التصعيد الإيراني- السوري في ربع الساعة الأخيرة قبل صدور القرار الظني يعني أن دمشق وطهران والحزب الإيراني اتخذوا قراراً بوضع اليد على لبنان، حتى لو تطلّب الأمر صداماً بين الحزب الإيراني والأحزاب السورية الولاء من جهة والجيش اللبناني من جهة أخرى.
ومعلومات “المركزية” يمكن أن تُقرأ في ضوء تصريحات ديكتاتور دمشق اليوم، كما نقلتها “صحيفتا اللواء محمد ناصيف” اليوم في بيروت وفيها “أن الأسد عرض مع سمير القنطار (!) سير المفاوضات السورية ـــــ السعودية المتعلقة بالمحكمة الدولية والقرار الاتهامي، مؤكداً أن الغاية السورية من هذا المسعى هي تجنيب لبنان التوترات. وقال الرئيس السوري إن الحريري «إذا وافق على رفض القرار الاتهامي وعمل على عدم صدوره، فسيسقط 17 أيار جديد في لبنان»!
17 أيار ليس أكثر ولا أقل.. أي إسقاط الدولة اللبنانية في أحضان ديكتاتور دمشق.
ويمكن أن تُقرأ معلومات “المركزية” أيضاً في ضوء إستمرار الضغوط المالية السعودية على سعد الحريري. وهي ضغوط شديدة للغاية، علماً أن هنالك تذمّراً في السعودية نفسها من هذه السياسة “الرسمية” للمملكة! وهنا ينبغي الإنتظار لمعرفة ما ستسفر عنه زيارة الرئيس الحريري إلى نيويورك للإجتماع مع الملك السعودي.
كما يمكن أن تُقرأ، بعد تصريح “الملا الأكبر” في طهران، على ضوء زيارة نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، على باقري، لدمشق واجتماعه مع الأسد. وقد صرّح علي باقري بأن “«الاستقرار في لبنان رهن بالوحدة الوطنية وتعزيز تيار المقاومة». وأضاف: «إن أي إجراء أو تحرك يمسّ هذه الوحدة الوطنية أو المقاومة يصبّ في اتجاه ما يريده الأعداء».
الموقف الإيراني-السوري يريد أن “يضع يده” على لبنان، ببساطة! وهذا يمكن أن يتّفق مع رغبات حسن نصرالله الذي عبّأ جمهوره طوال 6 أشهر، فلم يحصد سوى “الخيبة”! مما يطرح السؤال التالي: هل يستطيع نصرالله أن يخرج من “المشكل” بدون “مشكل”؟ أي بدون “الإنقلاب” الذي تشير إليه “المركزية” في كلامها عن “مواجهة بين سلاح شرعي وغير شرعي”؟
“الشفاف”
*
المركزية – كشفت مصادر واسعة الإطلاع لـ”المركزية” أن الإتصالات السورية – السعودية لم تستأنف من خلال الإتصال الذي اجراه الرئيس السوري بشار الأسد الأحد الماضي بالعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز للإطمئنان الى صحته بعد ابلاله من العملية الجراحية التي اجراها الشهر الماضي في واشنطن واستعادته حركته العادية. وهي التي ادت الى الزيارة المفاجئة والعاجلة للرئيس سعد الحريري للولايات المتحدة قبل يومين للقاء الملك عبد الله والمقربين منه.
وقالت المصادر ان الإتصالات بين الطرفين لم تنقطع وقد استقبل العاهل السعودي في مشفاه طيلة الأسابيع القليلة الماضية موفدين سوريين ثلاث مرات على الأقل وان نجله ومستشاره الأمير عبد العزيز بن عبدالله كان من الحاضرين دائما ومن المتابعين لحركة الإتصالات التي جرت لحظة بلحظة وعلى حد قولها “مشية السلحفاة” نظراً الى الإشكاليات التي انتجها الطرح السوري الذي تبنى ضمنا مطالب المعارضة في لبنان وخصوصا تلك المتصلة بالشروط التي يرغبون في فرضها على رئيس الحكومة سعد الحريري ومن خلاله على حلفائه ولا سيما ما يتصل منها بامور اساسية لا يمكن الإقدام عليها. ومنها:
– وقف تمويل المحكمة الدولية من الجانب اللبناني وسحب القضاة اللبنانيين منها والعمل على تقويضها.
– اقرار رئيس الحكومة اللبنانية بان المحكمة مسيسة ولم تعد تعني لبنان حكومة وشعبا وكولي للدم والطلب باسترداد الملف الى المحاكم اللبنانية.
حسن نصرالله بدلاً من سعيد ميرزا؟
– العمل على اعادة النظر بالتركيبة القضائية اللبنانية بعد احالة ما سمي بـ “ملف الشهود الزور” الى المجلس العدلي وإجراء التشكيلات القضائية التي يستدعيها طرح هذا الملف على القضاء اللبناني والعمل على البحث والتثبت مما سمي “قرائن السيد نصرالله” الأمين العام لحزب الله الذي اتهم اسرائيل بإرتكاب الجريمة.
وقالت المصادر ان المملكة العربية السعودية ابلغت الى القيادة السورية بداية أنها لا يمكنها القبول بسلة الشروط هذه، والتي وإن تم اللجؤ اليها سيؤدي مسارها الى تقويض الحكومة اللبنانية وتغيير التحالفات السياسية التي بنيت عليها بمنطق الأكثرية السابقة والتي لم تتبدل الى اليوم في شأن عمل المحكمة تحديدا ما دام ان النائب وليد جنبلاط ما زال يوافق رئيس الجمهورية على البقاء في الوسط بين الطرفين وبعدم التصويت على ملف الإحالة الى المجلس العدلي ما يجعله صامدا الى اليوم الى جانب الأكثرية الرافضة لهذا التوجه.
وقالت المصادر ان المملكة العربية السعودية ابلغت الى الجانب السوري استحالة اللجؤ الى مخاطبة الرأي العام الدولي ومجلس الأمن الدولي في شكل خاص والتدخل لتأجيل صدور القرار الظني او إلفائه. واعتبروا أن اللجؤ الى مثل هذه الخطوات من سابع المستحيلات ليس لسبب تمنعها بل لإستحالة الخطوة بعدما عملت لسنوات من اجل تسهيل قيام المحكمة الدولية واصدار القرار الظني وأنها لا تستطيع بين ليلة وضحاها مخاطبة الراي العام الدولي بهذه اللغة التي لا يمكن ان تتوافق مع اي من الظروف والأسباب التي ادت الى ولادتها ومباشرة اعمالها.
كما ان المجتمع الدولي قال كلمته ولا يمكنه التراجع عنها ولعل في المبادرات التي اطلقتها فرنسا والمانيا وايطاليا والولايات المتحدة الأميركية برفع مساهماتها في تمويل المحكمة خير دليل الى المواجهة المقدرة بين من يسعى الى التدخل في عمل المحكمة ودور هذه الدول في حمايتها من اي تدخل خارجي.
ولفتت المصادر الى ان اللقاءآت التي شهدتها الرياض يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين اثناء وجود اقطاب قوى 14 آذار في الرياض تلبية للدعوة التي وجهت اليهم لحضور حفل زفاف الأمير عبد العزيز بن فهد تناولت كل هذه العناوين وإن لم تكن اللقاءآت قد سمحت بالدخول في الكثير من التفاصيل.
وعلمت “المركزية” ان بعضاً من هؤلاء القيادات الذين التقوا المسؤولين السعوديين في الرياض بقوا في العموميات ذلك ان الفريق القريب من الملك السعودي هو الذي يملك مفاتيح الإتصالات ويمكنه الغوص في الكثير من التفاصيل التي ليست في حوزة المسؤولين الآخرين وإن كانوا على اطلاع على العناوين الأساسية. وقد سبق ان كان لهم راي فيها قبل خضوع الملك للعلاج في الولايات المتحدة الأميركية.
ولفت احد القياديين السعوديين بعض المسؤولين اللبنانيين الى انهم لا يأملون خيرا من نجاح المساعي في اعادة ضبط الموقفين السوري والإيراني من ملف المحكمة الدولية طالما ان في اعتقادهما فرض شروط على الطرف الآخر في ضؤ ما شهده العراق من انتصارات ايرانية وسورية على حساب الأطراف الآخرين، والتقدم الذي احرزته ايران في ملفها النووي وقدرتها على مخاطبة المجتمع الدولي من السقف العالي عدا عن قدرة السوريين على تحريك الساحة اللبنانية والتصرف بها مما يهدد سلامة المؤسسات الدستورية وتجنيب البلاد مواجهات لن تكون بين اطراف لبنانيين بقدر ما ستكون بين سلاح غير شرعي والمؤسسات الأمنية اللبنانية.
ولذلك كله تتركز المساعي في الأيام المقبلة على توفير الظروف التي يمكن من خلالها ان يسجل السوريون والإيرانيون تراجعا مهما في مواقفهما من المحكمة بغية اعادة البحث في الحلول والمخارج الوسطية إن وجدت، قبل صدور القرار الظني عن المحكمة والتي باتت تتحكم به مواعيد مفترضة وغير ثابتة منها عودة المدعي العالم الدولي دانيال بالمار الى مقر عمله في لاهاي في السادس من الشهر المقبل او عودة الملك السعودي الى بلاده قبيل منتصف الشهر المقبل على اقصر تقدير إن لم يكن في نهايته او بداية شباط بعدما طلب اليه امضاء فترة النقاهة التي ستستمر ما بين سبعة و عشرة اسابيع على الأقل لإستعادة عافيته كاملة.
وعليه تقول المصادر التي شاركت في سلسلة الإتصالات هذه ان المواجهة الدولية على الساحة اللبنانية مستمرة وان المساعي المبذولة الى اليوم لا تطمئن سوى انها نجحت في ترسيم حدود المواجهة السياسية بين اطراف الصراع من دون اللجؤ الى الشارع في اي ظرف من الظروف او ان يتوجه احدهم الى الآخر بما يثير النعرات الطائفية والمذهبية، وهو ما عده البعض انتصارا مقبولا الى اليوم ولا يمكن التخفيف من آثاره الإيجابية على الحياة اليومية في لبنان.
وختمت المصادر بالإشارة الى مفارقة سياسية بعيدة المدى ربطت بين الموقف الإيراني الأخير للولي الفقيه الإمام خامينيئي من المحكمة ودعمها للحوار السوري – السعودي وما يمكن ان يصدر عنه.
وقالت ان هذه المعادلة ممكنة لو لقيت المواقف الإيرانية من اعلى مرجعياتها ردة الفعل اللبنانية الإيجابية التي عبر عنها الرئيس الحريري وحزب الله مع موقف القيادة السعودية التي شككت بها الى النهايات السلبية للموقف الإيراني.