بقلم : محمد شريف – جنيف-
في الوقت الذي خلفت احتجاجات “يوم الغضب” في ليبيا عشرات القتلى، تحدثت منظمات معارضة عن استيلاء المحتجين المدعمين من قبل الأهالي على مدينة البيضاء وعن استخدام السلطة في مدينتي البيضاء وبنغازي شرق البلاد لـ “ميليشيات تضم في صفوفها أفارقة وبنغاليين”.
وفي حديث أجرته swissinfo.ch مع السيد خالد صالح، الأمين العام لمنظمة التضامن لحقوق الإنسان غير الحكومية التي تتخذ من جنيف مقرا لها، تم التطرق إلى الأحداث الجارية في هذا البلد العربي الذي تربع العقيد القذافي على عرشه منذ أكثر من 42 عاما.
swissinfo: تعرف ليبيا منذ أسابيع عمليات احتجاج تحولت الى مطالبة بإسقاط النظام. هل بالإمكان إعطاؤنا نظرة عن حجم هذه الاحتجاجات وآخر التطورات فيها؟
خالد صالح: في الواقع، المدن التي اشتعلت فيها الإحتجاجات لا زالت مشتعلة ولا زالت تعرف مظاهرات. أشدها البيضاء وبنغازي والزنتان وشحات والمرج وطبرق ودرنة وجدابيا والزاوية. وهذه المدن تمثل عدة مناطق في ليبيا شرقا ووسطا وغربا.
وما هي الفئات التي شاركت أو دعت إلى تنظيم هذه الاحتجاجات في نظركم؟
خالد صالح: التظاهرات كانت بمبادرة من الشباب نظرا للتواصل القائم بينهم عبر وسائل الإتصال الحديثة. والمناسبة كانت لإحياء ذكرى شهداء 17 فبراير 2006. وقد اندلعت حتى قبل الموعد نظرا لأن الناس قد ضاقت صبرا منذ 40 سنة.
وفي بنغازي، اندلعت الاحتجاجات بعد اعتقال عدد من أهالي معتقلي سجن ابو سليم الذين نادوا لمساندة أهل بنغازي لهم في مطالبتهم بحقوقهم لمعرفة مصير أبنائهم. وهو ما دفع للتظاهر أمام مديرية الأمن إلى أن تم الإفراج عنهم في نهاية يوم 15 فبراير.
لكن في مظاهرات 17 فبراير التي خرج فيها الشباب للتظاهر، انظم الأهالي للمتظاهرين بعد تعامل الأجهزة الأمنية بعنف. وما زاد الطين بلة، وجود ميليشيات غير ليبية، آسيوية وإفريقية، مستأجرين ومجهزين بأسلحة فتاكة وأسلحة بيضاء. وهذا ما جعل كل الفئات تشارك في مظاهرات بنغازي بما في ذلك النساء اللواتي كان بروزهن واضحا.
تتحدثون عن مشاركة ميليشيات أجنبية. هل هي المرة الأولى التي تشارك فيها هذه الميليشيات في عمليات القمع وما طبيعتها؟
خالد صالح: هذه أول مرة تظهر فيها هذه الميليشيات. فقد وصلتنا أخبار من مدينة البيضاء مفادها أنه عندما تمت محاصرة الشباب المتظاهر وضربه من قبل قوات الأمن، إتفق شيوخ القبائل على أن من يقتل أحدا من أبناء المدينة سوف يُبعد ولن يعيش فيها مجددا. وما دام أفراد الشرطة من نفس القبائل رفضوا الإنصياع لأوامر الإستمرار في عمليات القتل الأمر الذي سمح للمتظاهرين بالإستيلاء على المدينة.
لكن طائرتين من طراز “ليوشين” تحمل كتائب خميس القذافي (نجل العقيد معمر القذافي) وصلت الى مطار البيضاء. وكنا قد حذرنا من ذلك بعد علمنا بإمكانية استخدامهم، خصوصا وأننا نعرف بان هناك حوالي 30 ألف مرتزق مستأجر يتكفلون بهم لمثل هذه الساعة. وهذا ما حدث بالفعل بحيث بمجرد وصولهم شرعوا في إطلاق النيران على الجميع متظاهرين ونساء وأطفال وهناك قتلى من بين الأطفال لدينا أسماؤهم. وحتى قوات الأمن عندما اتضح لها أنها ميليشيات أجنبية، تخلت عن تطبيق الأوامر بل التحقت بالأهالي ووقعت لها مواجهات مع هذه الميليشيات التي كان أفرادها يتكلمون اللغة الفرنسية.
وقد قُتل 5 من افراد هذه الميليشيات وتم أسر ثلاثة منهم، تعرض أحدهم للشنق أمام مستشفى البيضاء الذي كانت به حتى منتصف يوم الجمعة (18 فبراير 2011) جثث 23 من ضحايا الانتفاضة الذين تم دفنهم بعد الظهر في جنازة شارك فيها حوالي 7 آلاف من سكان البيضاء الذين كانوا مسلحين.
وبعد محاولات النظام تزويد الميليشيات بالإمدادات جوا، احتل الأهالي بمساعدة رجال الشرطة مطار الأزرق الذي كانت تنزل فيه الطائرات ووضعوا عراقيل لمنع استخدامه لحد منتصف يوم الجمعة.
وكيف هو الوضع في بنغازي؟
خالد صالح: الوضع في بنغازي يتميز بتجمع حوالي 12 الف متظاهر منذ ليلة الخميس (17 فبراير) أمام محكمة بني غازي الرئيسية، على أن يلتحق بهم الكثيرون بعد صلاة الجمعة التي ستقام أمام المحكمة. وحتى في بني غازي تم اعتقال أفراد من ميليشيات ترتدي قبعات حمراء وهم من الحرس الثوري غير الليبيين. بعضهم لهم أجسام عالية وآخرون كانوا يستنجدون من رفقائهم بلغة غريبة ( بنغالية). وقد تم تسجيل 24 ضحية في بني غازي حتى منتصف نهار الجمعة. وتعرف مدينة بنغازي غليانا كبيرا خصوصا بعد معرفة الأهالي أن هناك مرتزقة مؤجرين لقتل المتظاهرين العزل الذين كانوا يتظاهرون بطريقة سلمية.
لكن هل كان للتيارات الدينية أو لتيارات سياسية (إن صح استخدام هذا التعبير) دور في الدعوة الى هذه الانتفاضة ضد النظام، وما هي المطالب؟
خالد صالح: في الحقيقة ليست هناك تيارات أو منظمات لأن تواجد القذافي (منذ 42 عاما) أنهى تواجد أية أحزاب سياسية او منظمات ومكونات للمجتمع المدني، ولكن ما تم في تونس ومصر هو الذي أعاد الروح الى هؤلاء الشباب وأعاد لهم الثقة في النفس بأن عملية التغيير ممكنة وأن هذه الأنظمة ما هي إلا نمور من ورق. وهذا هو الشعور الذي كان يتحلى به الشباب المتظاهر الذي كان يشعر بنفس الشعور الذي انتاب الأشقاء في تونس ومصر وباقي البلدان الملتهبة. وهم اليوم ينظمون أنفسهم تدريجيا بطريقة عفوية، بحيث هناك لجان تغذية ولجان علاج في البيضاء وبني غازي وحتى متحدثين باسمهم. وقد أدى تدخل المرتزقة الى تأجيج إحساس الناس بأن هناك حربا بين الشعب الليبي وعائلة القذافي المدعمة بالمرتزقة. وما علمناه من أحد المرتزقة الذي تم إلقاء القبض عليه هو ان السعدي القذافي (نجل العقيد القذافي) وعد كل واحد من هؤلاء المرتزقة بحوالي 12 الف دولار عن كل قتيل ليبي. وقد تم نشر ذلك على شبكة الإنترنت وسيتم توثيق ذلك بتسجيل فيديو قريبا حالما تتاح الفرصة لأن شبكة الإنترنت متوقفة في بعض المناطق.
هناك حديث عن تولي السعدي القذافي قيادة مدينة بنغازي. كيف ترون رد فعل أهل بنغازي على ذلك؟
خالد صالح: هناك إستياء كبير في المدينة من تواجد السعدي، لأن مدينة بنغازي تكرهه بشدة لأنه كان السبب في هدم أكبر وأقدم نادي في المدينة وهو نادي الأهلي. وأكبر خطأ يرتكبه لو يستقر بالمدينة.
تحدثت عن موقف الشرطة، ما الذي يمكن توقعه من الجيش خصوصا وأن وكالات الأنباء تحدثت يوم الجمعة عن نشر قوات من الجيش في بنغازي؟
خالد صالح: ليس هناك جيش في ليبيا ولم يعد هناك جيش بمفهوم القوات النظامية، لأن القذافي كان قد طلب من قياداته قبل أشهر، ولاءا لأبنائه وبالأخص لخميس القذافي ومعتصم القذافي. وقد طالت عملية اعتقالات قبل ثلاثة أسابيع عددا من القيادات وخاصة العقداء الذين كانوا على استعداد للخروج الى جانب الشعب في المظاهرات. وقد أصدرنا وغيرنا من المنظمات بيانات بأسمائهم. والغريب هو أن خميس القذافي كان قبل أربعة ايام في الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما يجعلنا نشك في الحصول على ضوء أخضر لقمع هذه المظاهرات بهذا الشكل.
على ذكر الولايات المتحدة، ما تفسيرك لصمت العواصم الدولية عموما والغربية منها بالخصوص عن التعقيب على ما تم ويحدث في ليبيا؟
خالد صالح: تحليلي الشخصي أن الدول الغربية لم تكن تتوقع أن تكون هناك انتفاضة شعبية في ليبيا نتيجة للقبضة الحديدية التي يتحكم بها النظام الليبي في الشعب ونتيجة غياب مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية. ولكن نحملهم مسئولية حماية المواطنين ومسئولية الضغط على النظام لوقف هذه المجازر المرتكبة في حق الشعب الذي خرج للتظاهر بطريقة سلمية.
عـوّدنا سيف الإسلام القذافي على الخروج في مثل هذه الظروف على أنه الوجه المعتدل للنظام، فهل سمعتم شيئا منه أثناء هذه الأحداث؟
خالد صالح: لم يخرج لنا اي تصريح لا من سيف الإسلام ولا من القذافي نفسه عن اي تنازل. فسيف الإسلام لا ندري اين هو، ولكنه عودنا على الإختفاء في اللحظات الحرجة (إضافة: معلومات “الشفاف” أنه في طرابلس الآن). ولم تعد الشعارات التي يطلقها سيف الإسلام ، أو تلك التي يطلقها النظام منذ أيام، في محاولة لكبح جماح الناس، من تعهدات بالإصلاح وبتغيير الحكومة وزيادة المرتبات ودعم السلع التموينية وإعطاء قروض بدون فوائد، هذا كله لم يعد يجدي في شيء حتى لدى شيوخ القبائل. فشيوخ القبائل عندما أراد مبعوث القذافي تحميلهم مسؤولية خروج أبنائهم للتظاهر، ردوا عليه “أمسك أبناءك وبعدين نتكلم عن أبنائنا”.
على ضوء هذه التطورات المتسارعة، ما هو سقف المطالب اليوم؟
خالد صالح: المطالب أصبحت اليوم تتمثل في إزاحة نظام العقيد، أو إسقاط النظام باختصار. وبدأنا حتى نسمع من أنصار النظام ومن اللجان الثورية تقول أن لا بأس من إسقاط النظام اليوم. فواضح أن النظام في وضع حرج وأن بعض التقارير تؤكد بأن حوالي 50% من الدولة غير مسيطر عليه. فالمطالب غير محددة بالضبط لحد الآن ولم يتم الإتفاق بشأنها من قبل المتظاهرين في مختلف المدن ولكن الشيء المتفق عليه هو تنحي العقيد القذافي، وتولي الشعب تسيير نفسه وفقا للمنظومة الديمقراطية. وهذا ما رددته الشعارات وما ردده القضاة أمس (الخميس 17 فبراير) الذين طالبوا بدستور للدولة.
كمنظمة حقوقية ليبية تنشط انطلاقا من سويسرا، ما الذي تنوون القيام به سواء فيما يتعلق بتجميد أموال شخصيات ليبية أو فيما يتعلق بتوثيق الإنتهاكات وتقديمها للمحافل الأممية المعنية برصد انتهاكات حقوق الإنسان؟
خالد صالح: إذا كانت أموال تونس أو مصر الفقيرتين قد فاقت السبعين مليار، فما بالك بليبيا التي ثرواتها لا يدري أحد كم الميزانية وكيف تنفق هذه الميزانية. خصوصا وان ليبيا تأتي في مؤخرة قائمة الدول من حيث ترتيب تعاطي الرشوة وان بها أكثر من 30 من نسبة البطالة.
فلدينا قناعة بأن هناك أموالا مودعة في الخارج ونحن اليوم بصدد التحضير لرصدها والقيام بالخطوات الضرورية لفرض حجز عليها. ولنا قناعة في أن القائمة التي أصدرتها سويسرا (أثناء أزمة العلاقات السويسرية الليبية بسبب قضية هانيبال القذافي) فيها ما يكفي من الأسماء.
ونحن الآن بصدد إعداد ملفات عن الشخصيات التي تـُصـدر الأوامر اليوم بقتل الناس أو باستعمال العنف ضد المتظاهرين المسالمين وهذا بغرض ملاحقتهم قضائيا. وفي الوقت الحاضر، نقوم بتزويد مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان يوميا بما يصلنا من معلومات موثقة.
ختاما، كيف تنظر لمستقبل ولتطورات هذه الانتفاضة في ليبيا ؟
خالد صالح: أعتقد أن عوامل النصر في هذه الانتفاضة كبيرة، لأننا عانينا من أكثر من 42 سنة من الظلم ومن انتهاكات حقوق المواطنين. وأكثر من 42 سنة من الغياب الكامل للدستور ولسيطرة القذافي سيطرة كاملة على السلطة وإنفاق الأموال شرقا وغربا فيما لا طائل من ورائه في الوقت الذي يعاني فيه الناس من الفقر ومن المرض في الوقت الذي تقف فيه ليبيا على بحيرة من النفط.. لذلك أعتقد أن الوضع سوف لن يسوء أكثر مما هو عليه، وبفضل ثورتي تونس ومصر لنا أمل في أن تثور باقي المدن الليبية الأخرى بنفس المثل الحضارية… خصوصا وأن النظام لم يتردد حتى في استخدام ميليشيات أجنبية ضد أبنائه وهو ما لم نشاهده حتى من قبل الأنظمة الفاشية.
محمد شريف – جنيف-