الزمان ثلاث ساعات من ظهيرة يوم الخميس 17 شباط/فبراير 2011 ، والمكان إن سألت عنه فهو في جوار بقعة دمشقية مباركة يرقد على جنباتها بعض أكرم الخلق وأطهرهم. فإن قصدت الأنبياء فمنهم يحيى عليه السلام (يوحنا المعمدان)، وإن أردت كراماً فهو صلاح الدين، وإن أردت أبراراً أطهاراً فهم بعضٌ من آل بيت النبوة الكرام، وإن كنت ممن يحب الصالحين ففيها مقام سِيدي عامود. وإن أردت الكل معاً أصلاً وفصلاً وفخراً فهنا كان التاريخ منذ آلاف السنين وشهودنا أحياء، من أنبياء كرام إلى رجالات عظام إلى مباني ومقابر وآثار وأسواق ومساجد وكنائس وأحياء.
في حي دمشقي عريق اسمه سيدي عامود، كان ماعُرف بحريق دمشق، يوم قصف الفرنسييون الغزاة بأحقادهم ومدفعيتهم شباب الحارة الدمشقية المدافعيين عن كرامتهم ووطنهم، فكان حريقاً كبيراً عام 1925 التهم المنطقة بأكملها، وغطّى الحدث بآثاره على الاسم الأصلي فأصبح الحريقة.
وعليه، فإذا كانت شرارة الانتفاضة التونسية على النظام المستبد فيها انطلقت من سيدي بوزيد بسبب صفعة لعينة من يد شرطية أهانت بها كرامة محمد بوعزيزي صاحب عربة الخضار، وانتهت بعد أيام بأن أشعل النار في نفسه، فاشتعلت من نيرانه نيرانها ورَحَل رئيسها، فإنه من سيدي عامود انطلقت شرارة الغضب السوري عندما دخل شاب بسيارته في السوق لم ير فيه شرطي المرور ممن هو في خدمة الشعب إلا حيواناً رغم أنه من الشعب، فقال له بأدبه الجمّ: امش ياحمار، ورغم أن الشاب ردّ عليه بنفس لغته المهذبة، مما أغضبه فضربه بعصا المرور التي يحملها، مما دفع بالشاب إلى الترجل من سيارته لرد الإهانة للشرطي، غير أن تدخل اثنين من عناصر الشرطة المتواجدين في المكان ومشاركتهما في ضرب الشاب حتى إدمائه بشكل وحشي مهين أشد بشاعة مما فعلته الشرطية التونسية. استغاثة الشاب المدمى عماد نَسَب وهو ابن أحد أصحاب المحلات التجارية في المنطقة بمن حوله وصراخه، ورؤية المواطنين حاله واستغاثته، أدى إلى تجمع المارة والمتسوقين وتجار الحريقة الذين أغلقوا جميعاً محلاتهم ليغدو الأمر تظاهرة عفوية قدّر عددها بأربعة آلاف، ونداؤها: الشعب السوري مابينذل، مخاطبين الشرطة العتاولة: اتركوه، اتركوووه. حضور وزير الداخلية بنفسه ولأول مرة لمثل هذا الأمر، وتدخله ووعده بمحاسبة الشرطة وأخذه الشاب العشريني معه، أنهى المسألة فيما يظن. ولكن هل انتهت المسألة بما فعله وزير الداخلية السوري..!؟ في بعض الجواب نذكّر بما فعله الرئيس التونسي السابق بن علي حينما زار بشخصه ومقامه الشاب بوعزيزي في مستشفاه قبيل وفاته، ووعدَه بما وعده معتقداً أن ابن سيدي بوزيد قد انتهت مشكلته، لنسأل أيضاً: ياتُرى هل خطر ببال الرئيس الراحل وهو من اعتاد قمع مواطنيه وقهرهم بأن مثل هذا الشاب البائس الفقير ممن لايعرفه أحد ولا يُرى عليه أثر معارضة قد أشعل ملكه، وأضرم النار تحت أعمدة حكمه..!؟ بالتأكيد، لم يخطر بباله البتة، لأن يقينه أن ليس لابن سيدي بوزيد أن يهز شعرةً في مفرق رأسه. وإنما لو أنه استدرك من أمره مافات، ورجع إلى سلطانه الزائل، لبادر قبل زيارته بفعل مافعله الناس من بعد هربه بإطلاق الحريات ومساعدة الفقراء والعمل لحل مشاكلهم وملاحقة لصوص الوطن والحجز عليهم، إذاً لكان مصيره غير هذا المصير، ولكن من بعد إيييه، وقد حكمَ فظلمَ فهرب، وقد أصبح في عالم غير عالمنا وقد فات الأوان..!!
وعليه، فإننا بصراً وبصيرةً لانعتقد أن مافعله الوزير السوري قد أنهى مظلومية ابن سيدي عامود، لأن المسألة أعظم من أن تكون ظلامة فردٍ، وأكبر من مكانٍ اسمه الحريقة، ولمن أراد تلافي تأخر فهم الأمور عليه، وتدارك مصير بئيس ماضٍ إليه من غير اعتبار أو عظة، فهم ملايين في دوّامة الظلم والامتهان والتجويع على امتداد الوطن.
إننا نعيد النصح، لمن أراد أن يتدبر مصيره ويتعقل أمره، بأن حالنا أدهى وأمر من الحال التونسي والمصري، وقد رأينا من فضائح فسادهم وقبائح استبدادهم مارأينا، وقد زاد في كريه روائحهم ماانكشف أكثر وأكثر من بعد الرحيل لمن رحل والتنحي لمن اعتزل. حزب حاكم ومجالس شعب تحلّ، تماثيل تُحطّم، وصور في الشوارع والميادين تمزّق، وبالأحذية تضرب، مليارات من اليورو والدولارات والعقارات والشركات للعائلة والقرابات والشخصيات النافذة داخل البلاد وخارجها تُحجز، إطلاق سراح آلاف المعتقلين من سجناء الرأي والفكر من المعتقلات وعودة الناس من منافيهم القسرية والطوعية، وغير ذلك ملاحقات وملاحقات، أولها شرشحة وآخرها بهدلات.
ومن ثمّ، فالاعتقاد بمشروع وطني قومي مقاوم ممانع لازمته الفساد والاستبداد، أنه يمنع الانتفاضة الشعبية ويرجئ غضب الجماهير، لم يعد ينطلي علينا، وشاهدنا مستشارة الرئاسة السورية السيدة بثينة شعبان: هي أن الشعب العربي (السورييون طبعاً عرب) لا ينسى ولا يُهمل، وها هو يُبرهن أنه قد تجاوز حكامه، وحاله يقول: لقد أمهلناهم طويلاً ولم يعد ينطلي علينا أي تصرّف يفرِّط بحقوقنا (الشرق الأوسط 31 يناير 2011 ).
إن الجماهير مع المشروع الخالي من القمع والإرهاب والتجويع والقهر، والقائم على إصلاح ديمقراطي دستوري حقيقي تُطلَق فيه الحريات، ويُوقَف به العمل بقانون طوارئ مضى على إعلانه والعمل به قرابة خمسين عاماً، ويُفك به سراح معتقلي الرأي والفكر والمدافعين عن حقوق الإنسان، وتوقَف به الملاحقات والمطاردات والإعدامات للمعارضين في الداخل السوري وخارجه، ويُعمل على ضمان حياة حرة كريمة للمواطنين جميعاً، والمحافظة على ثرواتهم وخيرات بلادهم وفي مقدمة ذلك إيقاف النهب ومحاسبة اللصوص والفاسدين.
في بلدٍ فيه مما لا شبه له في بلدٍ من العالمين، حزب البعث فيه هو القائد في الدولة والأمة والمجتمع بنص الدستور، وأقبح معتقلاته ومراكز مخابراته يسمّى باسم فلسطين، مضى على شعبه ومعتّريه قرابة نصف قرن يعيشونها في طاحونة القهر والنهب والاستبداد. في هذا البلد شرارة الانتفاضة من الحريقة انطلقت، وعلى بركة الله تريد الخروج من أسر الفساد والقمع تحركت، روائحها ياسمين شامنا وجوريّ حلبنا، سلامها سنابل قمح جزيرتنا وحوراننا، رسوخها صلابة الزيتون في ساحلنا وشمالنا، ونخوتها من أبي الفداء وابن الوليد راياتنا، وحداؤها الشعب السوري مابينذل نشيدنا.
سنة التاريخ التغيير، اعدلوها وأصلحوا قبل تنحّيكم أو تنحيتكم أو رحيلكم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبكم الجماهير، وتظهر الفضائح، وما أمر بن علي وأم الدنيا عنكم ببعيد، فهل من مدّكر.
cbc@hotmailme.com
* كاتب سوري
من سِيدي عامود سورية إلى سِيدي بوزيد تونس، وصَلنا نداؤكم
Certainly, you are confirming the essential factors of the Human beings. If these regimes could not listen to logic and reason for the last three decades, they will not do now, while time getting shorter to the happy endings of the Arab Nations, one after the other. Those regimes that were riding high, will not yield down as easy as you mentioned in your super value Article. they have to face the Music, it is too late.