إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
(مرة أخرى، ينشر “الشفاف” هذه السلسلة من مقالات العفيف الأخضر لأنها تمثّل وجهة نظر مناقضة كلياً لوجهة نظرنا، سوى أنها منتشرة إلى حدّ ما في صفوف نخب مثقفة).
*
“كيف أراد الفرنسيون إصلاحات قبل أن يريدوا حريات”
توكفيل Tocqueville
يمر العالم العربي بأحداث جسام، بحرب أهلية ارتسمت في المخيال الجمعي الإسلامي منذ 14 قرناً كـ”فتنة”، لا أحد يعرف متى ستنتهي ولا عما ستسفر. الأقلية النشيطة La minorité agissante، والأقليات النشيطة هي التي صنعت التاريخ البشري، في حالة هوس بها والأغلبية الصامتة في حالة ذهول منها.
الهدف المركزي للمحلل الموضوعي هو فهم ما يجري أمام عينيه من أحداث حبلى بالمجهول. في العلوم الاجتماعية المطلوب هو الفهم. ولا شيء غير الفهم. فكيف يمكن فهم ما جرى وما يجري؟ هل بمقاربته بالفكر السحري الذي يطلب من الواقع إعطاءه نتائج مخالفة لقوانينه؟ أم بالمراهنة الإرادوية على المجهول كما لو كان معلوماً من المستقبل بالضرورة؟ هاتان المقاربتان غير مجديتين. وهما اللتان سادتا في مقاربة الانتفاضة الثانية، التي أسقط عليها الجميع أمانيهم المحبطة ليجدوا أنفسهم ذات صباح ساقطين في الاكتئاب. فيما يخصّني، لا يسعني إلا مقاربتها بالمعارف المتاحة. بالمقاربة النفسانية (انظر “نداء إلى الحكام العرب: القرار هو الفرار”)، المقاربة السسيولوجية السياسية (انظر: “هل سيكون خلفاؤكم خيراً منكم؟“)، بالمقاربة التاريخية في هذا الجزء الأخير الذي اردته تمهيداً لـ”رسائل تونسية”التي سأعالج فيها الحالة التونسية.
التشخيص السائد للأنظمة العربية السلطوية هو أنها شذوذ في التاريخ، أنها ما كان لها أن توجد لولا “المؤامرة”. . .
في السطور التالية سأبرهن على العكس. لا يقدم التاريخ حالة واحدة مرت بها أمة إلى الديمقراطية قبل المرور بالمرحلة السلطوية. ما فعلته النخب الأوربية في الغالب هو تحويل النظام السلطوي تدريجياً إلى نظام ديمقراطي، كما فعلت انجلترا، وليس تدميره كما فعلت فرنسا. كما أن نهاية النظم السلطوية لم تكن دائماً مرادفة للدخول في الديمقراطية بل في الفوضى، كما حدث في أمريكا اللاتينية في السنوات 1980 و1990. إذن لا مدعاة للفرح لنهاية الأنظمة السلطوية ولا للبكاء عليها. المطلوب هو توفير أكبر كمية من الضمانات حتى لا تفضي نهايتها إلى الفوضى و الحرب الأهلية. الضمانة الأولى هي الوحدة الوطنية، التي لا تستثني أحداً، لتأمين الانتقال، إن لم يكن إلى الديمقراطية بما هي انتخابات نزيهة وتداول سلمي علي الحكم، وخاصة، فصل للسلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، فإلى دولة القانون بما هي استقلال القضاء وحرية الإعلام.
نظرة سريعة على تكوّن وتطور الديمقراطية عبر مسار تاريخي تدريجي طويل يساعد على فهم ما جرى ويجري أمامنا اليوم. في أوربا ، مهد الديمقراطية، سادت، خاصة في القرن الـ17، الدولة الملكية المطلقة، مطلقة بمعنى أنه لا وجود لحد مؤسساتي لسلطانها، ولا لمعارضة أو نقاش. الملك فيها يجمع بين يديه جميع السلطات ويستمد شرعيته من الحق الإلهي. تقريباً كما هو حال المرشد في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. الدولة الملكية المطلقة لم تظهر صدفة بل كانت تلبية لحاجة اجتماعية:وضع حد للفوضى المستشرية، بسبب الحروب الداخلية الدائمة بين العائلات الإقطاعية الكبرى، والحرب بين النبلاء والبرجوازية الغنية، التي تعيق انتقال التجار من إقطاعية لأخرى وتعيق تالياً التنمية الاقتصادية وتوطيد الدولة المركزية على حساب التذرر الإقطاعي.
في القرن الـ 18 ظهرت فلسفة الأنوار كرد فعل على الظلامية الدينية التي تعتبر العقل الإلهي، أي الشعائر الدينية، كل شيء والعقل البشري، أي التفكير العلمي، لا شيء. لم يعد الله، كما في التصور الديني الظلامي، هو مصدر القيم بل حل العقل البشري محله كتجسيد لنبوة العقل التي نادي بها أبو العلاء المعري:”كل عقل نبي”. وقد تبنى معظم ملوك أوربا في هذا العصر أفكار وقيم التنوير؛فقرأوا فلاسفة التنوير وراسلوهم وساعدوهم مالياً. لم تكفّ ممالكهم عن كونها مستبدة أي بلا أي سلطات مؤسساتية تعارض سلطة الدولة. لكنها غدت استبدادا يستنير بأنوار العقل البشري بدلاً من ظلام العقل الإلهي، أي تعاليم الكنيسة التي كانت متشائمة من مستقبل الإنسان ولا ترى له مهمة أخرى غير الاستعداد للموت، للسفر إلى ملكوت السماوات. وكان الموضوع المركزي للمواعظ الدينية هذيان نهاية العالم الفصامي: اقتراب الساعة. مثلما هو الحال اليوم في أرض الإسلام. بعد ثلاثة قرون من عصر الانوار.
ساند فلاسفة الأنوار ملوك الاستبداد المستنير المتحمسين لتحقيق أفكارهم الإصلاحية: تحقيق العقل في التاريخ. كان الفيلسوف الإنجليزي بنثام Bentham (1748 ـ 1832)ناطقاً بلسان فلاسفة التنوير عندما أعطى توقيعاً على بياض للدولة المستبدة المستنيرة لكي”تحقق بسرعة وبلا ثرثرات لا جدوى منها الإصلاحات العقلانية” . الإصلاحات ، لا الحريات، هي التي كانت شغل فلاسفة التنوير الشاغل. فعلاً قامت دولة الاستبداد المستنير بإصلاحات غير مسبوقة في التاريخ: إدارية، اقتصادية، مالية، تربوية وتشريعية مستوحاة من فلسفة الأنوار. وهكذا حررت الاقتصاد والتعليم والقضاء من سيطرة الدين. كانت هذه البذور في القرن الـ18 واعدة بعلمانية القرن الـ 20. الفلاحون، الذين كانوا طوال القرون كمّاً مهملاً، حسّنَ الاستبداد المستنير وضعهم. إذ أن همّ الملك المستبد المستنير بنور العقل كان”إسعاد رعاياه جميعاً”. لكن المستبد المستنير يبقى فوق القانون، كما في الدولة السلطوية العربية الإسلامية المعاصرة، كما عرّفه مونتسيكو: “واحد وحيد، بلا قانون ولا قاعدة”un seul sans loi et sans règle. كانوا يبررون استبدادهم بالجهل الذي تغطّ فيه شعوبهم على ما قالت كاترين الثانية امبرطورة روسيا لعشيقها:”لو كان رعاياي متعلمين بما فيه الكفاية، لما بقينا، أنا وأنت، في مناصبنا”. وهو ما لم يستوعبه المستبدون المستنيرون في أرض الإسلام في القرن الـ 21 الذين ظنوا أن شبابهم المستنير بفضل انتشار التعليم وثورة الاتصالات سيرضى باستبدادهم إلى ما لا نهاية.
دولة الاستبداد المستنير بما هي ضرورة تاريخية امتدت إلى جميع الممالك الأوربية. في حين كان خلفاء الإسلام، في الدولة العثمانية، يسوسون شعوبهم بحكم مطلق ظلامي ودموي شخّصه بدقة الكاتب والدبلوماسي الفرنسي Chateaubriand (1848 ـ1768) خلال زيارته لعاصمة الخلافة العثمانية: “جموع يقودها إمام ويذبحها انكشاري”. مثلما هو الحال اليوم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية والسودان الإسلامي الذي قتل رئيسه 250 ألفا من شعبه في دارفور .
كان الاستبداد المستنير يسترشد في سياسته بالفكر الفلسفي والاقتصادي لعصره، فوجد في فلاسفة التنوير سنداً ثميناً ساعده على تحقيق انجازات اجتماعية حملت بذور زواله. فمنذ 1750 بدأت النخب الفرنسية، التي تشّبعت بالتنوير، تطالب بالحرية التي لبتها الثورة الفرنسية؛ لكن بعد ثورة 1848 العمالية شعرت البرجوازية الناشئة بخطر”الطبقات الخطرة”على النظام الرأسمالي الوليد فاحتضنت انقلاب نابليون الثالث على الجمهورية الثانية (1852). وقبلت، مقابل حماية مصالحها الاقتصادية، أن تتخلى عن حرياتها السياسية، أي، أن تصبح “عدماً سياسياً” (ماركس) وقوة اقتصادية. وخلال عقدين ازدهرت فرنسا اقتصادياً في غياب كامل ومقبول للحريات السياسية التي أعادتها الجمهورية الثالثة (1970) شيئاً فشيئاً بعد سقوط الدولة السلطوية في الحرب الألمانية -الفرنسية. في السنوات 1990 أعاد المؤرخون الفرنسيون الاعتبار لدولة بونابرت الثالث السلطوية ونوهوا بإسهامها في التطور الديمقراطي الذي تلا سقوطها. من المحتمل، بعد أن تبرد العواطف المشبوبة الآن، أن يرد باحثو ومؤرخو الغد الاعتبار لانجازات الدولة السلطوية في تونس ومصر وبعض البلدان العربية التي حكمتها السلطوية المستنيرة (أنظر”هل سيكون خلفاؤكم خيراً منكم؟”).
مهمة الدولة السلطوية المستنيرة التاريخية كانت، وربما في بعض البلدان ما زالت، إعداد المواطن بالتعليم العقلاني والإصلاحات الاقتصادية والتشريعية، للانتقال من الاستبداد المستنير إلى الحرية المستنيرة . تاريخ الدولة السلطوية في أوربا القرن الـ 19 لم يختلف عنه في أوربا النصف الثاني من القرن الـ 20 . اليونان والبرتغال واسبانيا ـ فضلاً عن أوربا الشرقية ـ انتقلت من حكومات سلطوية إلى حكومات ديمقراطية بمساعدة هامة من دول السوق المشتركة الأوربية التي، لولاها، لسقطت في الفوضى (فهل سيكرر الاتحاد الأوربي والغرب التجربة مع الدول العربية لحمايتها من السقوط في الفوضى؟). الشروط الموضوعية الأولية لهذا الانتقال إلى الديمقراطية هيأتها الحكومات السلطوية التي أقامت بنية تحتية شكلت حافزاً للتنمية الاقتصادية وعمّمت وحدثت التعليم.
الظاهرة ذاتها تكررت خارج أوربا بالنتائج نفسها. الجمهورية التركية، التي قامت على أنقاض الخلافة العثمانية، كانت سلطوية. فما كان لشعب، 94%منه فلاحون أميون، أن يصوت في انتخابات ديمقراطية للعلمانية، التي قدمها له رجال الدين على أنها خروج عن ملة الإسلام. وهكذا فرضتها عليه دولة أتاتورك السلطوية مع ما فرضت من تدابير حداثية تأباها التقاليد العثمانية. هذه العلمانية السلطوية شكلت لاحقاً البنية الفوقية الضرورية لقيام ديمقراطية حديثة. في غياب العلمانية تغيب الديمقراطية؛ فأي ديمقراطية ممكنة في بلد يمارس التمييز الجنسي ضد المرأة والتمييز الديني ضد غير المسلم بإقصائهما من حقوق المواطنة الكاملة؟ وأي ديمقراطية هي التي تمنع المرأة وغير المسلم من الترشح لرئاسة الجمهورية أو حتى تولي بعض وزارات ومناصب السيادة؟ لم تغدُ الديمقراطية ممكنة في تركيا إلا بفضل هضم الوعي الجمعي لقيمة المساواة العلمانية. وهو ما تجلى في نجاح حزب العدالة والتنمية الإسلامي (2002) في التداول الحقيقي على الحكم وفي نجاح العلمانية نفسها في تحويل هذا الحزب الإسلامي من أقصى اليمين إلى وسط اليمين المنفتح على العالم الذي يعيش فيه والمتفهم لمتطلباته التي لا يمكن تجاهلها دون عقاب؛ فتخلى عن الشريعة الإسلامية لشريعة حقوق الإنسان، وتخلى عن الجهاد للتوسط من أجل توقيع السلام العربي الإسرائيلي تاركاً وراء ظهره فقه الولاء والبراء، الذي يشكل العمود الفقري للمشروع الطالباني، كما يشكل العائق الأكبر الذي مازال يعيق أقصى اليمين الإسلامي السياسي عن الانتقال من أحزاب احتجاجية فاشية إلى أحزاب حكم يمينية وسطية.
في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا (1950 ـ 1990) أعادت ظاهرة الحكومة السلطوية إنتاج نفسها. زاوجت الحكومات السلطوية بين السلطوية السياسية واقتصاد السوق، المفترض فيه أنه رفيق الديمقراطية . هذا النظام الاقتصادي السياسي الهجين هو الذي نمّى هذه البلدان وحضّرها للانتقال إلى الديمقراطية ـ بعد مرحلة فوضى في أمريكا اللاتينية ـ نقطة الانطلاق إلى الديمقراطية كانت، في جميع هذه الحالات، بنية تحتية ضرورية للتقدم الاقتصادي وبنية فوقية، قانونية وتربوية، لا غنى عنها للتقدم الديمقراطي . استطاعت هذه البلدان، بالتعليم الحديث، تكوين رأي عام مستنير ونخب متعلمة وطبقة وسطى عريضة، واستطاعت بالتعليم المهني خلق طبقة عاملة قوامها التقنيون، المهندسون، الباحثون، العلماء والأطباء؛الأصناف الخمسة الضرورية للتنمية السريعة وتالياً لديمقراطية متطورة لا يبيع فيها الفقراء أصواتهم مقابل صحن عدس ولا يلجأون إلى التصويت الاحتجاجي المضاد، تعريفاً، للديمقراطية.
هل كان الحبيب بورقيبة سيستطيع، في 1956، الحصول على أغلبية برلمانية، في نظام ديمقراطي، لمجلة الأحوال الشخصية التي تلغي تعدد الزوجات والطلاق الانفرادي واضطهاد الزوج للزوجة في مجتمع من الفلاحين المعادين للمرأة؟ ماذا أقول، بل إن النساء أنفسهن، اللواتي استبطن رأى جلاديهن فيهن، كنَّ ضد قوانين الأحوال الشخصية الجديدة التي حررتهن من أحكام فقه القرون الوسطى الذي كتبه الرجال للرجال. فقد صوتن، في الانتخابات البلدية(1957) لبلدية العاصمة ، ضد قائمة حزب بورقيبة لصالح قائمة الحزب الشيوعي، ليس حباً فيه بل انتقاماً من صاحب مجلة الأحوال الشخصية !، اعترف بورقيبة نفسه، بصراحته الجارحة، أنه أمر بتزوير التصويت الاحتجاجي قائلاً للنساء:لقد فعلتم ما فعله عبيد أمريكا الذين رفضوا تحرير إبرهام لنكولن لهم . . . وراهن على المستقبل، على بناتهن. تبدو اليوم الأخطار وقد أحدقت بمجلة الأحوال الشخصية، فهل سيكسب سي الحبيب الرهان من وراء قبره؟
هل كان بإمكان صين ديمقراطية أن تحقق من التقدم الاقتصادي في عقدين ما حققته انجلترا في قرنين أساساً بفضل إجراءين سلطويين :ضغط الأجور ونزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني؟ ما كان الصينيون، المتشبعون بثقافة التوالد الأرنبي بفضل شجرة الجنسينغ الشهيرة، أن يصوتوا لقانون الطفل الواحد الذي يصدم ما تعودوا عليه منذ عشرات القرون. ومع ذلك، فلولا هذا القانون لبلغ عدد سكان الصين سنة 2009 أكثر من 1,7 مليار نسمة بدلاً من 1,4 مليار نسمة . 300 مليون نسمة الذين لم يولدوا كانوا سيكونون عبئاً اقتصادياً وأيكولوجياً على الصين والكوكب معاً.
واقعة الدولة السلطوية، على اختلاف درجاتها، تكررت بانتظام في عديد البلدان والقارات. مما يجعل منها قانوناً تاريخياً لا ينفع معه المدح أو الهجاء. المقاربة المعقولة الوحيدة هي محاولة فهم هذا القانون للتحكم به إلى حد ما. إذن، الادعاء بأن الدولة السلطوية “لا ضرورة لها ولا حكمة فيها”لا يخبرنا عن الظاهرة بقدر ما يخبرنا عن ذهنية القائل السحرية ومدى جهله بالتاريخ.
الديمقراطية كانت دائماً ضرورية ولكنها لم تكن دائماً ممكنة. فرضها قبل توفر شروطها كان سيكون كارثة عليها هي نفسها؛كما كان فرض الإشتراكية في روسيا 1917، التي لم تكن مهيأة لها موضوعياً، كارثة على روسيا وكارثة أيضاً على فكرة الإشتراكية في العالم. المسألة المركزية، في مراحل ما قبل الديمقراطية، هي طبيعة الدولة السلطوية: هل هي مستنيرة؟ إذن، تعبّد الطريق إلى الديمقراطية بزرع بذور الشروط الموضوعية الضرورية لظهور الديمقراطية؛ كما تعبد الطريق إلى اندماج بلدانها في مؤسسات وعلوم وقيم العالم الذي تعيش فيه؟ أم هي ظلامية تحاول العودة المستحيلة إلى عصر الخلافة الراشدة عند السنة، أو الى دولة الإمام علي عند الشيعة؟ هذا هو الفرق الأساسي بين السلطوية التونسية، من بورقيبة إلى بن علي، والسلطوية الإيرانية أو السودانية المنشقة عن العالم الذي تعيش فيه؛ وهو أيضاً الفارق، الذي يقاس بالسنوات الضوئية، بين سلطوية الصين وسلطوية بورما.
فماذا يمكن أن يكون موقف المثقفين المستنيرين من الدولة السلطوية المستنيرة؟ أن يساندوها نقدياً؟ أم أن يعووا ضدها مع ذئاب أقصى اليمين الإسلامي؟ لا يبدو لي أن في الخيار إحراجاً. أقصى اليمين الإسلامي اليوم هو، على الأقل، المعادل لـ “الطبقات الخطرة” في القرن الـ 19، التي ما كان بإمكانها آنذاك أن تضطلع بالمهام التي تطرحها الحقبة على بلدانها، وهو نسخة ـ في إيران ـ طبق الأصل من فاشية الثلاثينات. مساندة المثقفين التنويريين النقدية للسلطوية المستنيرة، ضداً على المشروع الطالباني، مماثلة لمساندة فلاسفة الأنوار للاستبداد المستنير ضداً على الظلامية الكاثوليكية، كما هي مماثلة أيضاً لمساندة المثقفين الديمقراطيين، في الثلاثينات، للدول المعادية للفاشية ضداً على أقصى اليمين الفاشي. وقد برهنوا بذلك على أنهم جديرون بقيم التنوير التي يرفعون رايتها ولا يختارون موقف الشيطان الأخرس! المنتظر منهم، بعد سقوط السلطوية العربية المستنيرة، هو مواصلة معاركهم الفكرية ضد نفس الخصم، ومساندة الأحزاب والحكومات الحاملة لمشروع مجتمعي مناهض للمشروع الطالباني، وتشجيع الإسلام المستنير الذي يبشر به أمثال المستشار العشماوي وجمال البنا وحسن الترابي، الذي تبنى القراءة الناسخة للآيات المتقادمة كالآيات الشرعية، وأخيراً دعم حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا ضداً على العلمانية الاسمية المتخشّبة، أمدنية كانت أم عسكرية. حزب العدالة والتنمية وحكومته حليفان ثمينان لنا في مسألتين جوهريتين على الأقل: كونه واعداً بتحريك ديناميك إسلامي ديمقراطي يصالح الإسلام مع الحداثة العالمية يحاكي ما فعلته الأحزاب الديمقراطية المسيحية والانطلاق من نموذجه لتوعية العناصر الأقل انغلاقاً في أقصى اليمين الإسلامي السياسي والتقليدي، السني والشيعي، للانتقال إلى وسط اليمين ووسط اليسار الإسلاميين. التوعية التنويرية تفترض تكثيف النشاط الفكري كتابة، نشراً، ترجمة ونقاشاً للتوضيح وتحرير العقول من العوائق المعرفية التي تعيقها عن قراءة الواقع بلا نظارات مشوهة. وهو ما أنجزه ـ ولازال ينجزه ـ المنورون في أرض الإسلام، وخاصة في مصر، منارة العالم العربي الثقافية. عشرات بل مئات المنورين المصريين أسهموا بحصة الأسد في تنوير العقول بما كتبوا وترجموا ونشروا، مما سيساعد على خذلان الإخوان المسلمين إذا حاولوا العودة بمصر إلى منتصف ليل التاريخ. إن أنسَ فلن أنسى انجازين تاريخيين:ما أنجزه الفيلسوف حمدي زقزوق في وزارة الأوقاف لتحصين 90 ألف إمام وواعظ ضد المشروع الطالباني الذي اتخذ من المساجد وكراً لغسل الأدمغة، و”مكتبة الأسرة” التي يشرف عليها د. جابر عصفور والتي كانت سلاحاً فكرياً ضارباً استخدمه، وسيستخدمه في المستقبل أكثر، المصريات والمصريون، ترياقاً ضد سموم الظلامية الإسلامية المعادية للمرأة والعقل والحداثة.
ستكتب أجيال الغد أسماء المنورين في أرض الإسلام وخاصة أسماء المنورين المصريين بأحرف من نور وسيخلدون أفكارهم وذكراهم في ذاكرتهم. وهيهات أن ينسوا السيدة الفاضلة سوزان مبارك محامية الدفاع، منذ 30 عاماً، عن حقوق المرأة المصرية المهضومة. فهي التي رعت”مكتبة الأسرة” وهي التي عينت سنة 2006، 31 قاضية في أول مرة في تاريخ مصر الإسلامية ـ أما مصر الفرعونية فقد عرفت قاضيات وفرعونات عدة ـ والحال أن الأزهر كان، منذ عهد جمال عبد الناصر، يتعلل دائماً، ضد دخول المرأة للقضاء بأن المرأة عاطفية ولا تصلح للقضاء!
معارك المستقبل لن ُتكسب بفتاوى إهدار الدم، كما يفعل فقهاء الإرهاب ولا بالشعارات الغوغائية أو الثورجية كما يفعل بعض أحفاد ستالين، بل بالحوار والنقاش المتعارض المنتج لأفضل الأفكار، وأفضل المؤسسات وأفضل الممارسات. والمنورون، في أرض العروبة والإسلام، هم أبطال هذه المعارك السلمية.
فسلام عليهم يوم يولدون، وسلام عليهم يوم يُقتلون، وسلام عليهم يوم ُتبعث أفكارهم حية.
هل الدولة السلطوية ضرورة تاريخية؟ لااراه يدافع عن الحكام المستبدين صاحب المقال احسانا للظن هو متطرف في محاربة كل حقب الاسلام حتى زمن الخلافة الراشدة وانه يبدو انه اغفل ان منصب القضاء للمراة كان موجودا والغاه الجاهلون في حقب الانهيار ثانيا خانه التوصيف,حول صيرورة التاريخ الاارادية لتغيير النفوس من افكار لاتصلح لتعمير الارض هناك تراكمات فكرية عفنةفيها اقصاء للاخر تراكمت عبر التاريخ فمن سنن الله تكون هذه الاحداث كالنار التي تخرج خبث الحديدواقصد هنا حقب الاستبدادالتي وصفها بانها مقصودة من المستبدين للتغيير للافضل ولنا مثل رائع في عمر بن عبد العزيز كيف احدث التغيير واخمد الفتن بنشر العدل لا بفرض… قراءة المزيد ..
هل الدولة السلطوية ضرورة تاريخية؟ مستبد عاقل أفضل من مستبد جاهل! . ” فولتير” الفيلسوف الفرنسي ” فولتير” قد دافع بهده المقولة عن استبداد الملكة كاترينا الثانية (-1762-1796 – حكمها استمر 34 عام ) , هده الحكمة حتى اليوم هي مطلب ! كانوا ولا زالوا يدعوا إليها أبناء الوطن العربي الكبير والتعيس, مثقفين وبسطاء, مند انتهاء الدولة العثمانية 1917, أحفاد عثمان تغيروا تمشيا مع الزمن وليس خارج الزمن , أما الحكام العرب توغلوا في غابة الظلام العربي والإسلامي(http://www.orientpro.net/Untitled%2035.htm), توغلهم استمر شيا فشيا , حتى أصابهم عمى القلوب , قبل العقول والعيون(فأحفاد الإمامة في اليمن الى اليوم يفكروا بنفس العقلية الأمامية… قراءة المزيد ..