“العراق اليوم بالنسبة لإيران هو كما كان لبنان بالنسبة لسوريا”، ترنم بهذه الجملة سياسي عراقي أثناء اجتماع إحاطة، لم يكن للنشر، عقد مؤخراً في واشنطن. وعادة ما يعبر العراقيون وحلفاء أمريكا من العرب والكثير من الدبلوماسيين والجنود الأمريكيين عن هذا الشعور الذي مفاده بأن الولايات المتحدة قد أزالت ألد خصم لإيران — وهو نظام صدام حسين — ثم سمحت لطهران بأن تصبح القوة الخارجية الأكثر نفوذاً في العراق.
لكن هل هي حقاً “لعبة، كسبتها إيران وأُعدت لتناسبها”؟ إن أي تقييم لنفوذ إيران في العراق يجب أن يركز على استعراض مصالح طهران وأهدافها مقارنة بمنافستها وجارتها التاريخية. ففوق كل الاعتبارات الأخرى تسعى طهران لمنع العراق من استعادة [مركزه] كمصدر تهديد عسكري أو منصة إطلاق لهجوم أمريكي.
وقد تم تحقيق بعض هذه الأهداف، على الأقل للعقد الحالي، من خلال الإطاحة بنظام صدام، واجتثاث البعث من الأجهزة الأمنية، وارتقاء المعارضين المسلحين السابقين إلى قيادة عراق ما بعد صدام.
إن القيام بشن هجوم على إيران أو دعم مثل هذا الهجوم سيكون ببساطة أكثر صعوبة للسياسيين العراقيين الذين اعتمدوا على إيران لحمايتهم خلال العقود الثلاثة الماضية من الحكم البعثي، والذين غالباً ما شكلوا قضية مشتركة مع طهران ضد الجيش العراقي. وهذا أحد الأسباب وراء دعم إيران لحلفائها العراقيين في جهودهم المستمرة لاجتثاث البعث وسبب تفضليها عدم رؤية ظهور كتلة وطنية جديدة من الطوائف المختلفة في العراق.
وبتطلعهم للمستقبل، سيسعى أنصار إيران في الحكومة العراقية إلى تعقيد مهمة التفاوض على اتفاقية أمن أمريكية عراقية بعد عام 2011، والحد من حجم وفعالية المساعدة الأمنية الأمريكية لقوات الأمن العراقية الخارجية. وعلى الرغم من أن التشدد التي تدعمه إيران في العراق يشكل مصدر إزعاج في العلاقات بين البلدين، إلا أن «فيلق القدس» في “الحرس الثوري الإيراني” المسؤول عن العمليات خارج إيران سيحتفظ بقدرته على استهداف العسكريين الأمريكيين والدبلوماسيين والمواطنين العراقيين، الذين يمكن أن يشكلوا أحد مصادر الردع ضد أي ضربة عسكرية أمريكية أو إسرائيلية على إيران — وهو السيناريو الذي يمثل كابوساً للجنرالات والدبلوماسيين الأمريكيين في العراق.
وفي الاقتصاد العراقي، أقامت إيران ميزان تجاري واقتصادي ذو تبعيات مشتركة تحابي طهران وتحميها، إلى حد ما، من التأثير المحتمل لقيام هجمات مسلحة في المستقبل أو فرض عقوبات. ويمكن القول أن إيران قد استفادت من منهج “الملكية الحكومية” الذي تستخدم فيه الصناعات المملوكة للحكومة والمؤسسات الدينية الخاضعة لنفوذ “فيلق الحرس الثوري الإيراني” (بنياد) كأدوات للقدرة السياسية على إدارة الدولة. ومنذ عام 2003، كانت الحكومة الإيرانية تشجع محافظات العراق الشرقية على الاعتماد على التمويل الإيراني لمنتجات الوقود الحيوية المدنية مثل غاز الطهي وزيت التدفئة ووقود المركبات، فضلاً عن الدعم الإيراني لشبكة الكهرباء العراقية. وفي المستقبل، ربما يقوم العراق باستيراد الغاز من إيران، في حين قد تعرض إيران زيادة القدرة التصديرية للنفط العراقي من خلال استخدام موانئها، مما يعوض عن الاختناق المحتمل للبنية التحتية التصديرية الجنوبية المتخلفة في العراق.
لكن، تُظهر إيران دورياً قوة موقفها في مثل هذه العلاقات حيث تقوم بقطع إمدادات الوقود والكهرباء في الشتاء والصيف، فقط عندما يكون العراقيون في أشد حاجتهم إليها. وقد أدى ذلك إلى قيام مخاوف من إمكانية قيام إيران بتهديد القدرة التصديرية للنفط العراقي في المستقبل، ولا سيما إذا أرادت طهران الاحتجاج على معاملة المجتمع الدولي لها أو إذا أرادت الحد من قدرة العراق على استبدال الإنتاج الإيراني في السوق العالمية.
إن الطبيعة المتشظية وغير المنتظمة للسياسات العراقية قد سمحت لإيران توفير التمويل [اللازم] للحملات الانتخابية والدعم الإعلامي والتوسط لدى القوائم السياسية العراقية، وأيضاً الدعم شبه العسكري للجماعات المسلحة. لكن ثبت أن الدعم الذي تقدمه إيران يأتي في كثير من الأحيان بنتائج عكسية، وخاصة للحليف العراقي الأقدم لإيران — “المجلس الأعلى الإسلامي العراقي” وهو الحركة التي تجنبها الناخبون العراقيون لارتباطاتها مع إيران، وهي تبدو الآن على خلاف مع طهران بسبب دعم إيران للمالكي. كما أن الغارات الحدودية الإيرانية ودعم طهران للميليشيات وقيامها بتحويل منابع الأنهار العراقية، كل هذه تثير انتقادات منتظمة من قبل العراقيين من كافة الجماعات العرقية والطائفية. وربما تواجه إيران مستقبلاً تنمو فيه القومية العراقية كقوة، في حين يتلاشى الحصاد الحالي من السياسيين الموالين لإيران. إن كل ذلك يشير بأنه سيتعيّن على إيران — كما للولايات المتحدة — الاستمرار في التنافس على النفوذ في العراق، عاماً بعد عام، وعقداَ بعد عقد.
مايكل نايتس زميل ليفر في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران واليمن ودول الخليج العربية.