بيروت: وجدي ضاهر
فجأة، ومن دون مقدّمات، وصل رئيس الجمهورية اللبنانية الاسبق امين الجميل الى مقر السفارة الايرانية في بيروت ملبياً دعوة عشاء الى مائدة السفير غضنفر ركن ابادي.
ومن دون تفسيرات وتبريرات، إنبرى عدد من قيادات حزب الكتائب لايجاد الذرائع لهذه الزيارة غير المبررة لا بروتوكولياً ولا ديبلوماسياً. فرئيس جمهورية لا يزور سفارة، خصوصا ان السفير الايراني لم يقم بزيارة الرئيس الجميل لا في منزله ولا في مكتبه، أقله لكي تأتي زيارة الجميل ردا لزيارة.
إذاً، ما الذي أراد الجميل أن يقوله من زيارته غضنفر؟
المتتبعون لمواقف الرئيس الجميل منذ استشهاد نجله، وربما منذ تولي الرئيس الجميل رئاسة الجمهورية، لم يستغربوا قيام الجميل بهذه الزيارة. فهو درج على إحراج نفسه وحزبه ومن يعتبرهم “حلفاء”، هذا إذا كان الجميل الرئيس يقر بوجود أشخاص آخرين ليتحالف معهم، خصوصا على الساحة المسيحية.
ويشير هؤلاء أن الجميل وإثر إستشهاد نجله الوزير بيار زاره وفد من “حزب الله” معزيا ! ولأن فخامته حريص على الأصول، بادر بعد ثلاثة ايام من زيارة الوفد الحزب اللهي الى رد الزيارة الى مقر امين عام حزب الله حسن نصرالله لشكره على مواساته في مصابه الأليم! من دون ان تتوضح تفاصيل زيارة الرئيس الاسبق، ومن قاد به السيارة في دهاليز الضاحية، ومربعاتها وهل كانت عيناه معصوبتان، ام أن السيارة التي كانت توصله الى مقر الامين العام كانت مقفلة النوافذ!
وفي الانتخابات النيابية الاخيرة، تسبب الرئيس الاسبق بأكثر من مأزق في غير دائرة إنتخابية مطالبا بحصة حزب الكتائب! لكأن الحزب الذي ترأسه الجميل مؤخرا هو نفسه الذي ورثه عن والده وعمه موريس وشقيقه الرئيس الراحل بشير الجميل!
أول مأزق إخترعه الجميل كان بخوض معارك مع الحلفاء من أجل تأمين إيصال نواب كتائبيين على حساب الحلفاء في قوى 14 آذار في دوائر طرابلس عن المقعد الماروني ومقعد عاليه ومقعد زحله ومقعد الاشرفيه. وتسببت إدارته للمعركة الانتخابية في الدوائر المسيحية بخسارة فادحة في المتن حيث نجا نجله من الرسوب بأعجوبة مثيرة للجدل، كما مني سجعان قزي بخسارة مدوية في دائرة كسروان.
ويشير هؤلاء الى ان الكتائب من دون الحلفاء تستطيع تأمين وصول نائب كتائبي واحد الى المجلس وهو النائب نديم الجميل، لما أظهر من تمايز عن سياسة عمه ووضوح وثبات في المواقف السياسية وواقعية سياسية لا تنطلق من انتفاخ وَرَمي في الرأس ومن دون استنساخ ماضٍ لم يعد يجد له أرضية في الواقع.
الرئيس الاسبق يختار معارك دونكيشوتية ويستسيغ تعميمعها على الحلفاء لجعلها قضايا وطنية على غرار معركة استرداد منصبه كرئيس لحزب الكتائب بعد ان صادر المركز النائب الاسبق الراحل جورج سعاده الذي أطلق مقولة “من حزب المؤسس الى حزب المؤسسة” ومن بعده كريم بقرادوني. وعلى الرغم من ان رئاسة حزب الكتائب شأن حزبي داخلي، أراد الجميل جعلها معركة وطنية سياسية بامتياز ليتربع على كرسي رئاسة الكتائب!
والمعارك الدونكيشوتية للرئيس الاسبق لا تتوقف عن حدود استرداد الحزب، بل امتدت الى إذاعة صوت لبنان التي يريد استردادها ايضا. وعلى طريقة استرداد الحزب، يريد من الجميع التدخل لصالحه ليسترد “صوت لبنان”!!
ولأنه لا ينفك يمارس منطق “خالف تُعرف”، قرر سحب ممثلي الكتائب من الامانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار من دون مقدمات، متهما الامانة بتلقي مساعدات مالية يريد إقتسامها معهم. ولما اكتشف ان لا اموال ترد الى الامانة العامة، وجد حجة أخرى مفادها أن آداء الامانة العامة لا ينسجم وضرورات المرحلة وتطلعات حزب الكتائب!! من دون ان يعطي اي تفسير لموقفه.
ولدى تشكيل الحكومة عاد الورم الانتفاخي الى رأس الرئيس الجميل. فأراد ان يستأثر بحصة المسيحيين او بغالبية الحصة او بوزارة سيادية ليقبل لاحقاً بوزارة الشؤون الاجتماعية ولكن، بعد ان زار الرئيس سعد الحريري بيت الكتائب المركزي في الصيفي ليرضي غرور الرئيس الجميل، من دون ان يستطيع إرضاء النائب سامي الجميل الذي كان صوته عاليا ويصدح في أرجاء البيت المركزي مهددا ومتوعدا ومزمجرا يريد حصة معتبرة للكتائب في الحكومة. فما كان من والده إلا أن أوعز لعدد من الكتائبيين بإبعاد سامي عن الصالة المركزية ومدخل البيت المركزي كي لا يصل صراخه الى مسامع ضيوف البيت.
إنها، ببساطة، بعض نماذج من التصرفات غير المفهومة للرئيس الاسبق للحمهورية اللبنانية امين الجميل الذي كرّس بزيارته السفارة الايرانية سابقة بروتوكولية تحتم على سائر السفارات التأسيس عليها. وتاليا أصبح لزاما على الرئيس الاسبق ان يلتقي الديبلوماسيين الاجانب والسفراء في مراكز عملهم او على غداء عمل او على عشاء عمل في اي سفارة.
فلا يمكن للرئيس السابق ان يعتب على السفيرة الاميركية إذا إستدعته الى عوكر، او السفير الصيني او السفير الروسي او السفير الهندي او اي سفير آخر معتمد رسميا في لبنان، في حال أرسلوا له دعوة للقائهم في مقرات عملهم. فالسفير الايراني لم يزر بكفيا ولا الصيفي ولا سن الفيل في حين ان باقي السفراء زاروا الجميل، وهو اليوم عليه ان يرد لهم الزيارة التي قاموا بهاـ بدلا من رد زيارة للسفير الايراني لم تحصل.