الرياض – تركي الروقي
لم يكن المشهد عابرا في تاريخ العلاقات السعودية- السورية عندما خرج العاهل السعودي الملك عبدالله برفقة الرئيس السوري بشار الأسد من الطائرة “السعودية” التي هبطت في أرض لبنان .
قبل ذلك بأشهر معدودة لم يكن لأشد المتفائلين بتطور هذه العلاقات أن يسرح به الخيال ليتوقع ذلك.. كان أكثر “الباسمين” في حينها نبيه بري رئيس المجلس النيابي مخترع معادل “س س” التي على وقعها يسير الوضع الداخلي اللبناني، لكن بري تجاهل الألف الإيرانية الممدودة والطويلة والمتشعبة في المنطقة والتي لم ولن يتخلى عنها السوريون في الأمد المنظور.
لم تكن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان غائبة عن مشهد “الطائرة”، فقد شكلت خلفية كل مشهد يمر بالعاصمة السورية، لكن مهندسي التقارب السوري – السعودي اعتقدوا أنها ستزاح عندما يقول الحريري أن اتهام سوريا (مختصرا سوريا إلى نظامها) كان سياسيا وأن شهود الزور ضللوا التحقيق وإن..
تاريخ تعامل القيادة السورية مع خصومها يؤكد أن قول الحريري هذا كان مطلبا سوريا، لكنه تأجل حتى الوقت المناسب.. ويعتقد فريق كبير من 14 آذار أن ذلك كان فخاً سورياً محكماً للحريري الذي لم يتعامل معه بحنكة الشيوخ بل تعامل مع ذلك ببساطة سهلت إيقاعه في فخ شهود الزور الذين يرفع رايتهم حزب الله متخذا من جميل السيد واجهة إعلامية وعنوانا لذلك.
آخرون ينفون ذلك ويؤكدون أن الحريري ما كان من الممكن أن يقول ذلك لـ “ للشرق الأوسط” تحديدا لولا طلب الرياض منه ذلك، على إيقاع التفاهمات، وضمنا تأكيدات ببقاء المحكمة الدولية واستمراريتها.
بغض النظر عن قدرة أوعدم قدرة أي دولة على التأثير على مسار هذه المحكمة كونها “مستقلة” ونتاج قرار دولي.. الخ
لم يسلف حزب الله أحداً أياًّ من أوراقه في فترة التقارب السوري- السعودي وفضل زعيمه الانتظار ليرى كما صرح في حينها، لكنه فيما بعد لم يعتبر ما قاله الحريري كافٍ، بل يجب أن يتبعه نسف المحكمة برمتها إن كان يريد أن يطوي صفحة الداخل ويقود حكومة مستتبة وبلدا مستقراً لا ، تتخلله “ أيارات” جديدة كما يؤكد أداء الحزب على أرض الواقع
ارتفعت نبرة نواب المستقبل في الرد على “الانقلاب” الذي مازال أبيضا ويقوده حزب الله ضد الحريري والدولة اللبنانية. وانفتح السجال الإعلامي على مداه الأقصى مذكرا بفترة “ثورة الأرز” لكن هذه المرة حزب الله وحلفاء سوريا في وضع الهجوم وليس الدفاع
يرى مراقبون أن الرياض أيضا فوجئت بذلك، وماكانت تتوقعه، لكن السياسة السورية مازالت تسير على إيقاع المحكمة الدولية ولا تثق كليا بالتطمينات طالما أن المحكمة قائمة ودولية، ولاشيء يمنع من إعادة “شربكتها “ في هذه المحكمة عبر حليفها “حزب الله”.. على الأقل عبر فقدان سلاحه الذي هو أثمن ورقة بيد السوريين في انتظار مفاوضات الوضع النهائي لسوريا مع اسرائيل وكذلك هو أحد الأوراق الإيرانية المهمة في مآلات مسار مفاوضات سلاحها النووي مع الغرب والعالم
القضية لدى حزب الله الآن شهود الزور وليس اغتيال الحريري فـ”الرجل مات” كما يقول جميل السيد الذي يقود مواجهة حزب الله ومن خلفه سوريا ضد المحكمة
الرياض تدرك المنابع الأساسية لما يقوله السيد وما يقوله حزب الله لكنها كعادتها تفضل الصمت والتروي، لكن ذلك لا يمنع إرسال إشارات بأنها تدرك ذلك فيكتب جميل الذيابي في الحياة السعودية “ تساءل المراقبون:هل يعقل أن يعود السيد من دمشق من دون أن يناقش ماسيقول في بيروت؟” والذيابي يعرف بأن الإجابة نعم لكنه لايقولها .
ويؤكد الذيابي “عالماً”على وجه اليقين بذلك” خطوط الاتصالات بين الرياض ودمشق اليوم مفتوحة والعلاقات جيدة جدا، وليست كما كانت عليه بعد اغتيال رفيق الحريري، وهو ما يستدعي من سوريا توضيح الأمور…”
بينما يرد في افتتاحية صحيفة الوطن اليوم “لم تكن مستغربة التصرفات غير الحكيمة التي قام بها الحزب فمنذ عام 2006 وهو يتصرف مع الدولة اللبنانية باعتبارها مكسر عصا ومطية لتحقيق أهدافه وطموحات مموليه الإقليميين الذين أثبتوا أنهم ليسوا في مستوى المسؤولية السياسية ولا الأخلاقية لحفظ أمن واستقرار لبنان ” .
والمتتبعون لأداء النظام السوري في الفترة التي تلت اغتيال الحريري يرون أن ما يهم النظام السوري في هذه الفترة المضطربة في المنطقة الحفاظ على مصالحه، وحمايتها قبل الإيفاء بأي التزامات كان قد قطعها أو ترتبت عليه نتيجة التقارب مع السعودية.
ملف لبنان على أرجحيته ليس الوحيد في سماء العلاقة السورية- السعودية، هناك إيران ايضاً ودائما في المشهد الخلفي للعلاقات السورية مع محيطها العربي والإقليمي والدولي، وإيران هي الآن في صلب المشهد العراقي للدرجة التي يتفاوض معها الأمريكان بخصوص تشكيل الحكومة العراقية المتعثر.
ويؤكد مراقبون أن أحد التفاهمات السورية -السعودية كان حول دعم تكليف القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي لتشكيل الحكومة العراقية، لكن دمشق لم ترى أن الالتزام بهذا التفاهم يحوز الأسبقية على تفاهمات مع أطراف أخرى، فإيران لا تريد علاوي بل تفضل المالكي، وعليه يمكن أن تمضي دمشق في تبني الخيار الإيراني هذا، وإن تعثر قد تصل إلى مرشح مرضي عنه إيرانيا لكنه بالتأكيد ليس علاوي؛ الذي تفضله السعودية دون أي دعم معلن وفق الطريقة المحافظة للسياسة السعودية نفسها.
الفترة القادمة ساخنة لبنانيا في سجل العلاقات السورية السعودية لكن الرياض تفضل دائما التريث وإعطاء الفرص حتى استنفاذها لكنها تتخذ “إجراءات “ صامتة على الأغلب. هذا ما يمكن أن ننسبه إلى خبير في العلاقات السورية – السعودية .
موقع “الوئام”