في السابع والعشرين من شهر يوليو من العام الماضى قرأت حواراً في جريدة «الشروق» مع رئيس بعثة حكومة جنوب السودان في واشنطن اسمه “إيزيكول لول جاتكوث”، والحوار مستقبلي النكهة، إذ دار حول تحديد مسار جنوب السودان بعد الاستفتاء في التاسع من شهر يناير، وأنا هنا أوجز هذا الحوار في ثلاث رؤى هي على النحو الآتي:
■ الرؤية الأولى، أن التصويت سيكون لصالح الانفصال عن شمال السودان.
■ الرؤية الثانية، أن الدولة ستكون ديمقراطية علمانية خالية من سيطرة أي دين، ومن ثم ستكون على الضد من دولة الشمال المحكومة بالشريعة.
■ الرؤية الثالثة، أن الدولة ستقيم علاقة مع «إسرائيل» والسؤال بعد ذلك:
– ما النتائج المترتبة على هذه الرؤى الثلاث؟
تناقض حاد بين علمانية الجنوب وأصولية الشمال، لأن العلماني يفكر في النسبي بما هو نسبي، وليس بما هو مطلق، أما الأصولي فإنه يفكر فى النسبي بما هو مطلق، وليس بما هو نسبي، وأظن أن هذا التناقض الحاد لن ينفع فيه البحث عن وسيط، لأنه لن يكون محصوراً بين شمال السودان وجنوبه، بل سيمتد شمالاً في اتجاه الدول العربية والدول المجاورة. وعندئذ لن يكون شمال السودان وحيداً من حيث هو أحد طرفي التناقض، بل ستنضم إليه ثلاث جهات وهي إيران وغزة وجنوب لبنان. ويبقى بعد ذلك أن تجد الجهات الأخرى مسارها فتكون إما أصولية وإما علمانية، ولا وسط.
وقد فطنتُ إلى هذا التناقض الحاد مرتين:
المرة الأولى، عندما اقترحت على اللجنة التنفيذية للاتحاد الفلسفي للجمعيات الفلسفية أن أقوم بتنظيم ندوة عنوانها «الأصولية والعلمانية في الشرق الأوسط المعاصر» في المؤتمر العالمي الفلسفي المزمع عقده في أغسطس ١٩٨٨. وقد تمت الموافقة على عقدها مع تخصيص قاعة لها، وذهبت إلى هذه القاعة قبل موعد انعقاد الندوة بعشر دقائق فوجدت جمهوراً من المشاركين في انتظار فتح القاعة، فاندهشت لأن القاعات الأخرى المجاورة لها كانت مفتوحة. وعندئذ تساءلت، فكان الجواب أن هذه القاعة ستفتح بمعرفة الأمن في الموعد المحدد. وعندئذ تساءلت أيضاً: هل ثمة علاقة بين الأصولية والأمن؟ أو بالأدق، هل ثمة علاقة بين الأصولية والقتل؟
والغريب في أمر هذه الندوة أيضاً أنها تزامنت مع قرار أصدرته الأكاديمية الأمريكية للآداب والعلوم بمنح جامعة شيكاغو مليوني ونصف المليون
دولار لدراسة الأصوليات الدينية في القرن العشرين على أن تصدر هذه الدراسة في خمسة مجلدات فى خمس سنوات بمعدل مجلد كل عام، وقد كان.
هذا عن المرة الأولى فماذا عن المرة الثانية؟
حدثت المرة الثانية عندما شاركت في «حوار لويزيانا بكوبنهاجن بالدنمارك مع مثقفين مصريين وفلسطينيين وأردنيين وإسرائيليين وأوروبيين لتكوين تحالف دولي من أجل السلام العربي الإسرائيلي، عُرف إعلامياً باسم «إعلان كوبنهاجن» (٣٠ يناير ١٩٩٧). وكنت وقتها صامتاً أثناء مناقشة مسودة البيان، ثم تكلمت بعد اعتماد البيان في صورته النهائية، وجاءت كلمتي على النحو الآتي:
«إن الشرق الأوسط محكوم بأصوليات ثلاث: يهودية ومسيحية وإسلامية، وكل منها يتوهم امتلاك الحقيقة المطلقة، وحيث إن الحقيقة المطلقة واحدة، فالصدام بين المطلقات أمر حتمي. فإذا أردنا إقامة السلام كان علينا تأسيس تيار علماني»، والمفارقة هنا أنه بعد إبداء هذه الملحوظة، هاجمني اثنان من أعضاء الوفود الخمسة، أحدهما من حماس والآخر من الليكود، على الرغم من عداوة كل منهما للآخر، بل نفي كل منهما للآخر، وطالبا معاً بإعادة النظر في البيان، من أجل بث مزيد من الجرعة الدينية.
والآن، أظن أنه بعد تأسيس دولة ديمقراطية علمانية في جنوب السودان، مع الانفتاح على إسرائيل، فإن التناقض الرئيسي في الشرق الأوسط لن يكون التطبيع مع إسرائيل، أو عدم التطبيع معها، أو الاعتراف بوجودها أو بعدم وجودها، إنما سيكون بين الأصولية والعلمانية. الأمر الذي يلزمنا بالتعامل مع إسرائيل في إطار هذه الرؤية، وليس في إطار غيرها من الرؤى، مع ملاحظة أن إسرائيل دولة علمانية تدلل الأصولية دون أن تكون محكومة بها.
وضعٌ قادمٌ على الشرق الأوسط انا الذي نظر الاعمى الى ادبي — anaadabi@ymail.com للانسان مطلق الحرية ان يعتقد ويقول ما يشاء ويتحمل تبعة ذلك لكن ان يختم الكاتب مقالته بالعبارة غير الصحيحة فهذا اجحاف اولا بحق نفسه لانه سار في غير اتجاه الحقيقة التي لا مراء فيها وتعلن يوميا ثم بحق القراء الافاضل. العبارة هي: ان اسرائيل دولة علمانية تدلل الاصوليةدون ان تكون محكومة بها… عجبت ايما عجب للكاتب هل تناسى او لم يسمع بيهودية الدولة المحتلة لارض فلسطين العربية؟! عجبت ايما تعجب من جرءة كاتب المقال ان لا يشير الى يهودية الكيان الاسرائيلي على الاقل والصهيوني على الحقيقة والغاصب… قراءة المزيد ..