قيل الكثير عمّا يحصل في البلاد العربية. حركات التحرر تجتاح المنطقة برمّتها إذ لا مكان آمناً من غضب الشعوب المقموعة منذ زمن. قيل أكثر عن ان ما يحصل اليوم هو انتفاضة على سياسة أنظمة تستوحي حكمها وتحكّمها من “اللامنطق”، وتُنصّب نفسها وليّة على كل الناس.
هذا عربياً، ولكن، إقليمياً وتحديداً في إيران، الواقع هو نفسه، لكن هذا النظام يستطيع فرض نفسه كقوّة مؤثّرة، بعكس كل ما يحيطه من أنظمة، التي على ما يبدو تعاني من عقمٍ موصوف في بلورة سياسة تتخطى حدود الحكم، إلى مساحة أكبر تكون فيها قادرة على لعب دورٍ أساسي ونوعيّ في هذا المشرق.
بمعزلٍ عمّا حصل في تونس، على اهميّته، وما كان في مصر على دلالاته، فإن الأكثر خطورة من كل هذا، هو هذه الأنظمة المتشابهة من المحيط إلى الخليج، والتي ساهمت وتساهم على “ارتجالها السياسي” في جعل قوى مشابهة لها، ذات قدرة على تصدّر الساحة “المشرقية”، وما يحصل مع إيران خير دليل على ذلك.
ففي البحرين مثلاً (بعيداً عمّا آلت إليه الأمور بعد دخول قوات الجزيرة إليها)، هذه الدولة التي فيها من الخيرات ما يكفي دولاً، يحاول رئيس حكومتها فرض سلطته على شعبه، من خلال التضييق على الحريات العامة، والتنكيل الجسدي وغير الجسدي بفئات واسعة فيها، تُشكل أكثرية عددية، لا تستطيع عدادات التجنيس أن تتخطاها.
هذا التفكير الأرعن، هو مثال بسيط عمّا يحصل في أرجاء المنطقة. دوماً هناك أقليّة عليها أن تدفع الثمن. في غالب الأحيان تقوم الأكثريات الطائفية باستيراد مفاهيم سيئة لكيفية الحكم. النتيجة واحدة، دولة أكثريّة لهذه الأقلية تجذب الأنظار، وتدخل على خط وهن الأنظمة المترهلة، لتبني لها أينما وجدت أقليّة، فكراً متطرفاً تتحالف معه، ويعتبرها القوّة المناهضة لقمعه، مع إدراكه أنها لا تختلف مع هذا النظام بشيء.
تذهب الأقليّات عادة إلى المكان الذي يضمن لها وجودها. فالجغرافيا السياسية بالنسبة لها هي الأهم، وبالتالي تستطيع إيران أن تستفيد مما هو موجود في البحرين لتقلب المعادلة، وتستطيع أيضاً أن تلعب على وتر “فشل” استراتيجي لحاكم اليمن، فتُرسل إلى بني جلدتها من اليمن إلى المملكة العربية السعودية، رسائل صغيرة، بحجم تغيير كل ما هو قائم، لأنها بتفكيرها، هي القوّة العظمى.
وتستطيع إيران أيضاً، أن تدخل إلى العراق من أوسع الأبواب، فما كان أيّام صدام حسين هو مشابه بطريقة أو بأخرى لما هو في غالبية من بلدان الجزيرة العربية، وإن كان الأخير يميل بطبعه إلى الإجرام الجسدي وليس فقط المعنوي.
هذا يعني، أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تستطيع الوصول إلى مرحلة تستفيد من خلالها من عدوّها المزعوم، الولايات المتحدة الأميركية، فتتحالف معها ضمناً ليسقط نظام البعث في بلاد ما بين النهرين، ولتعود بعدها على أكتاف “القوى الإمبريالية” وبحجة محاربتها، فيكون لها كلمة الفصل في كل ما يتعلق بالعراق.
أمثلة بسيطة وقليلة، تعبّر عن واقع الحال، حين تتحوّل الأقليات المغلوب على أمرها إلى أدوات تُستخدم في معركة نفوذ تصل حدود العالم بأسره.
كل هذا والأنظمة العربية لم تكتشف أن كل ما عليها القيام به، لا يتعدى الإعتراف بالآخر ثقافياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً كما هو حاصل بالحد الأدنى منه في الكويت، على سبيل المثال.
عندها، أي عند خروج هذه الأنظمة من سباتها الوجودي ونظرياتها المتآمرة على نفسها وعلى شعبها، بوسع المرء وكل حكام العرب أن يناصروا الثورة الخضراء في بلاد الملالي، ويُعلنون على الملأ، أن الديكتاتوريات، لا مكان لها في شرق جديد على أيدي أبنائه.
ayman.sharrouf@gmail.com
كاتب لبناني