يقدم لنا العراق يوميا جرعة من الدم و الدموع تجعلنا نضع مقولات ارتقاء البشرية من البربرية إلى الحضارة و من الهمجية إلى الثقافة موضع سؤال و تساؤل.
و لعل مذبحة كنيسة سيدة النجاة هي الحادثة التي خربت من جديد الصورة الحضارية للعراق كوريث لبابل وكحامل لدستور حامورابي و التي زعزعت مشهد العلاقات بين الأديان والعيش المشترك.
والغريب أن مسلسل استهداف المسيحيين في الشرق الأوسط يبدو كقدر لا رد له . وكأن رسالة المفجرين هي: أيها المسيحيون في ارض الإسلام انتظروا دوركم. سنفجركم، سنعدمكم، سنستهدف الكنائس والأديرة، سنقتل المطارنة و الرهبان، ولا دولة تحميكم ولا مجتمع مدني يكترث بكم. كلهم غير مبالين.
هل هذا هو القرن الجديد، قرن حقوق الإنسان، أي قرن الدفاع عن كرامة الإنسان بقطع النّظر عن دينه ومعتقده ولغته ونسبه وجنسه، وقرن حماية الأقليات؟
أن هذه الأعمال الإرهابية المستمرة منذ سنوات تهدف إلى اقتلاع المسيحيين من العراق تمهيداًُ لاقتلاعهم من شرقهم التاريخي ومن ارض الإسلام عامة لتحويلها إلى ارض من لون واحد لا حياة فيها ولا حراك ولا ثراء.
فهو بالتالي تطهير عرقي منظم و مستمر سندفع كلنا ثمنه غاليا.
هذا التطهير ،الذي يمثل وصمة عار و يندى له جبين خير امة أخرجت للناس، يهدد التوازن الحضاري الذي عاشته المنطقة منذ قرون. فتداعيات ما يجرى بدأ يظهر من خلال مغادرة المسيحيين المنطقة، وتبين لنا الإحصائيات أن المسيحيين العرب الذين يشكلون اليوم 12 مليون نسمة تضاءل عددهم و تقزم تواجدهم في المنطقة العربية. إذ لم نعد نجد في سوريا سوى نصف العدد الذي كان موجود في الخمسينات، وهم اليوم في القدس بضعة ألاف بعد أن كانوا 50 ألف في 1948. وفي العراق قدر عدد المسيحيين في الثمانينيات بين المليون والمليوني نسمة من مجموع السكان. وقد انخفضت هذه النسبة بسبب الهجرة خلال فترة التسعينيات وما أعقب حرب الخليج الثانية من أوضاع اقتصادية و سياسية متردية و العنف الطائفي إلى ستة مئة وخمسين ألفاً.
و يحتم علينا واجب الذاكرة أن نمرر للأجيال الصاعدة الحقائق التالية:
– إن المسحيين العرب ليسوا امتدادا للقوى الغربية أو الاستعمارية، فوجودهم يضرب في عمق التاريخ و جذوره.
فعلى أبنائنا أن يعرفوا إن مشاعل الحضارة التي أنارت طريق الإنسانية والتي استمدت نورها من ارض وادي الرافدين ساهم فيها الكلدان والأشوريون الذين اعتنقوا المسيحية منذ القرن الأول ميلادي. وأن أقدم كنيسة في العراق، وآثارها موجودة إلى اليوم في محافظة كربلاء قرب بلدة عين تمر، تعتبر من أقدم الكنائس في العالم.
كما أن العرب الذين اعتنقوا المسيحية ساهموا في نشر الثقافة وتأسيس العمران، حيث كانت الحيرة مركزا ثقافيا و قطبا علميا لعدة قرون قبل الإسلام.
أما في العصر الحديث فقد كانوا حملة راية التنوير ودعاة الحداثة والتحديث. وفي تاريخ العراق الحديث ساهموا بشكل واسع في الحياة السياسية والعلمية والثقافية، ولعب الكثير منهم أدوارا بارزة في التنظيمات الحزبية وشاركوا في الحركات المعادية للاستعمار تحت شعار الدين لله والوطن للجميع.
-علينا أيضا أن نعترف أن الأقليات في الفضاء العربي والإسلامي أسهمت بحصة الأسد في صنع الحضارة العربية الإسلامية. مترجمو “بيت الحكمة” كانوا من الأقلية المسيحية، ومعظم الأطباء والعلماء كانوا من اليهود والنصارى.
أهم المفكرين الذين رفعوا مشعل الرقي والتقدم، أمثال الرازي و الفارابي، كانوا من أقليات ارض الإسلام.
كما يحتم علينا الواجب الأخلاقي أن نذكر الأجيال الصاعدة:
– إن الانحياز لحقوق الأقليات هو الذي يؤمن و يضمن حقوق الجميع في ارض الإسلام.
–
فالديمقراطية المنشودة في عالمنا اليوم ركيزتها حكم الأغلبية عبر صناديق الاقتراع وحقوق الأقلية.
حكم الأغلبية هو وسيلة لتنظيم عمل الحكومة واتخاذ القرارات الخاصة بالقضايا العامة ولكنه، وهو الأهم، ليس تعلة لاضطهاد الأقلية لأن حكم الأغلبية مصحوب بضمانات لحقوق الإنسان من شأنها أن تحمي حقوق الأقليات و المنشقين سواء عرقيا ، أو دينيا أو سياسيا.
– إن هاجس الوحدة والتوحد هو الطريق الملكي للانحرافات الشمولية، وهوس الطهارة و الصفاء يؤدي دائما إلى إبادة كل مختلف. لماﺬا؟ لأنه يهدد المجموعة النرجسية ويعرضها إلى الخطر٬ خطر الشك ٬ خطر زعزعة اليقينيات، ٬خطر الانقسام ٬ و ربما الاندثار . فالمختلف عرقيا أو دينيا أو سياسيا يعاش توهميا كعنصر ملوث ومسموم يهدد بكارة ونقاء جسد الأمة التي تماثلت في اللاوعي الجمعي مع جسد الأم الطاهرة.
يؤكد لنا فيلسوف الأخلاق ليفناس أن “الكائن يتحدَّد انطلاقًا من المعنى” أي أن ما يؤسس- ويصوغ هيكلية الإنسان إنما هي المسؤولية تجاه الإنسان الآخر. وهذه المسؤولية هي التي تعطي معنى ووقارًا وعظمة للوجود البشري.
و وفقا لهذا التعريف فالوجود البشري هو تعاطف الإنسان بالسليقة مع أخيه الإنسان و تماهيه الدائم مع الضحية ضد الجلاد و ضد المعتدي.
إذن، لماذا لا يشمل تضامننا إلا بني جلدتنا، ولا يتسع تعاطفنا إلا لأخواننا في الدين والملة، ولا تتحرك جماهيرنا إلا لمظالمنا التاريخية، ولا يلفت اهتمامنا إلا قضايانا الكلاسيكية؟
لماذا لم نتجاوز الانتماء العتيق إلى مجموعة القرابة الدّمويّة و”الجلدة”، وهل بوسعنا أن نتجرّد قليلا من هذا الانتماء، أن نخرج من القبيلة، لنتماهى مع الآخر المختلف؟
لنندد بمجازر المسيحيين في العراق وباضطهاد الأقباط في مصر و لنصرة الأكراد و لحماية جميع الأقليات في ارض الإسلام، لنبين للعالم الذي يحدق فينا أن صحتنا الذهنية والأخلاقية بخير!
ahikbal@yahoo.fr
جامعة الزيتونة- تونس
من يكترث لدم مسيحيي العراق ودموعهم في أرض الإسلام؟
stern — stern_43@yahoo.de
كاميليا شحادة ليست مسلمة ولنفرض كلامك صح فهل هذة طريقة للتعامل مع الوضع. هذا هو تعليم القرأن
من يكترث لدم مسيحيي العراق ودموعهم في أرض الإسلام؟
الى السيد ابوعمر
(انك امرؤ فيك وسطية) واختم بقول الجاحظ (الفاتر اسوأ من البارد) تاركا لك الكلمة الاخيرة , ان شئت.
من يكترث لدم مسيحيي العراق ودموعهم في أرض الإسلام؟ أبو عمر أخ risk أولاً أشكرك لأدبك في المداخلة الأخيرة ثانياً ما زلت لا أفهم طريقتك في التفكير.. وشخصياً لاأحب طريقة الرد والرد على الرد ولكن إليك التالي : المسلم المؤمن يعتقد يقيناً – وإلا لا يصح إيمانه – أن الإسلام أفضل من المسيحية ولا أقصد من حيث أصلها قبل التحريف فهي من عند الله..أم هل يجوز للمسلم أن يعتقد أن المسيحية المحرفةالتي تجعل لله ولداً والعياذ بالله أنها عقيدة صحيحة وسليمة؟ وهذا لا علاقة له بمعاملة المسيحين غير المحاربين بالحسنى والبر إليهم. وأما اعتقاد أن الحسين رضي الله عنه أفضل… قراءة المزيد ..
من يكترث لدم مسيحيي العراق ودموعهم في أرض الإسلام؟
أبو عمر
يا أخي سفسطة وكلام غير مترابط وغير مفهوم
أما اللغة العربية فأسأل الله أن يثبت سيبوية في قبره !!
وهذا المكان للتعليق..وليس للنقل عن طريقة النسخ واللصق لمن لا يجد مكاناً للنشر..
هداك الله
من يكترث لدم مسيحيي العراق ودموعهم في أرض الإسلام؟ أبو عمر يا إقبال المغربي كلامك ليس له طعم ولا لون ولا رائحة.. ولا أحد يريد أن يقتل المسيحيين في بلاد المسلمين.. بل حقوقهم محفوظة كما كانت على مدار التاريخ الإسلامي، العراق أرض محتلة تدور فيه حرب شرسة برعاية الأمريكان والموساد الإسرائيلي والروافض.. وقد قُتِل من أئمة مساجد أهل السنّة ما لا يمكن حصره.. وهُدمت مساجد أهل السنة من شمال العراق لجنوبها.. لماذا لم نر لك كتابات في هذا الشأن؟؟ وأنا أسألك سؤالاً؟ من يكترث لأعراض المسلمات السجينات في أقبية النصارى في مصر؟؟ (كاميليا شحادة,, ومن قبلها وفاء قسطنطين.. وأخواتهن..) ومن… قراءة المزيد ..