فورين بوليسي.كوم, 30 آذار/مارس 2011
شكلت أحداث العنف الأخيرة في سوريا تحدياً لاستراتيجية إدارة أوباما في الشرق الأوسط، أكثر من الصراعات في تونس وليبيا والبحرين، وربما حتى أكثر من سقوط حسني مبارك في مصر. ويمكن النظر إلى الدوافع المتعارضة داخل الإدارة الأمريكية من خلال التصريحات الأخيرة التي أدلت بها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون منذ أيام، وصفت فيها الرئيس السوري بشار الأسد بانه “إصلاحي”؛ بيد، في 29 آذار/مارس في لندن، وجهت “إدانة قوية للحكومة السورية بسبب القمع الوحشي التي تقوم به تجاه المتظاهرين”. إن الرأي الذي سيسود تجاه الأسد، والكيفية التي سترد فيها الولايات المتحدة على الأحداث في سوريا، سيقطع شوطاً بعيداً نحو تحديد التغيير العميق الذي حدث في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بسبب الاضطرابات الأخيرة هناك.
إن إحدى نقاط الابتعاد الرئيسية التي اتخذها الرئيس أوباما مقارنة بسياسة سلفه في الشرق الأوسط كانت في نهجه تجاه سوريا. فبدلاً من استمرارها في تكديس الضغط على النظام السوري، عادت إدارة أوباما إلى اتباع سياسة التعاطي مع دمشق التي مارستها إدارات سابقة. لقد كانت هناك أساب متعددة وراء هذا التحول، [من بينها]، التصور القائم بأن سياسة الضغط لا تؤت ثماراً، بينما كان يُنظر — على نطاق واسع — إلى التعاطي مع أنظمة معادية بأنه يحمل في طياته نجاحاً دبلوماسياً.
ومع ذلك، فربما الأهم من كل هذا هو أن سوريا كانت تُعتبر دولة رئيسية لتحقيق تقدم في السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إلا أن دمشق لا تستضيف فقط مقرات حركة «حماس» و «الجهاد الإسلامي الفلسطيني»، وبذلك تتمتع نظرياً بالقدرة على التأثير على هذه المجموعات، بل أن مفاوضاتها الخاصة مع إسرائيل كانت ضرورية لتحقيق “سلام شامل” سعت إليه الإدارة الأمريكية.
وبعد مرور عامين، لم يؤت النهج الذي اتُبع تجاه سوريا أي ثمار. فلم تزد سوريا امتثالها للتحقيق الذي تجريه “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” حول نشاطاتها النووية السرية، أو تخفض تعاونها مع إيران و «حزب الله»، أو تقلل تدخلها في لبنان أو تزيد تعاونها مع محكمة الحريري. وعلى الجبهة الداخلية، إن دمشق بعيدة من أن تكون إصلاحية، حيث يشرف الأسد على نظام كان قد صُنف من ناحية الحقوق السياسية بأنه أسوأ من ذلك الذي كانت ترزح تحته مصر في ظل نظام حسني مبارك. كما لم يُحرَز أي تقدم على المسار السوري – الإسرائيلي، ولم تلعب سوريا دوراً في المحادثات المجمدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين (رغم أنه من الناحية الواقعية، تعثرت تلك المحادثات لأسباب لا تتعلق تماماً بالسياسة السورية).
لكن سياسة الولايات المتحدة الحالية تجاه سوريا لم تكن فقط غير ناجحة في نتائجها، بل كانت معيبة في مفهومها. إن مصالح وقيم الولايات المتحدة تتطلب قيام واشنطن بتأييد منح الحرية والسيادة للفلسطينيين؛ ومع ذلك، فإن تلك القيم نفسها، تمنع الإدارة الأمريكية من مقايضة الحريات للشعبين السوري واللبناني من أجل إقامة دولة فلسطينية. وبالمثل، ليس هناك سبب كاف للاعتقاد بأن بشار الأسد مهتم صراحة في السلام السوري – الإسرائيلي؛ إن حالة الحرب القائمة بين سوريا وإسرائيل توفر له المبرر الذي يحتاجه لاستمرار سريان “قوانين الطوارئ”، وهناك أمر مشابه بالنسبة لعلاقاته مع إيران و «حزب الله» حيث يحتاج أن يضحي بهما لتحقيق صفقة تجلب إلى نظامه الأرباح إلى حد كبير. قد تتوقع الولايات المتحدة الحصول على عائدات من السلام، إلا أن الأسد يستخدم معايير محاسبية مختلفة.
هناك دلائل على أن بعض المسؤولين داخل إدارة اوباما يدركون الحاجة إلى تغيير المسار المتبع تجاه سوريا. وفي هذا الصدد، قال مسؤول أمريكي لم يُذكر اسمه لصحيفة “نيويورك تايمز” في 26 آذار/مارس، أن “اليوم قد تم القضاء — حرفياً — على أي مصداقية كانت تتمتع بها الحكومة [السورية]،…. وبالتأكيد إن من مصلحتنا السعي إلى التوصل إلى اتفاق، ولكن لا يمكنك أن تعمل ذلك مع حكومة ليس لديها مصداقية مع أبناء شعبها.” وسيجادل البعض بأن المشكلة ليست الأسد، ولكن “الحرس القديم” من فترة والده الذي يحيط به. لكن تصريحات الأسد وسياساته تكذب التفكير الرغبي من هذا القبيل.
إن مغازلة الأسد من أجل تحقيق الأهداف الإقليمية مع إهمال ما يحدث داخل سوريا ليست “سياسة واقعية”؛ فهي قد ترضي الـ “سياسة” عن طريق صقل العلاقات الثنائية، لكنها لا تصل إلى الـ “واقعية” من خلال تقليل التأكيد على الآثار المترتبة على الركود السياسي والاقتصادي في المنطقة بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة. وثمة حاجة إلى اتباع نهج أكثر إبداعاً، وأقل أحادي البعد، وأكثر وعداً، والذي ينبغي أن يشمل تنشيط الضغوط الاقتصادية والسياسية باستخدام العقوبات ودعم الناشطين السوريين في مجال الديمقراطية. إن نظام الأسد هو ضعيف اقتصادياً — حيث يفتقر إلى الموارد الطبيعية التي يتمتع بها جيرانه، وهناك دلائل على أن جولات سابقة من الضغوط الاقتصادية كانت قد بدأت تشكل وطأة على النظام. كما أنه غير محصن سياسياً؛ بالإضافة إلى ذلك، يعم الاضطراب سكان البلاد، وتجتاح المنطقة رغبة في الإصلاح، وفقد النظام حليفته فرنسا في الغرب، حيث لمح وزير خارجيتها آلان جوبيه مؤخراً عن حدوث تغيير كبير في السياسة الفرنسية تجاه سوريا. وفي خطابه ليل الاثنين حول ليبيا، قال الرئيس أوباما “في أي مكان يتوق الناس أن يكونوا أحراراً، سيجدون الولايات المتحدة صديقة لهم”. بإمكان الرئيس الأمريكي المضي قدماً في هذا التعهد عن طريق تعبئة تحالف دولي لممارسة الضغط على نظام الأسد.
ولا يسع المرء إلا أن يتذكر رؤية القديس بولس ومقارنتها بالجهود التي تبذلها إدارة أوباما في اتخاذ قرار بشأن نهجها تجاه الأسد. لقد كان القديس بولس في طريقه إلى دمشق عندما رأى النور وغيّر أساليبه، وربما سيكون في نطاق السير على الطريق الدبلوماسي نحو دمشق عندما سيدرك الرئيس أوباما الحاجة إلى إعادة توجيه السياسة الأمريكية تجاه سوريا وإلى ما هو أبعد منها في المنطقة.
مايكل سينغ هو المدير التنفيذي لمعهد واشنطن.