحد الجدران توجهنا إليهن.. كن نساء شجاعات بامتياز.. اخترن النزول ودعم الرجال وتأكيد وجودهن وحضورهن عندما أصبح عدد النساء مقبولاً (حوالى 15 امرأة) توجهنا إلى مركز الساحة قام الشباب بإحاطتنا بجدار من الأيدي المتشابكة خوفاً علينا… وبدأنا بالهتاف للحرية والشهداء عندها وكأن خبراً تسرب عن حدوث شيء ما في حرستا.
ارتفعت الهتافات (واحد واحد واحد.. دوما وحرستا واحد…) ومن يعرف دوما وحرستا يعرف أهمية هذا الشعار..
بدأت المظاهرة تخف وتوزع الشباب في مجموعات على الحارات يلهبون حماسة الناس…
قررنا الخروج.. تخلصت من طوق الحماية بينما أحد الشبان يقول لي ابقي مع النساء.. قلت له أبحث عن زوجي هل تعرفه.. فضحكَ ومشى…
في العودة اضطررنا للسير لمسافة طويلة حتى المفرق من جديد
هناك أخذنا سيارة أجرة اختارت التلوي بين الشوارع الفرعية حتى وصلنا لمشارف دمشق.
كان الوضع رائعاً في دوما
لا أمن.. لا رصاص.. ولا إساءات من اي نوع.. فقط أناس وطنيون مفجوعون عبروا عن حبهم الكبير لبلدهم..
في الطريق سمعنا طراطيش عما حدث في حرستا
وتأكد لنا الخبر بعد رؤية أحد الأصدقاء العائدين من هناك…
جاءت باصات نقل داخلي مليئة برجال يلبسون اللباس المدني ويحملون الأسلحة.. قاموا بإطلاق النار على المتظاهرين. (لم يكن متأكداً عدد الشهداء أو الجرحى).
أيضاً مجموعة أخرى بملابس مدنية كانوا يحملون عصيا ويهاجمون المتظاهرين….
وتم إطلاق قنابل مسيلة للدموع..
الوضع كان رائعاً في دوما (دوما المحررة من الداخل.. المحاصرة من الخارج).. أما حرستا.. وحمص.. ودرعا… واللاذقية……والقامشلي.. والدرباسية .. وبانياس.. وطرطوس…
يا بلدي حبيبي
أفدي دماءك بدمي
كاتبة من سورية
* القدس العربي