البعض وجد في طيات كلام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ليل اول من امس اشارات تهدئة خلافاً لما كان هؤلاء يتوقعونه من تصعيد، ولكن البعض الآخر وممن يعرف دواخل الحزب وعقلية قيادته علم عِلم اليقين أن هذا الكلام انما هو فصل ثان من فصول الحرب الاستباقية الشرسة المفتوحة على مصراعيها التي قرّر سيد “حزب الله” شنّها على المحكمة الدولية ورعاتها المحليين والاقليميين والدوليين، التي ارادت ان تنهي مهمتها بتطويق الحزب بشبهة وتهمة وتحميله وزر جريمة، بعدما اوشكت مهمتها الاساسية الأولية على الانطواء.
واستطراداً ثمة من يرى بأن السيد نصرالله يريد ان يعاقب ضمناً من حمل اليه بسذاجة قبل فترة قصيرة عرضاً عنوانه كما يقول بعض قادة الحزب: “عليك يا سيد ان تتحملنا، وبالتالي تقبل بأن يكون ثمن دم رفيق الحريري بضعة عناصر من حزبك ضبطوا في حال تفلّت وتمرد وغير منضبطين”.
بالنسبة الى دوائر القرار في الحزب ان في توقيت العرض وظروف طرحه “لعبة خبيثة”، فالعرض جاء مباشرة بعد زيارة كان قام بها الرئيس سعد الحريري لدمشق، وعليه فان المخبوء بالامر هو ان دمشق حليفة الحزب التاريخية هي إما على علم مسبق بالعرض وتوافق عليه خصوصاً انه ينأى بها نهائيا عن “التهمة” التي أُلبست قميصها وحاصرتها لنحو 4 اعوام ونصف واما انها لا تعارض ضمناً مسار الامور وتوجيه أصابع الاتهام نحو الحزب.
ولم يعد خافياً على الدوائر اياها ان المحيطين بالرئيس الحريري حاولوا اخيراً تعميم هذا التوجه وترسيخه على أسس ثابتة، وذلك عندما عمدوا بعد الخطاب الاول للسيد نصرالله نهار الجمعة الماضي الى تعميم مناخات فحواها:
– ان الرئيس السوري بشار الاسد فوجئ بمضامين خطاب السيد نصرالله لدرجة الاستغراب حتى ان المناخات نفسها شاءت أن توحي وكأن الرئيس السوري يتبرأ من هذا الكلام ولا يستسيغه وبالتالي فالنظام السوري لا يجاري “حزب الله” فيما هو ذاهب اليه حالياً.
– ان دمشق باتت اقرب في توجهاتها الى الوقوف على الحياد واستطراداً ليست في وارد العمل على نزع علاقاتها الآخذة بالتطور على الرئيس الحريري وتياره كرمى لعيون “حزب الله”.
والواضح ان المحيطين انفسهم كانوا وراء الاصرار على تعميم الخبر الذي اوردته صحف اخيراً عن ان السلطات الامنية السورية سحبت من مراكزها الحدودية اسماء عناصر قيادات من “تيار المستقبل” كان محظوراً عليها دخول سوريا في السابق.
مهما يكن من امر فالواضح وبحسب متصلين بالدوائر اياها ان الحزب بات يملك “خريطة طريق” جلية المعالم العريضة والتفاصيل بالسبل التي بات يعتقد جازماً انها ستفضي الى اجهاض المحكمة ونسف أسسها حتى قبل ان تلفظ قرارها الظني.
ولم يعد جديداً القول أن المحطة الاولى بدأت في كلام “يوم الجريح” (الخميس ما قبل الماضي) حيث ابلغ السيد نصرالله حينها من يعنيهم الامر بأنني ارفض عرضكم واعتبره حرباً عليّ لا تقل خطورة عن حرب تموز التي قادتها اسرائيل قبل اربعة اعوام بالتمام والكمال.
وفي المحطة الثانية من الهجوم الدخاني اول من امس قال السيد نصرالله لمن يهمه الامر، وبصريح العبارة: “انني اعطيكم فرصة للمراجعة فعندي وقائعي وهذه طروحاتي لكي تعودوا عما شرعتم به، وبالتالي لن اسمح لكم بأن ترتاحوا انتم وتنتظروا صدور القرار ببرود اعصاب وتتركوني اعيش على صفيح من التوتر، فانا قادر على رد كرة النار اليكم، لذا انا قررت أن آتيكم من حيث لا تحسبون”. وعليه فان العارفين ببعض الخطوط العريضة لخطة الحزب للمواجهة يدركون ان هذا الكلام هو جزء اساسي من “خريطة طريق” لنسف المحكمة والقرار فهو يرمي الحجة على من يعنيهم الامر ويقول لهم ان ثمة فرصة لكي تعود الامور الى دائرتها الطبيعية وتمسي برداً وسلاماً اذا ما تداركتم انتم الامر وعملتم على انزال ما رفعتموه الى اعلى المئذنة، والا فالآتي اعظم. وبالطبع هذا الكلام موجّه الى الرئيس الحريري والسعودية والأميركيين والغرب عموماً.
وبالطبع رفض السيد نصرالله الافصاح صراحة عما يريده من الحريري ومن سواه، لتدارك الامر، لكن في مضامين الاتصالات الجارية بعيداً عن الأعين، ثمة معلومات تتحدث عن سلسلة خيارات وطروحات وعروض مفتوحة من شأنها أن تبدد الرياح الآتية قبل تأثيراتها وتداعياتها، ومنها وعلى سبيل المثال، سحب القضاة اللبنانيين من المحكمة الدولية.
خريطة طريق المواجهة التي رسمها الحزب محطاتها وفصولها متلاحقة بكثافة، والفارق الزمني بين بعضها البعض قصير جداً، وهي لن تزيد على اسبوع، وفي كل واحدة منها ثمة مفاجأة، حتى اذا أطل شهر ايلول الموعود ستكون كل الملفات مفتوحة، والمعركة تتضمن محاسبة بمفعول رجعي يعود الى الاعوام الخمسة الماضية، وهذا ما بدا واضحاً من كلامه أول من امس. المهم ان لا يبقى الحزب في موقع الدفاع بل ان تنتقل المعركة الى ملعب “الخصم” فيضطر هو ان يصير في هذا الموقع يدرأ عن مرماه وعن نفسه كرات الحزب المتتالية والمسددة بدقة.
ما هي الاهداف غير المرئية من طلات السيد نصرالله ومن “هجماته” التي ستكون متتالية؟
بحسب أكثر من مصدر فإن الحزب يضع نصب عينيه ثلاثة أهداف مترابطة:
الاول: هز صورة المحكمة الدولية وصدقيتها والأسس التي أقامت عليها تحقيقاتها منذ البداية.
وعليه فالمطلوب بوضوح تكرار تجربة الدفاع التي مارسها محامي الثوار الجزائريين إبان حرب تحرير الجزائر في أواخر عقد الخمسينات في القرن الماضي، أمام تحرير محكمة الاستعمار الفرنسي التي كانت تحاكمهم بالجملة، وهي تجربة تقوم على اعتبار هذه المحكمة غير شرعية، وليس على دحض اتهامات الادعاء. لذا فإنه كان أمراً مقصوداً ومتعمداً، ان يعيد السيد نصرالله، الكلام عن الاتهامات الباطلة الاولى للمحكمة والتي كان من ضحاياها الضباط الاربعة وآخرون أفرج عنهم كلهم بلا استثناء وبالتالي التأكيد انها اصلاً محكمة مسيّسة مشكوك في صدقيتها ونزاهتها، أوقعت البلاد في أسوأ الاحتمالات.
كما ليس غريباً ان يعيد القاء الاضواء على تجربة الاعوام الخمسة لفريق 14 آذار، والتي غلب عليها الطابع الانفعالي، وبالتالي العودة الى فكرة محاكمتها باعتبارها أسست لوقائع باطلة ما برحت مستمرة.
كذلك ليس مستغرباً ايضاً ان يتم الربط بشكل محكم بين القبض على جواسيس الاتصالات الخليوية وبين عمل المحكمة الدولية، فالمعلوم ان جزءاً كبيراً من الحيثيات التي بنت عليها المحكمة عملها كانت مجموعة اتصالات. وبالتالي فإن يظهر الى العلن ان اليد الاسرائيلية كانت حاضرة في هذه الاتصالات معناه بشكل وبآخر ان ثمة تلاعباً اسرائيلياً قد حصل وحرّف الوقائع وزوّر الاتصالات.
وبالتالي فإن حسابات الحزب انه من الآن وحتى صدور القرار الظني ستكون “الهجمات” المتتالية على المحكمة قد حولتها الى محكمة فاقدة لكل صدقية ونزاهة لا يمكن أحداً أن يصدق أو يأخذ بالاعتبار أي حكم أو قرار ظني يصدر عنها.
الثاني: ان ثمة تركيزاً على “جمهور” المحكمة الدولية ورعاتها بسلسلة من “الهجمات” التي تعيد الى الاذهان هذه المرحلة الحالكة التي سبقت أحداث أيار عام 2008 والتي جعلت اعصاب الجميع مضطربة ومشدودة، والكل في دائرة الخوف والتوجس والاحساس بأنه على شفا الهاوية.
ولقد برع الحزب خلال الايام القليلة الماضية في ارسال أكثر من رسالة في أكثر من اتجاه، فحواها انه لن يقف في موقف المكتوف المنتظر لحظة صدور قرار الاعدام بحقه.
ولم يعد خافياً ان الحزب بات يتعامل مع المحكمة بالطريقة نفسها التي تعامل بها مع حرب تموز، ما دام الهدف واحداً وهو احكام الحصار عليه لدفعه نحو الاستسلام.
لذا فهو مثلما جعل رده على هذه الحرب تثقل كاهل الاسرائيلي، سيجعل من “جمهور” المحكمة يستشعر وطأة هذه المحكمة، ويحسها عبئاً كبيراً عليه.
وليس جديداً القول ان الحزب كان يتحاشى في السابق “نسفه” المحكمة أو النيل منها مباشرة مراعاة لأوضاع معينة، لكنه اسقط جانباً كل هذه التحفظات ولم يعد يتورع عن وصفها “بالمؤامرة” ووصمها بالاسرائيلية.
الثالث: ممارسة ضغوط مكثفة على الرعاة الاقليميين والدوليين لهذه المحكمة، لافهامها ان “بديلهم” عن حرب تموز التي اخفقت بحصار الحزب وتدميره، وهي المحكمة لن تكون ايضاً “نزهة”، بل ثمة استعداد للرد عليها بالمستوى العالي نفسه الذي رُد فيه على حرب تموز.
ومن الآن وحتى أجل غير مسمى سيكون على “حزب الله” المضي قدماً في مواجهة بلا هوادة مع المحكمة الدولية، وفيها سيخرج بكل ما يمتلك من “أسلحة”. وعنوان الحلقة الثانية من حرب المواجهة كان، لقد رميت عليكم المحجة ماذا أنتم فاعلون واني انتظر!
ابراهيم بيرم
ibrahim.bayram@annahar.com.lb
نقلاً عن “النهار”
ما هي خطة طريق “حزب الله” لمواجهة “حرب” المحكمة الدولية عليه؟جيفارا — sheaib@hotmail.com صورة المحكمة مهزوزة في الأصل فسيرة القاضي الأول ميليس المفعمة بالرشوة والإستناد في بداية التحقيق إلى شهود زور بادٍ كذبهم حتى للأميين في العالم, ثم انكشاف عمالة المشرف على معالجة بيانات الخلوي في شركة ألفا ومهندس اتصالاته, وتخبط المحكمة في توجيه اتهاماتها بداية للنظام السوري ثم لبعض رموزه, وبعد فشلها بتحويل الإتهام لحزب الله أو في حال الفشل إلى بعض عناصره, كافية للطعن بنزاهتها واحترافيتها ولا حاجة بعد للإتيان بأدلة لإدانتها فقد أدانت نفسها بنفسها, وعليها أن تلتهي بمحاكمة بعضها قبل رشق غيرها بالتهم الملفقة إسرائيليا وأمريكيا.… قراءة المزيد ..
ما هي خطة طريق “حزب الله” لمواجهة “حرب” المحكمة الدولية عليه؟نقلت صحيفة “الراي” الكويتية عن مصادر اميركية رفيعة المستوى اشارتها الى ان سوريا مازالت في دائرة الاتهام في اغتيال رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري، ولفتت الى انه من المستغرب ان تتصرف دمشق وحلفاؤها في لبنان وكأن القرار الظني او حكم المحكمة قد صدر فعلا، وانها خارجه. ولفتت الى “وجود حملة سورية منظمة، في بيروت وفي عواصم العالم، لاظهار وكأن القرار الظني في مقتل الحريري سيتهم حتما حزب الله وحده بارتكاب الجريمة”. واضافت: “نحن، كما السوريين واللبنانيين واطراف معنية اخرى، لا نعلم ما يجول في بال المدعي العام دانيال بيلمار، ربما… قراءة المزيد ..