خاص
كنا توقفنا من قبل عند عدد من النقاط مما جاء في تعقيب وتساؤلات الأخ كامل عباس التي أفترضناها وكأنها رسالة تعكس مزاجا ملموسا داخل صفوف إعلان دمشق، مما استوجب الرد على الأسئلة والتساؤلات والاعتراضات… إذ ينتقل الأخ عباس ليحدد لنا الطرق والخيارات بطريقة عقائدية حاسمة لا تنسجم مع طريقته التساؤلية التحاورية وهما “هناك طريقان لا ثالث لهما” :ثم يبني على خيار هذين الطريقين، فيما إذا اخترنا الثاني، فإننا سنكون ” أمام أمرين ربما كان أحلاهما مر” :
أما الطريقان اللذان لا ثالث لهما فهما:
-إما طريق الانتقال السلمي التدريجي… الى نظام وطني ديموقراطي، كما كنا في الخمسينيات في القرن الماضي… لتعود سوريا، فتكمل طريق تطورها الطبيعي حيث تغدو عقود (الشرعية الثورية) التي حكمت سوريا استثناءً.
-الطريق الثاني التفكيك على الطريقة العراقية سواء عن طريق ضربة إستباقية من إسرائيل وأمريكا أو انفجار الوضع الداخلي… الأمر الذي سيوصلنا إلى نظام (المحاصصة) الطائفية، كما هو قائم في العراق ولبنان…
ثم هنا يسألنا سؤالا يتجاوز هواجسه الفردية التي عبر عنها، ليعبر من خلالها عن هواجس قطاع ما في إعلان دمشق… إذ ينتقل من خيار الطريقتين إلى اختيار أمرين: فإذا ما اخترنا الطريق الثاني فإننا سنكون من جديد “أمام أمرين ربما كان أحلاهما مر”…. حيث يخيرنا بين الأمر الأول: وهو أن نترك رئاسة المجلس الوطني لإعلان دمشق في المهجر إذا أردنا أن نحافظ على خطابنا “الذي يرضي وجدان المثقفين وعامة الشعب المكوية من قمع النظام…”
أما الأمر الثاني: فهو أن نغير من خطابنا السياسي “لينسجم مع خط سياسي يريد به القيمون أن يأتي التغيير على قاعدة المواطنة لا على أساس المحاصصة الطائفية”. وهكذا فإن الأخ المعقب يحاصرنا أمام ثنائيته التي لا ثالث لها…فلا يترك لنا منفذا سامحه الله وغفر له !!
ماهي ملاحظاتنا على مفردات خطاب المقال؟
رغم النزوع الاجتهادي الواضح عند صاحب المقالة وتثميننا لموافقته على اعتباره “أن النظام الوطني الديموقراطي هو الذي كان في الخمسينات”، وأن الشموليات اللاحقة هي استثناء.. لكن الأخ المعقب لا يزال ينوء هنا أو هناك تحت ضغط موروث اللغة والمصطلحات والصيغ (الشمولية)، حيث لا يزال يصف النظام بأنه (نظام ديموقراطي شعبي… أو نظام الشرعية الثورية…)
يجب أن نميز – في هذا السياق – بين الأوصاف التي أطلقتها الشموليات على نفسها، وبين توصيفنا الحقيقي لها: فهي ديموقراطيات شعبية وشرعية ثورية وفق الخطاب الخشبي للزمن (البريجنيفي: وفلاسفته: سوسلوف وبونوماريوف) صاحبا الملاحظات السوفيتية الشهيرة بعد أزمة الحزب الشيوعي السوري الأولى في السبعينات… بينما الخطاب اليساري الديموقراطي النقدي، لا يرى في أنظمة المركز الاشتراكي إلا أنظمة شمولية تستند إلى رأسمالية الدولة البيروقراطية بهويتها السياسية الستالينية، والتي يبست جذوع شجرتها في المركز السوفييتي… بينما الأنظمة الفروع فيما سمي بالشرعيات الثورية، أوالديموقراطية الشعبية ليست سوى (شموليات الشعبوية–القوموية: الناصرية والبعثية) واشتقاقاتها اللاحقة في الجزائر وليبيا واليمن… هذه الأنظمة الفروع ظلت مصرة على أنها خضراء حية، رغم أنه ليست إلا أغصان الشجرة اليابسة التي جفت جذورها في المنبت الأصل وأعلن أهلها عن موتها…
إن الدعوة إلى استعادة المجتمع المدني والانتظام في نسقه في صورته الجنينية الليبرالية البرلمانية للوطنية الدستورية ذات التطور الطبيعي المتمثلة في مرحلة الخمسينات، والذي دمرته القوى الشعبوية الانقلابية فيما سمي بـ (الشرعيات الثورية)، إنما هذه الصياغة هي الأطروحة الأساس في وثيقتنا الأساسية التي أصدرناها باسم (لجان إحياء المجتمع المدني)، فيما سمي بـ (وثيقة الألف)، وهي الأطروحة التي سيتداولها الخطاب الديموقراطي في سوريا لتبلغ تتويجها في صورتها الأخيرة في إعلان دمشق…
إذن إن الدعوة إلى القفز فوق الزمن الميت لمرحلة البعث الشمولي – العسكري – الشعبوي – إلى الزمن الليبرالي الدستوري البرلماني لفترة الخمسينات، كانت وما زالت أطروحتنا، أي أطروحة المثقفين في (لجان إحياء المجتمع المدني)، فهي نتاج فعالية الحراك الثقافي الديمقراطي وليس الحزبي الذي خرج شبه محطم من السجون… وبهذا المعنى تغدو دعوتنا من قبل المعقب إلى أن نتبنى هذه الأطروحة، وكأنها دعوة لنا لتبني أفكارنا… وهي تذكر بالمثل المغربي الذي كان يستخدمه الراحل محمد عابد الجابري لمن يناقشونه، فيدعونه إلى مقول أقواله، أي يريدون أن يعلمونه علمه.. فكان يردد هذا المثل الشعبي المغربي : تعالي يا أمي لأدلك على بيت خالتي…!!
أي أن القيمين اليوم على الخطاب المعارض في إعلان دمشق أو خارجه، ليس لهم أن يدعونا لتغيير خطابنا لينسجم مع الخط السياسي للقيمين على مبدأ “التغيير على قاعدة المواطنة”، بوصفنا نحن دعاة للتغيير على أسس المحاصصة الطائفية.. رغم أن الصيغة الأخيرة لا تخيفنا أو ترهبنا عقليا أووجدانيا لأنها مع كل مساوئها فهي أقل سوءاً من قاعدة (الاستئثار الطائفي)… مثلما لا ترهبنا صيغة الاتهام بالتفكيك على الطريقة العراقية… لأن الذي فكك النسيج الداخلي للعراق وهيأه للتفكيك الخارجي، هو البعث الصدّامي الذي لا يختلف نوعيا عن البعث الأسدي… أما إذا كان المقصود هو الاحتلال الأمريكي للعراق، فإننا نرى أن الاحتلال لم يكن إلا الأداة التنفيذية لمحصلة نتائج ما أنجزه البعث العراقي على مستوى السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة، ولذلك نقول :إن احتلال العراق ليس نتاج أوامر أحمد جلبي أو أمنيات علاوي أو أحلام المالكي… بل هو نتاج أجندة وقرار من يرسل الجيوش ويضع الموازنات الهائلة وحسابات الدم، وليس هدية تقدم لأحد (ليفشوا قهر المعارضات)… يجب التوقف عن هذه الطريقة العقيمة في التفكير…
إن طريقة التفكيك العراقية ونظام المحاصصة العراقية، ينبغي أن نقدمه مثالا لـ(العبرة والاعتبار) للممسكين بشؤون مصير البلد وقراره السياسي والاستراتيجي، وليس لنا كمعارضين لا نملك سوى أشواقنا وأحلامنا المطاردة وطوبانا المتطلعة نحو الحرية والكرامة والشرف…فالداخل الذي صنعته المنظومة البعثية – (مادون الفاشية): لأن الفاشية ملأت الأنا القومية بالاعتداد القومي والتفوق العنصري لأفرادها – بينما البعثية (في سوريا والعراق) كانت تدمر كائنية الفرد وتفرغ داخله من إحساسه بالكرامة والسيادة على ذاته الفردية والوطنية والقومية، باسم عظمة الأمة الأسمى الخالدة المختصرة بعظمة القائد الخالد بل والضرورة…
هذا التداخل الذي يلغي ذات الأمة لصالح ذات الطاغية هو الذي سهل وزين للمحتل أن يقوم بنزهة احتلاله وكان له ما شاء.. عندما ووجه الاحتلال بذات أمة محطمة أشبعت انتهاكا منظما وهزائم شاملة على يد طغاتها، فما كان أمامه من العراق سوى تمثال الطاغية!
وكان رامسفيلد حينها قد عبر على أن الداخل السوري ليس أشد منعة لاحتلاله، فهو لا يحتاج لأكثر من كتيبة…
وهو بالتأكيد إذ يطلق حكمه هذا على قوة الذراع العسكري السوري، إنما ينطلق من استقراء وتشخيص لقوة الجسم السياسية والاجتماعية التي تمد الذراع بالدم والقوة، إذ هو يقارنها بشبيهها الشقيق البعثي العراقي الذي فرط بناؤه الملحي بأيام… فإذن إن مسؤولية صلابة الداخل هي المسؤولية السياسية للمستولي على كل منافذ الداخل الحياتية والاقتصادية والمعاشية والمعنوية لشعبه ومجتمعه المشلول، المبعد المهمش والمهشم، المذل المهان…
إن رامسفيلد عندما قال قوله هذا لم يكن محفزا بمقالات عبد الرزاق عيد… ولا بعشرات بل ومئات المعتقلين الذين حبسوا لسنوات باسم إضعافهم الشعور القومي وبث الوهن في عزيمة الأمة.. بل كان محفزا بقوة الساعد الأمني الذي وفر عليه جهودا كبرى في إذلال الأمة وتحطيم أناها الوطنية وشكيمتها المعنوية وثقتها بذاتها التاريخية في الحاضر والماضي أي هزيمتها داخليا… كما كان الرفيق صدام قد مهد له العراق أرضا مفتوحة أمام زحف قواته…
ولهذا فإن الكلام عن نظام المحاصصة والتهيب والتحذير من مآلاته، يغدو بلا معنى عندما يكون موجها للمعارضة التي لا حصة لها إلا إيمانها وثقتها بمستقبل الحرية لوطنها، أما الحصص والمحاصصة فلها أربابها، فهي شأن واختصاص من يملكون الدولة والمجتمع، ويجعلون الأوطان مزارع وبساتين…
إن المحاصصة الطائفية أتت كنتاج طبيعي للعراق الذي أفرغ من مدنيته المجتمعية والسياسية خلال عقود الديكتاتورية والطغيان، أي أن المحاصصة هي فرع لانحلال المجتمع المدني إلى مجتمع أهلي مع إعدام السياسة، حيث لم يبق منه سوى طوائفه وعشائره وروابط ووشائج القربى الأهلية والدموية، وذلك بفضل النظام البعثي الصدامي وليس بسبب الاحتلال الأمريكي…فالاحتلال لا يعقل أن يحول شعبا ذا عراقة تاريخية إلى طوائف وملل ونحل وقابلية حروب أهلية خلال أيام أو أسابيع أو شهور، بل هي نتاج زمن طويل من تدمير المجتمع المدني المنضد سوسيولوجيا لصالح إحياء عصبيات المجتمع الأهلي، القائم على نظام الدم والقرابة، ذلك هو المجتمع الذي خلفه النظام الصدّامي، مجتمع لم يبق فيه أحزاب ولا نقابات ولا جمعيات ولا نوادي لتتحاور وتتدافع وتتصارع مدنيا وسياسيا وثقافيا، بل مجتمع غارق في بداوته الطبقية، وانكفائه المجتمعي، وتخابطه الطائفي والعصبوي، ومن ثم رعبه من الاهتمام بالشأن العام الوطني الذي مورده الهلاك، وتلك هي صورة مآل المجتمع الذي أنتجه البعث الشقيق الذي تمت إعادة إنتاجه أسديا في سوريا مع زمن السبعينات.
فمجتمع كهذا لم يفعل الاحتلال سوى أن حطم قوته التسلطية التي كانت تؤمن توحده القسري، فما أن انكسر العمود الفقري إلا وتبعثرت أشلاء المجتمع الذي لم يبق فيه من مدنيته المجتمعية والسياسية إلا بقايا أشلاء طوائف وعشائر كانت تناسب تسلطية الطغم المستولية على البلاد، فلم يكن ثمة فرق للشعب المستولى عليه، مادام الاحتلال لن يكون سوى تغيير في هوية المستولي… لكن مع الآمال بأن الاستيلاء الجديد، قد يضع البلاد ما فوق درجة الصفر ويفتح آمالا وآفاقا للصعود فوق درجة صفر السياسة، بعد أن كان المسار كله هبوطا تحت درجة الصفر، وفق التوصيف البارع لرياض الترك…الذي نتمنى عليه أن يبقى في ساحة البراعة هذه دون أن يشغل باله فيما دونها..
فإذن نظام المحاصصة الطائفية هو نتاج موضوعي لمن يتحكم بسيرورة التطور الاجتماعي والاستقطاب السوسيولوجي – السياسي، فعندما تلغي الحياة السياسية وتلغي الأحزاب وتمنع قيامها فإنك شئت أم أبيت تقيم مكان الارتباط الحزبي نظام الترابط الطائفي والوشائجي والقرابي…
حيث يغدو نظام المحاصصة هو الأكثر واقعية وعقلانية في هذه الظروف التي أدت لتدمير نسيج المجتمع المدني والسياسي لصالح الأهلي والطائفي، وذلك لتحقيق التوازن (المجتمعي-الأهلي) الذي يمنع إحدى الطوائف أن تستفرد بالمجتمع وتفتئت على الطوائف الأخرى عبر احتكار أدوات العنف ووسائل السيطرة لإخضاع باقي الطوائف، كما يسعى حزب الله أن يفعل واهما…. دون أن يستفيد من دروس الماضي التي تمخضت عن واقع أن نظام المحاصصة الطائفية القائم على التوازن الطائفي لم يسمح من قبله للإخلال بميزان توازنه الداخلي، الذي يستند على الأقل إلى دستور ينظم علاقة المحاصصة هذه، ريثما ينضج المجتمع السياسي باتجاه الارتقاء إلى مستوى التنضيد السوسيولوجي المدني الطبقي -الحزبي، الذي لا يتيح لقوانين الطوارئ والأحكام الاستثنائية التي تؤمن احتكارا استثنائيا لموارد العنف وأدوات ووسائل السيطرة العسكرية والأمنية في يد طائفة واحدة، كما يسعى أيضا حزب الله أن يحاكي النموذج الشمولي لحلفائه (الثيوقراطيين الإيرانيين والبعثيين السوريين)، من خلال محور طائفي، سيسائل التاريخ إيران عن تأسيس هذا المحور الطائفي، ومن ثم المصائر التي دفعت لها المنطقة على طريق تقويض مجتمعاتها السياسية الوطنية باتجاه قيام علاقات إقليمية على أساس الاستقطاب الطائفي، ومن ثم إحلال الدولة الطائفية القروسطية محل الدولة الوطنية الحديثة التي أنجزت منطقة الشرق الأوسط بعض مكتسبات تحققها الفعلي على الأرض….
وعلى هذا فإن لبنان ليس مثالا لسوء النظام السياسي العربي، بل هو النظام الأرقى عربيا، من حيث قدرته- عبر صيغته التعايشية- على تمثيل كل أطياف وشرائح المجتمع اللبناني، انطلاقا من الاعتراف بأن نسيج البنية التكوينية الاجتماعية والسوسيولجية ما زالت راسفة في منظومة المجتمع الأهلي التقليدي، والتي تمت إعاقتها خارجيا على الانتقال إلى المجتمع المدني، نظرا لتناقض هذا التحول المدني الديموقراطي مع مصالح القوى الخارجية المتصارعة على الساحة اللبنانية، سيما الشموليات (الثيوقراطية الايرانية والشمولية الشعبوية البلاغية البعثية)، رغم أن مساحة حضور المجتمع المدني بالتجاور مع المجتمع الأهلي في لبنان هي الأوسع عربيا، مما يتيح حراكا انتقاليا بين المجتمعين، وذلك على العكس من الوحدات الوطنية التي ينتجها لاحم العنف والإكراه الأمني والقمع اللغوي البلاغي الشعاري الذي يرغم العقل على الإقامة في محفل من الكلمات للتسليم والإذعان للأهواء الايديولوجية والرغبات المشحونة بالعنف والشراسة…. فالمحاصصة الطائفية هي الحل العادل لمجتمع الطوائف الذي عجز عن الانتقال إلى المجتمع المدني، أو المجتمع الذي أخفق مشروع بناء دولته الوطنية وارتد بالمكتسبات المدنية (حرية التعددية الحزبية والنقابية والصحافية) والسيادية (الدولة كمنظومة حقوقية لإنتاج علاقات الموطنة ما بعد الطائفية) والسياسية (حريات ديموقراطية وتعددية سياسية وثقافية وحزبية.
فالمحاصصة مرفوضة بدلالة مرجعية مجتمع المواطنة، وليس بدلالة المجتمع الأهلي ونظام القربى الدموي العائلي والوشائجي، كما هي عليه حالة المجتمعات العربية المرتدة عن المرحلة الوطنية الديموقراطية الدستورية، فالمحاصصة الطائفية مرفوضة انطلاقا من الافتراض النظري عن ضرورة توازن المجتمع المدني والمجتمع السياسي وفق صياغات غرامشي، وذلك في المجتمعات الديموقراطية الغربية الحديثة التي نبتعد عنها مسافة زمنية أكثر من ستين سنة، منذ الوحدة السورية المصرية، وإسقاط المرحلة المدنية الليبرالية البرلمانية…
فعندما نعيش حالة نكوص بل وسقوط من المجتمع المدني ذي التنضيد السوسيولوجي إلى المجتمع الأهلي ذي العصبوية الطائفية والعائلية، فإن الحكمة تقتضي أن لا نزيد كارثة النكوص نكوصا في السماح لإحدى الطوائف أن تسيطر بالشوكة والغلبة، وذلك بأن تستقوي بالسلاح على من دونها من الطوائف في القوة العسكرية، ومن ثم الاستقواء بالحلفاء الطائفيين أو الإقليميين، بحيث أن تستفرد إحدى الطوائف بالقوة العسكرية والأمنية والنفوذ السياسي والمالي… فعندها يأتي نظام المحاصصة الطائفية بوصفه الحل الواقعي والعقلاني الوحيد لحالة ارتداد المجتمع المدني ونكوصه إلى المجتمع الأهلي كما حدث في ظل (الشرعيات الثورية : العراق سوريا)، أي يغدو نظام المحاصصة في المجتمع الأهلي هو النظام الواقعي والعقلاني لتجنب الحرب الأهلية، ومن ثم التعامل معه كمرحلة انتقالية باتجاه العودة بالمجتمع الأهلي إلى زمنه المدني الديموقراطي الدستوري… حيث التمثيل الحزبي والسياسي، وليس الطائفي والعائلي… وهو النموذج الذي توافقنا عليه كمعارضة ديموقراطية، في اعتبار فترة الخمسينات – وليس استعارة أي نموذج خارجي – هي اللحظة المدنية الدستورية (المعاشة وليس المتخيلة والمرغوبة)، التي ينبغي استعادتها والانتظام في نسقها الدستوري الطبيعي بدون حرق المراحل التي لم نستفد منها إلا في إحراق مجتمعاتنا، فتنازلنا – طوعا في البداية وكرها في المآل – عن الديموقراطية السياسية أملا في كسب الديموقراطية الاجتماعية (الشعبية) فخسرنا الاثنتين، ولم نكسب سوى التساوي في العبودية…
وعلى هذا فإذا كان لا بد من تجرع كأس (المحاصصة الطائفية) بعد المرحلة الوطنية الدستورية الدمجية (المواطنوية) التي توافقنا على تعيينها وتعيّنها في مرحلة الخمسينات، فإن مسؤولية تجرع هذا الكأس إنما تعود لجهود خمسين سنة بعدها من الشمولية-العسكريتارية الشعبوية (البلاغية ذات الوطنية السديمية الشعارية الجوفاء) التي تسكن عالما من الكلام الأجوف، بعد أن جوفت إنساننا من كل معاني السمو الوطني والمدني قمعا وقهرا وإذلالا لذاته الفردية والوطنية، وانحطت به إلى مستوى كائنيته العضوية التي تتحلل إلى روابط القرابة والدم والطائفة والعائلة بعد أن ألغت السياسة والمجتمع السياسي والحياة السياسية المدنية لتحل محلها الاستقطابات الطائفية والعائلية والمللية والنحلية، ليس على المستوى الداخلي فحسب بل وعلى المستوى الإقليمي كمثال المحور الإيراني…ولهذا فإن سؤال نظام المحاصصة الطائفية يطرح مسؤوليته على من هيأ له عبر عقود… وليس على المعارضة المطحونة الملغاة، أو على التفكيك الخارجي الذي أعد له الداخل –من قبل المستولين والمتحكمين في الداخل- وذلك من خلال إلغاء كل عناصر قوة الداخل ومنعته ومناعته ضد تدخل الخارج…
أما عن دعوتنا لترك رئاسة المجلس التي لم نسعَ لها كما هو معروف، والتي أحرجنا معنويا في قبولها أمام وجاهة الرأي القائل بضرورة إيجاد حالة من التوازن، فكان قبولنا بالرئاسة -بوصفنا مستقلين- بمثابة دعم لتأمين هذا التوازن المطلوب…
وإني لأربأ بك – وبمن يوافقك في الإعلان – أن تختاروا هذا الحل… وهو المطالبة بالاستقالة وفق خطاب (الشرعيات الثورية والديموقراطيات الشعبية) التي تفوض نفسها عن الجميع، متحدثة باسم الآخرين وفق مبدأ شرعيتها الثورية، وذلك عبر الاستهانة بالأغلبية المطلقة لأصوات للمجلس الوطني، ضاربين بعرض الحائط كرامة رأي الناس وقيمتها الاعتبارية والمعنوية والسيادية، متجاهلين أثر ذلك على مستقبل عمل الإعلان، وموقف الناس الذين انتخبوا ومارسوا إرادتهم الحرة في اختيار من يعتبرون أنهم يمثلونهم، فكان أن اعتبر الكثيرون من المؤتمرين أن ذلك تدخل لا مبرر له، إذ هي تتغافل عن حقيقة أن الناس في المهجر- وليس أهل الداخل فحسب – يضعون مستقبلهم ومستقبل أهلهم في المخاطر الأمنية الشرسة والعدوانية لمواجهتها والنضال ضد طغيانها وتسلطيتها البربرية على أوطانها… ينبغي عدم نسيان أو تجاهل أن المؤتمرين هنا لهم حساسياتهم الفائقة نحو احترام أصواتهم، وهي حساسية أغنتها وصقلتها فضاءات الحريات الديموقراطية في الغرب…فالناس هنا يعيشون على ساحات الديموقراطيات (البورجوازية) التي لا تتنازل عن حقوقها…!!!، وليس الديموقراطيات الشعبية التي يمكن تغيير الدساتير لتتناسب مع قياسات حذاء الحاكم الذي يسوس به شؤون الأمة، ويضعه في فمها لكي “لا تتداعى إلى الحق” على حد تعبير الكواكبي الكبير…
إذن ما الحل؟ إن الحل يكمن في التوسع بتطبيق مبدأ (التعددية الصوتية). فالإعلان ليس حزبا سياسيا، إنه ائتلاف وتحالف يوحده موقف مناهض قاطع مع الاستبداد، ويجمعه هدف النضال الديموقراطي للتغيير السلمي، لكننا لن نذرف الدمع إذا أتى ذلك اليوم الذي يستفيق به غضب الشعب ويخرج ليكنس من أذلوه وأهانوه وجوعوه… والنظام منذ أحداث الثمانينات التي ارتكب فيها مجازر جماعية…توقف عن العقاب الجماعي، واصطنع لنفسه قانونا أمنيا – محكمة أمن الدولة – يوظف له مؤسسة القضاء للعقاب على المسؤولية الفردية… فحتى الآن لم تتم حملة تصفية شاملة ضد أحزاب بمجموعها منذ قانون 49 السيء السمعة…
بل ثمة اعتماد فلسفة (مخابراتية-قضائية) تعتمد على اختيار نماذج وعينات لشرائح سياسية واجتماعية وثقافية وجيلية لإيصال رسائل للجميع.. حيث عنوان هذه الرسالة هو التهديد بأن النظام الذي يعيش فوق القانون قادر على فرض (قانون) ينص على أنه ليس هناك أحد في المجتمع فوق الاعتقال… ومن ثم استلهام مبدأ (جهنم القيامية) : حيث “كل منكم إلا واردها…كان على ربك حتما مقضيا “…
ولذا فباب التنازلات لن يقود إلا إلى جهنم، ما دامت سعة صدر(القضاء الأمني أو الأمن القضائي) غير قادرة على احتمال شيخ ثمانيني كهيثم المالح أو شابة طفلة كطل الملوحي، وما دام الوريث الشاب لا يتردد أن يصدر المراسيم التي تحمي الجلادين من جريمة القتل خلال ممارستهم للتعذيب…حيث قيل إن أوكامبو القاضي الذي يلاحق البشير دوليا، عندما سمع بالمرسوم الرئاسي السوري المذكور علّق مندهشا وساخرا، بما يشبه القول: إن هذا المرسوم (الأسدي) يعطيه دليلا ملموسا – ليس بحاجة إلى شهود – للملاحقة القضائية الدولية أكثر من جرائم البشير التي تحتاج إلى شهود ووثائق إثبات، مما لا يحتاجه المرسوم (الأسدي) الشاب… ولذا بإمكان أي كان في الإعلان أن يعلن رفضه لرأي أي كان، دون أن يكون ملزما لأحد أو مسؤولا عنه أمام أحد، بوصفنا ائتلافا متنوعا ومتعددا ومتغايرا… هذا هو الطريق الوحيد لكي لا يحولوا بعضنا إلى احتياطي قمعي تفكيكي وتفتيتي في يدهم ضد بعضنا الآخر، باسم العقلانية والتعقل التي تتهم الآخر بـ(الشتم) ومن ثم لا تتورع عن رمي رفيقها الآخر بطريقة (شديدة التهذيب) بصكه بالقول: (أبناء شوارع…)
mr_glory@hotmail.com
* كاتب سوري- فرنسا
مستقبل سوريا بين خيار المواطنة أو المحاصصة الطائفية
لا اكراه في الدين لا اكراه في الزواج لا اكراه في السياسة . العالم العربي انتشر فية سرطانات بشرية خبيثة مدعومة من الصهاينة هي الانقلابات العسكرية وتحويل الجمهوريات الى جمولكيات اجرامية والقضاء على المؤسسات المدنية وعلى الديمقراطية وعدم احترام حقوق الانسان وان الانقلاب العسكري المافياوي للبشير باسم الاسلام اريد منه تفتيت السودان والاساءة للاسلام والمسلمين فقط وفقط لا غير