تصادف هذا العام، الذكرى السنوية العشرين، للإعلان عن “سيادة دولة روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية”. من قبل مؤتمر مجلس نواب الشعب الروسي؛ هذا وكان الإعلان، قد أصبح وكما يعتقد الكثيرون، معلما هاما، في عملية تفكك الاتحاد السوفياتي، وبزوغ “اتحاد الدول المستقلة – الكومنولث” على أنقاضه، وبما فيها جمهورية روسيا الاتحادية.
وقد أقر إعلان السيادة، بالإجماع تقريبا، بالرغم من حضور ومشاركة، نواب ذوي وجهات نظر سياسية مختلفة، في التصويت. فكان الإعلان هو الوثيقة الوحيدة تقريباً ـ التي تمت الموافقة عليه “بالإجماع”، أما القضايا المتبقية والمطروحة للتصويت، فقد دار حولها صراعا شرسا.
ويبدو هذا الحدث اليوم، مختلفا تماما، ليس كما في ذلك الوقت، حيث تمكن الكثيرون، وعلى ما يبدو في موجة الحماس الناجمة عن المتغيرات الديمقراطية، (آنذاك – خارج قوسين)، أن يوفِقَ بين متناقضين. وبدا آنذاك، بأنه يمكن الجمع، بين سيادة روسيا، مع استمرارية الدولة الاتحادية الواحدة (والتي “تضم، أسرة الشعوب الشقيقة”).
ومع ذلك، كان تصور المسار التاريخي لروسيا، بأنها أقرب إلى الرأسمالية “البدائية”، والذي أطلق على هذه المرحلة، في وقت لاحق، “مرحلة التراكم البدائي”.
ولكن ماذا حدث وما يحدث اليوم في روسيا؟
إننا نرى، بأنه لدى روسيا الجديدة اليوم (تعريف مثير جدا للجدل، وخاصة لبلد، يملك تجربة قرون عديدة من التاريخ)، فرصة اختيار تاريخي للتطور والتنمية الاقتصادية. فلو كان الهدف – بأن تسير البلاد، على درب الاشتراكية العلمية الحق، أو السير بها، نحو الإصلاح التدريجي بأتجاه الرأسمالية الحديثة المنتظمة.
فإننا نرى، بأن روسيا تمر حاليا، في فترة من الصعب، تعريفها وتحديد ماهيتها: إنها كتلة من مخلفات النظام الاقتصادي السابق (حيث لا تتوقع البلاد، بأن تحقق من اقتصادها أرباحا هائلة)، بسبب الرأسمالية “البدائية” القائمة، حيث نرى “حلة” مالية متجلية “بالأغنياء الجدد – نيو ريشيزم”، العاملين في أطر سياسية، وتنظيمية، تحمل تسميات “قديمة – جديدة” مختلفة!
ونلاحظ مع الجميع، بأنه يحالف النجاح، تطور الإنتاج الصناعي، بفروعه المختلفة والمتخصصة بالتصدير: كالنفط والغاز والفحم والمعادن الطبيعية، والأخشاب المستديرة، وكذلك إنتاج المعادن، إضافة لغيرها من الصناعات، التي تعتمد على سوق الاستهلاك المحلي، والتي يتم العمل، على المحافظة عليها بشكل مصطنع، أو (يتم العمل على إضعافها بشكل مفضوح)، لصالح تصريف المواد المستوردة.
كما نلاحظ أنه، بفضل فائض الأرباح، من عائدات التصدير، تم البدء بالعمل على مواصلة تطوير التصنيع العسكري، في الوقت الذي كان يعمل فيه أساسا للتصدير فقط؛ أما ما لا يمكن بيعه، فمن الصعب استخدامه بشكل مربح، كالعلوم والتعليم والثقافة والطب – فتُتبَع فيها سياسة، “شد الأحزمة” على البطون.
أما الملامح الرئيسة، لروسيا اليوم (روسيا الاتحادية) – فهو التناقض بين التيارين: الخط الليبرالي في الحكومة، وسياسة الردة (العودة للماضي) في الاقتصاد، والقائمة على خلفية بقايا الإقطاع في بعض المؤسسات الحكومية، وفرض القيود على حقوق المواطنين – وبالتالي إبقاء البلاد، في حالة من الذهول الاقتصادي والسياسي.
وبإلقاء، نظرة خاطفة، على الحالة الاقتصادية، والتنظيم الاجتماعي السائدين، نرى أن روسيا لا تزال واقفة، عند مفترق طرق، ولم تحدد بعد، طريق توجهها التنموي، الخاص بها. حيث يعتمد هذا المجتمع الذي تحكمه الطبقة العليا من الحزب الحاكم، والقيادة العسكرية والاقتصادية، على الأنظمة والقوانين التي تسنَها هذه القوى بذاتها ولذاتها.
ومن الجدير بالملاحظة، أن تعداد العاملين في الأجهزة الإدارية في روسيا، يزداد مقارنة مع الحقبة السوفياتية، ب 10 أضعاف، ولا يزال مستمراً في النمو، مع زيادة الفروع الجديدة، والهائلة، للبيروقراطية المرتبطة بمؤسسات “حكم الإدارة المحلية”.
الآن، وبعد أن تمت إعادة توزيع الملكية (الخصخصة) في روسيا، أصبح على عاتق قادة البلاد، تحديد في أي اتجاه يجب أن تسير دفة الحكم – على النمط الأمريكي أو السويدي أو الصيني أو إيجاد نمط روسي (لخصوصية البلاد) يجمع الأخيرين معاً؛ وللانتقال إلى هذا أو ذاك النوع من الاقتصاد، لا توجد أي متطلبات موضوعية. فكل ما في الأمر، أنه لو رغبت الطبقة العليا الحاكمة، والقلقة على مصالح الشعب فعلاً، فمن الواضح أن تكون الإجابة – بما يخدم سواد الشعب الروسي لخصوصيته، ومن المحتمل أكثر، النمط السويدي – الصيني، للتنمية.
وهذا، لا يحتاج إلى أي اجتهاد خاص واستثنائي – فالضروري فقط، العمل على “إيقاظ”ـ خطوط إنتاج السلع الاستهلاكية، من حالة السبات التي تعيشها، والعمل على خلق الظروف التشريعية والاقتصادية المواتية، لخدمة تنمية وتطوير الشركات التعاونية الصناعية، الصغيرة والمتوسطة الحجم.
وسيؤدي هذا بالتالي، إلى تشكيل عدد كبير من فرص العمل، وبالتالي، ستمهد هذه المبادرة الطريق للعمال، لتحسين ظروفهم المعيشية، وظروف أطفالهم وشيوخهم، وخلق شروط أفضل، لزيادة سوية الحياة لديهم.
وهناك، طريقة أخرى أيضاَ، وهي “السير في عملية الإصلاح للنهاية”، فيتفاقم الوضع المعيشي للسكان الروس. لتتكرر تجربة بداية القرن العشرين، من خلال حتمية الطريق المقترح، ولكنه لن يأتي بذاته، لأنه سيتعين للوصول إليه، درب كفاح طويل، منها إقامة أحزاب ونقابات، وغيرها من المنظمات، والتي ستدافع عن مصالح العمال وأسرهم، وتعمل على زيادة تمثيلهم الشعبي في جميع أجهزة الحكم والإدارة.
وأخيراً وليس آخراً، لقد حان الوقت لندرك أنه “يمكن للسواد من أبناء روسيا الأغنياء، وعلى مختلف أصولهم ومشاربهم، بأن يجعلوا بلادهم غنية”. فلا تزال روسيا صامدة وممتلئة بالحياة، على الرغم من الضرب المبرح الذي تتلقاه أحياناً، من جراء العواصف السياسية والاقتصادية التي أصابتها. وكذلك لا تزال صامدة، دول أخرى من دول – جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. بالرغم من مشاكلهم الخاصة، فلكل بلد ظروف معيشة وظروف موضوعية تختلف عن الأخرى – والجميع يعيش اليوم، في حالة غليان.
هل زادت فرص الحرية في العشرين عاما هذه؟ ربما نجيب، نعم. كما ردد فيسوتسكي بأغانيه، (وهو أحد المطربين الروس المشهورين)، لو فُتِحَتْ الحدود، كما تٌفتح “بوابات الكريملين”؟ فلتفتح لأولئك، اللذين لديهم، المال الوفير، ولكن بدعوتهم للعمل فقط – أليس هذا الأمر سهلاً – بالفعل؟.
هل تنمو الأعمال التجارية الخاصة؟ انتظرت الأغلبية، وانتظرنا كالجميع، والجميع حصل، على ما هو موجود. ولكن، ومع كل ما حصل، فلا تزال الفرص متاحة ومتوفرة، للاستفادة من إمكانية المؤسسات الخاصة المتوسطة، حيث لا تزال هذه المؤسسات تعمل بحيوية، وعلى الرغم من كل أنواع البيروقراطية والفساد المستشريين، في كل مكان تقريباً.
هل تم الحفاظ على الثقافة؟ هنا ، يمكن القول أن “هذا المريض، لا يزال باق على قيد الحياة”، بدلا من القول “بأنه ميت”، على الأقل، ليس كل شيء اليوم مخيفا، كما بدا لنا، منذ بضعة أعوام. واليوم يدور الحديث، عن نهضة المسرح والسينما. وكذلك عن إقامة، المعارض والحفلات الموسيقية، والتي لا تزال فرصة مشاهدتها متاحة، على الأقل.
الخصخصة الأولى: ومنها خصخصة الشقق – وهو أول، نوع من أنواع الملكية الخاصة، في روسيا. فمن المحتمل أن يكون لها يوما ما، نتائج عكسية، بسبب بعض القوانين الضريبية، ولكنها كما ذكرنا كانت هذه الفرصة، بالنسبة للكثير، الفرصة الأولى والوحيدة تقريبا، في مجال الملكية الخاصة.
و”حول توفر المنتجات اللحمية” في المتاجر – من الواضح، أن المنتجات اللحمية مثل النقانق والمرتديللا، ذات أنواع مختلفة وتتناسب مع كافة الأجور والمعاشات والرواتب التقاعدية. ومع ذلك، فهي متوفرة اليوم، للجميع وحسب دخلهم الشهري. لتتناسب بالنوع والكم، حسب هذا الدخل. كما تم في روسيا ما يسمى ب “ثورة السيارات”. ففي شوارع وطرق روسيا “الشهيرة”، نجد المزيد والمزيد من الخيول الحديدية، وبأنواعها المتنوعة والشهيرة. ولكن ما ظهر، وعلى ما يبدو أن الطرق في روسيا غير مهيأة، لهذا الكم والنوع من الخيول الحديدية.
كما نعرف جميعنا. لم يكن بالحسبان، انهيار الاتحاد السوفياتي، بقوته الهائلة، فقد كان مفاجأة صريحة للكثير. وخلف انهياره خسائر كبيرة جداً، ولكن هذا هو فقط، ما ورثه أبناء روسيا اليوم. ولكنهم ونحن معهم نأمل فقط، بالاستمرار والوصول للعيش الرغيد، ولكن ذلك لن يكون إلا بالاعتماد على الذات فقط .
وفي الأمس القريب، أعلنت روسيا عن بيع أصول لها بقيمة 30 مليار دولار (1 تريليون)، وضمن برنامج الخصخصة هذا، أعلنت قيادة البلاد، عن عزمها بيع أنصبة صغيرة، في 11 شركة حكومية. مما لاقى صدى كبيراً في عواصم العالم. و هذا ما، سنسرده برؤيتنا:
عشرون عاماً قادمة على “سيادة روسيا الاتحادية”
يرجو الشفاف من الأستاذ عادل موسى أن يوافيه بعنوانه الإلكتروني