“الشفاف” – خاص
الكويتيون أساساً هم المتوطنون في الكويت قبل سنة 1920، وكانوا محافظين على إقامتهم العادية فيها إلى يوم نشر قانون الجنسية الصادر في العام ١٩٥٩.
هذا الإستهلال وفق ما ورد في قانون الجنسية الذي عُدل لاحقا واعطى ابناء المجنسين الكويتيين كامل الحقوق الدستورية بصفة اصلية في محاولة لإلغاء التفرقة بين الكويتيين. إلا أنه اشترط الا يجمع الكويتيون بين جنسيتين.
فالجنسية تكتسب وفق القانون الكويتي عن طريق الدم، خلافا لبعض الدول التي تمنحها عن طريق الأرض، اي ان من يولد على ارض الدوله يكتسب الجنسية.
في أيار مايو من العام ٢٠٠٩، اعلن محمد الجويهل مرشح الدائرة الثالثة، وهي خليط من البدو والحضر سنة وشيعة، خلال افتتاح مقره الإنتخابي انه تقدم ببلاغ الي النائب العام مطالبا بكشف اسماء مزدوجي الجنسية وطردهم من الكويت.
تلك الشرارة التي اطلقها الجويهل وافرد لها الي يومنا الحاضر جل وقته وجهده وماله، حتي وصل به الأمر فتح قناة فضائية خصصها لهذه القضية تدعي “قناة السور”. والتسمية تشير الي الكويت قديما قبل مفهوم الدولة الحديثه حيث كانت محاطةً بسور طيني.
تلك الأنتخابات شهدت تعديا لفظيا على الجويهل، وعلي وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد، من قبل بعض المرشحين الذين اعتبروا ان اسلوب الغمز واللمز من قبل الجويهل كان القصد منه المس بأبناء القبائل، والمتهمون بازدواجيه الجنسية وتحديدا حَمََلة الجنسية السعودية اضافة لجنسيتهم الكويتية.
فالجويهل اعتبرهم عديمي الولاء للوطن، بل انهم سعوا للحصول علي الجنسية الكويتية لما لها من امتيازات مادية من قبل الدولة للمواطن واجتماعيه وحقه بالحصول على مجانية السكن والتعليم والصحة (وهي مميزات لا تقدمها بعض الدول الخليجية او حتى العربية) وبالتالي مشاركتهم لأهل الكويت الأصليين في مصادر رزقهم ، كما حمّلهم مسؤولية تردي اوضاع البلاد سياسيا وثقافيا واجتماعيا حسب تصريحاته.
وكعادة الكويتيين، تحولت تلك المشاحنات الي مادة للتكسب السياسي. فالكل يعزف علي وتر القبلية او المناطقية وتقسيم المواطنين الي ابناء المناطق الداخليه وهم الحضر، وابناء المناطق الخارجيه وهم البدو، الذين لم يقفوا مكتوفي الايدي بل نظموا تظاهرات واعتصامات وندوات ووجهوا تحذيرا للحكومة والسلطة باستخدام الادوات الدستورية ان لم تردع الجويهل ومن يقف وراءه، والضرب بيد من حديد لمن يحاول شق صف الوحدة الوطنية ويوزع الولاءات علي الكويتيين حسب اهوائه.
في المقابل، برز اكثر من نائب برلماني وجلهم من ابناء المناطق الداخليه او ما يعرف كويتيا بـ”الحضر” يدعمون فكرة البحث في ملفات الجنسية واسقاطها عن المزدوجين مطالبين الحكومة بتفعيل القانون والا يكون القبول بالخطأ هو القاعدة، واعتبار ازدواجية الجنسية حقا مكتسبا للبعض. ودعوا الحكومة الى النظر في اجراءاتها والتأكد من ان بعضهم لم يعد مقيما في الكويت والتأكد من ولائهم لهذا الوطن.
لكن القاسم المشترك بين النقيضين هو توجيه الاتهام الى الحكومة، وتحديدا الي وزير داخليتها. فالكل يطالب بتطبيق القانون على الآخر ، لكن من وجهة نظره هو!
الحكومة الكويتية من جانبها، وجريا علي عادتها، التزمت الصمت المطبق واجادت لعب دور الزوج المخدوع حتى تفاقمت الامور. فقامت، بعد سجال استمر لاكثر من عام، بالاعلان عن انها قامت بتوجيه إستدعاءات الي بعض المواطنين لتخيرهم بين الجنسية الكويتية او جنسية البلد الاخر المكتسبة.
ورغم ان قانون الجنسية لم يستثن دولة بعينها، فقد نص في المادة الحادية عشر على “سحب الجنسية الكويتيه اذا تجنس الكويتي مختارا بجنسية اخرى”.
الا ان اصواتاً علت من برلمانيين، كالنائب السابق مبارك الدويلة وغيره، مطالبة بالعمل على إصدار تشريع جديد يدعو الى السماح للكويتيين بحمل اكثر من جنسية باستثناء جنسية الدول الخليجية، كون دول مجلس التعاون الخليجي هي منظومة واحدة، وان القانون الكويتي ورغم منعه لازدواجية الجنسية الا انه غض الطرف عنه لفترة طويلة وان الوقت حان لاقتراح الحل المناسب.
بينما يرى البعض الاخر ان محاربة مزدوجي الجنسية كمحاربة الانتخابات الفرعية لكل قبيلة. فهي، رغم انها محرّمة قانونا، الطريق لأغلب النواب القبليين للوصول الي قبة البرلمان، حالها حال العديد من القوانين التي سنها المشرع وغض الطرف عنها لاحقا واخفقت السلطة التنفيذية في تطبيقها.
في خضم هذا السجال برزت قضية ياسر الحبيب المتشدد الشيعي وتعديه على زوجة الرسول. فانبرى اثر ذلك العديد من النواب الإسلاميين والقبليين مطالبين باسقاط الجنسية الكويتية عنه، ما دفع بالنواب الشيعة الى المطالبة بالمثل باسقط الجنسية عن من يكفّر الشيعة. بل هدد بعضهم باستجواب وزير الداخلية ان لم يفعّل القانون ويفتح ملف ازدواجية الجنسية. ومعه تحول الصراع من حضري- بدوي الي بدوي- شيعي. فأدخل اضلاع المثلث الكويتي في صراع. فالتقى الحضر السنّة مع الشيعة مقابل “ابناء القبائل” في صراعٍ لم يهدأ حتى اللحظة وان تراجع امام بعض القضايا الآنية ولو الى حين.
الخطر في هذا الصراع هو الخطة الممنهجة لاشتباك مختلف اطياف المجتمع في العديد من القضايا والصراعات، وان لم تخرج عن نطاق التظاهرات والندوات. كما انها اعطت للحكومة ذريعة اسقاط الجنسية بقرار اداري دون اللجوء الى القضاء، وهو ما ينذر بتعاظم خطر سحب الجنسية عن الكويتيين اذا خالفوا رأي السلطة.
التجاذبات كما اريد لها حوّلت البلاد الى بركة زيت اعواد ثقابها البرلمانية جاهزة لتستعر نار الكويت وليتحول المواطن المغلوب على أمره حطبا لها. وقد يتطاير شررها بعيدا، وربما اقليميا وليس خليجيا.
الكويتيون مجتمع مركّب جل افراده قدموا من شبه الجزيره العربية والعراق وايران وغيرها. هذا النسيج الاجتماعي تفرد الكويتيين على اثره بذائقه مّيزته عن باقي نظرائه في الخليج في الانفتاح وتقبّل الاخر. فنتجت عنه ديمقراطية وليدة كاساس للمشاركة في الحكم بين مختلف اطيافه.
إعلامي كويتي