ماكان مما رأيناه في دولة تشيلي في عملية إنقاذ ثلاثة وثلاثين من عمّالها، من أعماق منجم سان خوزيه وقد أطبقت عليهم الأرض أثقالها، مشهداً يأخذ بالألباب والنفوس وتتساءل مالها.
قوة المشهد وعظمته ابتداءً من آب/أغسطس وانتهاءً في الأسبوع الماضي، كانت مثيرة بكل جزئياته وكلياته. من منجمٍ هرِمٍ لاستخراج النحاس الذي احتوى أناساً كادحين، اعتادوا أن يجمعوا من قسوة تربته وصلابة صخوره الطريَّ من لقمة عيشٍ لعيالهم، والكريمَ من الحياة لعوائلهم، انكتمت عليهم أنفاسه سبعين يوماً هي زمن طويل لايقدّرها بعض قدرها إلا من علق لبعض ساعة في مصعدٍ مهترئ في عمارة متداعية مالكها طمّاع جشِع، إلى العاملين من المسؤولين من كافة الأطراف على مدار الثانية عزماً وتصميماً وعملاً وجهداً وخططاً فوق الأرض، إلى صمود العمّال وتمسكهم في الحياة وتعاونهم حتى خروجهم من أزمتهم تحت الأرض، وإلى الحضور الرئاسي والحكومي والشعبي من عوائلهم وناسهم واستقبالهم لمفقوديهم بدموع الفرح وإشارات النصر وأغاريد الوطن الواحد تلو الآخر يوم العرض. ولعل أكثر فقرات المشهد عاطفة وإثارة كانت عند خروج أوراثوا بينيرا آخر العمال ملفوفاً بعلم تشيلي من كبسولة الإنقاذ بالطريقة المعروفة والتي شاهدها العالم على التلفزيونات، والذي كان هو نفسه مسؤول العمال الذي تولى مهمة تنظيم حياة المجموعة داخل المنجم عقب الحادث، وبقي مشرفاً على إنقاذهم إلى أن لم يبق أحد، وكانت صرخته على وقع النشيد الوطني وهو يعانق الرئيس التشيلي الذي كان في انتظاره عند فتحة الإنقاذ: شكراً لتشيلي كلها ولكل الذين ساعدونا، إنني فخور كوني تشيلياً.
بعض جزئيات المشهد وخصوصياته غطّت على عمومياته وكلياته، فتكلم من تكلم باكياً الأحوال عندنا، وحاسداً شعوب الأرض على ماعندهم، وتمنّى من تمنّى أن لو كان تشيلياً، وأن حكومته هي حكومة تشيلي الحريصة والأم الرؤوم لشعبها، وأن رئيسه سيباستيان بينيرا الأب الحاني والرؤوف لمواطنيه. وتساءل متحسّراً من تساءل عما يُتوَقّع فعله لو كانت الكارثة لمواطنين بيننا.
من المفترض أن يكون انهيار منجم سان خوسيه العجوز كارثة إنسانية، وإنما بالجهود التي بذلتها حكومة تشيلي ورئيسها محلياً ودولياً تحولت الحادثة إلى وسامٍ على جبين تشيلي كلها التي تجلّت بإنقاذ مواطنها ولو في أعماق منجم. ومن ثم فكثيراً ماقيل عن مقارنات بين حكومة تعمل على إنقاذ مواطنيها وخلاصهم، وحكومات ورؤساء وأجهزة أمن عن آهات فقرائنا وصراخ مضطهدينا في صمم، وعن دموع محتاجينا وحيرة شبابنا وجوع جائعينا، ومتاعب عواجيزنا وفاسد فاسدينا وسرّاقنا في عمى، بل قدرتها لاتوصف في متابعة مواطنها وتعذيبه ومرمطته وبهدلته ولعن سنسفيله والعكننة عليه سواء كان داخل الأوطان أو خارجها في أقصى الأرض أو أدناها، ولو في قاع منجم ماله من قرار، كما تأكّد أن إخراج عدد من المحتجزين في أعماق مئات الأمتار في بلد يتمتع بالحرية والديمقراطية على الطريقة التي شاهدها أكثر من مليار من العالمين لأهون من إخراج صبيةٍ لم تبلغ الحلم بعد أو شيخ ثمانيني عجوز في سجنٍ ما لدولة قامعة مستبدة.
قال من قال من مواطنينا المقهورين: إني مسافر إلى تشيلي فمواطنهم ذو شأن ولو في أعماق منجم.
فرد عليه المسؤول بعين قوية وبلهجة كلها عناد وجَكَر: امض حيث استطعت ولو إلى غيابات منجم، فنحن وراء وراء مواطننا أينما كان والزمن طويل، كما المسؤولين في تشيلي لافرق، وإنما في إحصاء نبضاتك وأنفاسك، ومتابعة حركاتك وسكناتك، ومعرفة طعامك وشرابك، ومايدور في قعداتك وسهراتك، وماتقوله وماسوف تقوله في همساتك، فهل تريد ياهذا اهتماماً منّا أكثر من هذا؟ إن إلقاء ملامتكم علينا دائماً لاينجيكم، فنواياكم معروفة ومكشوفة، وإلا ماذا يمكن أن تفعلوه كمواطنين تجاهنا وماذا يمكن أن يكون حالنا، لو أننا حكومةً ومسؤولين علقنا في منجم من مثل منجم تشيلي السحيق ..؟
انعقد لسان مواطننا مما سمع وإنما راح يهمهم: اعلقوا وما عليكم فلكل مواطن طريقته مما يقال ومما لايقال، وإنما حالكم والعياذ بالله لو ضمكم منجم فأنتم بما يكون أعلم، ولكن لو ضمّكم قَبر فإن الله به وبكم عليم، وإنما أمركم في الحالين خلاص وخير عميم. فمافعله التشيلييون حكومة وشعباً من عملٍ إنساني بإنقاذ عمال منجمهم العالقين فيه، هو دليل أكيد على أنهم خلصوا من جنرال قامع اسمه أوجستو بينوشيه ومما كان معه من قوانين طواريء ومحاكم عسكرية جاهزة، وأجهزة أمن قامعة وتغييبٍ للمعتقلين وإخفائهم، فغدا لمواطنيهم وكادحيهم من بعده كرامة وحقوق، استوجبت مااستوجبت من الجهد والعمل لإخراجهم وإنقاذهم، وشـكرهم لتشيلي وليس غير، وتلك كانت كلمة السر لمن غفل عنها في عمل دؤوب وشجاع لجهات مسؤولة ورشيدة قرابة سبعين يوماً لإنقاذ بضع وثلاثين عاملاً لم يكن يعرفهم أحد قبل كارثتهم، وغدوا من بعدها مشاهير وأعلاماً، وحكاية يرويها الآباء للأبناء والأحفاد …!!
cbc@hotmailme.com
* كاتب سوري- دمشق
لو علقت الحكومة في منجم، ماذا سيفعل المواطنون..؟
تدمير البلدان على اساس طائقي هو اخطر من القنبلة النووية واخطر الافكار السرطانية الخبيثة بان يندمج العرق بالدين كما في هو حاصل في النظام الايراني الميليشي الفارسي السرطاني من جهة والذي يريد استعمار المنطقة والعالم بواسطة الميليشيات الارهابية وباستخدام الشعارات كالمهدي وال البيت والمقاومة والممانعة والحقد التاريخي واستغلال قضية فلسطين وغيرها لعمي البصر. ومن جهة اخرى الصهيونية التي دمرت امريكا خلقيا بان قادتها لحروب اللاخلاقية ودعمت الديكتاتوريات والانقلابات والجمولكيات الاجرامية في المنطقة نيابة عن الصهيونية وذلك للحفاظ على امن اسرائيل المزعوم وليس لاقامة العدل بين البشر ومنها سحق الشعب الفلسطيني.