الفتى هو المهندس وائل غُنيم، خبير تكنولوجيا المعلومات المصري، في شركة جوجل العالمية، يعيش خارج الوطن، ولكن تعلقه بمصر، جعله مع حفنة من رفاقه، يُخططون ويُنفذون ثورة 25 يناير، التي هرع إلى تأييدها مليون مواطن في القاهرة، وعشرة ملايين في بقية مُدن ومحافظات مصر، وكانت ثورتهم هذه هي التي أجبرت الطاغية حسني مُبارك على الاستقالة والرحيل إلى شرم الشيخ.
أما الشيخ طارق البشري، فهو فقيه قانوني ومؤرخ فاضل، وينحدر من أسرة أزهرية، وأسند إليه المجلس العسكري الأعلى رئاسة لجنة لتعديل الدستور، وتنقيته من مواده المعيبة، التي أرادت أسرة مُبارك، أن تظل السُلطة مُتوارثة من الأب إلى أحد أبنائه.
ولكن الشيخ الذي قام برئاسة لجنة تعديل الدستور، بعد أعظم ثورات مصر، في العصر الحديث، وضع نصاً في أحد هذه المواد المعيبة، يُحرم وائل وملايين من أمثاله للترشح لرئاسة الجمهورية. فقد اشترط التعديل ألا يكون المُرشح قد عاش في الخارج، أو تزوج من أجنبية، أو كان أحد والديه غير مصريين، فوائل غُنيم تزوج من زميلة أجنبية أثناء دراسته العُليا وعمله في الخارج.
ومأساوية هذه المُفارقة، هي أن وائل يصغر طارق بحوالي خمسين عاماً ـ أي أنه في عُمر أحفاده. وأن الشيخ طارق هو من جيل كان ثائراً، تنقل في شبابه بين التيار الماركسي، إلى التيار القومي العروبي، ثم في أواسط ونهايات العُمر إلى التيار الإسلامي. ورغم كل هذه النقلات الأيديولوجية، لم يفلح جيل الدكتور طارق البشري في تفجير الثورة التي ظلوا يحلمون بها، طوال نصف قرن.
وحينما حقق جيل الأحفاد حلم الثورة، فها هو جيل الشيوخ، ينقضّ عليها، ويُحاول من خلال الدستور أن يُحرمهم من أغلى ثمراتها، ألا وهي الحق الأصيل في الترشح لمنصب رئاسي جليل.
إن هناك ستة ملايين مصري يعيشون خارج مصر، ولكنهم مصريون بالوجدان وبالقانون. فحبهم لمصر لا يقل عن ذاك الذي يحمله المستشار طارق البشري. والقانون يُعطيهم الحق في ازدواج الجنسية ـ أي الاحتفاظ بجنسيتهم المصرية الأصلية، مع أي جنسية أخرى، قد يكتسبونها، بسبب إقامتهم للعمل أو الدراسة في الخارج. وليست مصر في ذلك استثناءاً بين دول العالم. فمعظم هذه الدول تسمح بازدواج الجنسية، والتمتع بكل حقوق المواطنة في البلدين، بما في ذلك حق الانتخاب، وحق الترشح.
هذا فضلاً عن أن الملايين الستة من المصريين يُساهمون في الاقتصاد القومي بأكثر من خمسة مليارات دولار سنوياً ـ أي بما يوازي دخل مصر من قناة السويس والسياحة دون أن يُكلفوا الخزانة المصرية أي أعباء خدماتية ـ مثل التعليم والصحة، والمرافق، ودعم السلع التموينية.
فكيف والحال كذلك، يُحرِم جيل الشيوخ، الذي يُمثله المستشار طارق البشري، جيل الشباب الذين يُمثلهم المهندس وائل غُنيم، من المُشاركة الكاملة انتخاباً وترشحاً، لصياغة مستقبل مصر في القرن الحادي والعشرين؟ وكيف والعالم كله ـ من الصين شرقاً إلى الأرجنتين غرباً، يحتفي بثورة اللوتس الشبابية المصرية، والتي ألهمت هي وثورة الياسمين التونسية، شعوباً عربية أخرى للانتفاض من أجل الحُرية والديمقراطية، في البحرين والأردن واليمن وليبيا والجزائر والمغرب، يُعطي شيوخ مصر وفقهائها الدستوريين هذا المثال من الجحود ونُكران الجميل، لأحفاد من شباب مصر؟
إن هذا الأمر لا يختلف كثيراً عما تعلمناه في أسطورة “جزاء سيمنار”. فبعد أن شيّد المهندس سيمنار قصراً ملكياً يُخلب الألباب، كافأه صاحب القصر بإلقائه من أعلى أبراج القصر، حتى لا يُشيّد قصراً مثيلاً، لأي مخلوق غيره!
ولولا أني أعرف المستشار طارق البشري، شخصياً، وكم هو إلى جانب علمه، وديع ودمث الخُلق، لكنت قد استخدمت لُغة أشد قسوة، كما طلب مني المصريون في الخارج ـ من أستراليا، وأوروبا، والأمريكتين، وكان بعضهم غاضباً، للدرجة التي أصروا بها على إرسال مبعوثين منهم إلى مصر للالتقاء بالدكتور طارق البشري، ومسئولين آخرين، لتسجيل احتجاجاتهم على هذا الحرمان من حقوق أساسية، تُقرّها كل المواثيق العالمية، فضلاً عن دساتير بُلدان عربية مُجاورة، مثل السودان والعراق والكويت ولبنان، ولا نقول البُلدان الغربية.
لقد كتبت، في هذا المكان منذ أسبوعين، أُحذر من إجهاض ثورة اللوتس الشبابية، التي أبهرت العالم، بتنظيمها وسلميتها وصمودها في وجه محاولات الترهيب والتخويف والالتفاف، من جانب فلول النظام المُباركي. ولم يخطر ببالي وقتها أن الطعنة، ستوجّه إلى الشباب، من شيوخ مثل د. طارق البشري.
إن تعديل الدستور بالشكل الذي قرأنا عنه في وسائل الإعلام، هو في جانب منه انعكاس لنفسية قديمة، غرستها الأنظمة الاستبدادية ـ الشمولية، التي اعتمدت على إشاعة الخوف والهلع في الداخل، من مخاطر حقيقية أو وهمية، مصدرها “الخارج”. وبينما كان ذلك ينطوي على شيء من الحقيقة في حقبة النضال ضد “الاستعمار”، قبل نصف قرن أو يزيد، فقد استعذب حُكامنا الطُغاة هذه المُمارسة، فظلوا يوهمون شعوبهم، من “الاستعمار الجديد”، أو من “أعوان الاستعمار” في الداخل. فكان كل من يُعارض أو ينتقد المُمارسات الاستبدادية لهؤلاء الطُغاة، سرعان ما يُتهم بأنه من أعوان هذا الاستعمار.
وتغير الخطر الخارجي هذا من الاستعمار القديم ـ البريطاني حيناً، إلى الفرنسي حيناً آخر، إلى السوفييتي حيناً ثالثاً، إلى الإسرائيلي حيناً رابعاً، إلى الشيعي الإيراني حيناً خامساً، إلى النفطي السعودي حيناً سادساً. ولا بد أننا عما قريب سنسمع عن الخطر “الصيني ـ الأصفر”، والخطر “الهندي ـ الأسمر”. وهلم جرا.
وإني لأربأ بالمستشار طارق البشري وإخوانه في لجنة تعديل الدستور، أن يكونوا قد وقعوا، بوعي أو لا وعي، فريسة لهذه المشاعر المرضية البالية، فجعلتهم يضعون نصوصاً تُحرم ستة مليون مصري، يعيشون، يدرسون أو يعملون، بالخارج من أي من حقوق المواطنة الكاملة. لقد أصبح العالم قرية كونية، لا يتحد ولاء الإنسان “بالجغرافيا” وحدها (أي أين يعش الإنسان)، ولكن أيضاً بالاختيار، والإرادة الحُرة، والرغبة في المُشاركة في بناء الأوطان.
وعلى الله قصد السبيل
semibrahim@gmail.com
الفتى وائل غُنيم والشيخ طارق البشري والثورة والدستور!
بهدوء، الاستاذ إبراهيم معه حق ، والنغمة القديمة من الغرب فوبيا يجب إزالتها.لو كان الامر في لبنان، لرفضت مثل هذا الدستور.أتضامن مع الاستاذ الكبير وائل غنيم ، وأتمنى أن يلحق تعديل بالدستور يصحح هذه الفقرة التي تعود لبدايات زمن نغادره وكان المقدمة لزمن الضياع.كما أقول أنني شعرت بالاسف عندما شاهدت الحجارة تنهال من “بلطجية على الاستاذ البرادعي.
هؤلاء الشباب و الاساتذة كان لهم فضل السبق ونتمنى تصحيح أو الحاق تعديل بالدستور. مع تحيات الكثيرين للاستاذ غنيم.
الفتى وائل غُنيم والشيخ طارق البشري والثورة والدستور! الشيخ طارق البشرى لم يحسم أمر الفتى وائل غنيم، بل كل ما فعله هو أنه اقترح بعض التعديلات بناء على مخاوف المصريين مما عانوا منه فى عصر مبارك. ثم توقف دور الشيخ عند هذا الحد، تاركا الفتيان من أمثال الفتى وائل غنيم، وكذلك الشيوخ من أمثال الشيخ سعد الدين إبراهيم، والرجال والنساء أن يقرروا بأنفسهم ودون أى إكراه من جانبهم هل يوافقون على هذا الذى اقترحه أو لا. هذا كل ما هنالك. فإذا لم يوافق الشعب على ما اقترحه الشيخ فأهلا وسهلا، وإذا وافق فأهلا وسهلا أيضا، ويا دار ما دخلك شر,… قراءة المزيد ..