قد لا تكون هنالك صلة (أو قد تكون هنالك صلة) بين سلسلة المقالات التي نشرتها صحيفة “الشعب” الناطقة بلسان الحرب الشيوعي الصيني و”الملف النووي” الإيراني. ولكن مشروع الضربة النووية الروسية للمدن الصينية في 1969، وقبله (في 1964) الإقتراح الأميركي بتوجيه ضربة أميركية-روسية نووية مشتركة ضد الصين، اللذين كشفت عنهما الصحيفة الصينية، يلقيان ضوءاً جديداً على التهديدات التي تُطلَق بين حين وآخر ضد “الخطر النووي” الإيراني.
*
وفقاً لسلسلة مقالات نشرتها مجلة Historical Reference التي تصدر عن صحيفة “الشعب” الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني، فإن الولايات المتحدة أنقذت الصين من ضربة نووية سوفياتية في أواخر الستّينات!
وحسب جريدة “الفيغارو” الفرنسية التي نقلت الموضوع، فإن الصين استعدّت في أكتوبر 1969 لهجوم نووي كانت تتوقع أن يشنّه الإتحاد السوفياتي ضدّها. فتوزّع كبار المسؤولين على مختلف المقاطعات. وانتقل “ماو” إلى مقاطعة “ووهان” في وسط البلاد، في حين نقل الجنرال “لين بياو” مركز قيادته إلى “سوزو”، ونزلت هيئة الأركان الصينية إلى مخابئ محصّنة تحت التلال الواقعة إلى الغرب من بكين. وأُعطِيَت أوامر لـ940 ألف جندي، و4000 مقاتلة، و600 سفينة حربية بالإنتشار بعيداً عن قواعدها المعرضة للقصف. كما تمّ توزيع السلاح على العمّال لكي يطلقوا النار على الطيّارين والمظليين الروس!
وقد بدأ كل شيء في شهر مارس، حينما وقعت سلسلة مناوشات عسكرية على ضفاف نهر “أوسوري”، الذي يشكّل الحدّ الفاصل بين البلدين. وأعقبت تلك المناوشات مظاهرات ضخمة وتعبئة للقوات العسكرية.
وحسب المقال الذي نشرته مجلة صينية رسمية، أبلغ الإتحاد السوفياتي حلفاءه في أوروبا الشرقية بخططه لشنّ هجوم نووي “من أجل تنظيف التهديد الصيني والإنتهاء من مغامِر العصور الحديثة” الذي تمثّله الصين!
وفي 20 أغسطس، أبلغ سفير الإتحاد السوفياتي في واشنطن وزير الخارجية الأميركي، هنري كيسينجر، بالقرار السوفياتي وطلب من الولايات المتحدة أن تلتزم الحياد. ولكن البيت الأبيض تعمّد “تسريب” الخطط السوفياتية إلى الصحافة، وفي 28 أغسطس كشفت جريدة “الواشنطن بوست” أن موسكو خطّطت لتوجيه ضربة بصواريخ نووية ضد عدد من المدن الصينية وضد مواقع الصواريخ الصينية. ووصل التأزم إلى حدّه الأقصى في شهرين سبتمبر وأكتوبر، وأعطيت أوامر للمدنيين الصينيين بالشروع بحفر ملاجئ.
القنبلة النووية الصينية
وفي هذه الأثناء، سعت موسكو مجدّداً لمعرفة النوايا الأميركية في حال توجيه ضربتها النووية ضد الصين. وحسب الرواية المنشورة في جريدة الحزب الشيوعي الصيني، فإن الرئيس نيكسون كان يعتبر الإتحاد السوفياتي “التهديد الرئيسي” للولايات المتحدة، ولذلك فإنه لم يكن يرغب في إضعاف الصين. وهذا عدا أنه كان يخشى من تأثير حرب نووية على مصير 250 ألف جندي أميركي متمركزين في آسيا.
جونسون وجّه دعوة للسوفيات للقيام بعملية نووية مشتركة ضد الصين.. في 1964!
وتكشف الصحيفة الصينية الرسمية أن “الضوء الأحمر” الأميركي ضد موسكو كان، جزئياً، بمثابة “ثأر” أميركي من مواقف سوفياتية سابقة. فقبل 5 سنوات، كان الإتحاد السوفياتي قد رفض المشاركة في “عمليات” تهدف إلى الحؤول دون حصول الصين على القنبلة الذرية. ويٌقال أن الإتحاد السوفياتي رفض دعوة أميركية للمشاركة في ضربات عسكرية مشتركة ضد مركز الإختبار الصيني النووي في “لوب نور” في مقاطعة “كسينغيانغ”. وردّ نيكيتا خروتشوف على الدعوة الأميركية بأن البرنامج الصيني لا يشكّل تهديداً. وفي 14 أكتوبر 1964، أجرت بكين أول اختبار نووي ناجح. وصرّح الرئيس ليندون جونسون، في حينه، بأن ذلك كان “النهار الأكثر سواداً والأكثر مأساوية للعالم الحر”!
وبعد كشف موضوع الضربة السوفياتية التي كانت مقرّرة ضد الصين، فإن الصحيفة الصينية تتطرّق إلى 3 تهديدات نووية أخرى تعرّضت لها الصين، ولكن من جانب الولايات المتحدة. الحادثة الأولى معروفة من قبل، وتعود إلى حقبة الحرب الكورية. أما التهديدان الآخران فيندرجان في إطار المواجهة بين بين وتايوان في مارس 1955 وفي أغسطس 1958.
إن كاتب المقال، “ليو تشين شان”، لا يكشف الأرشيفات التي استند إليها، ويعترف بأن إختصاصيين آخرين لا يشاركونه رأيه. ولكن نشر مقالاته في جريدة الحزب الشيوعي الصيني يعني أنه يكتب بالإستناد إلى مراجع رسمية وجدية، وأن المقالات خضعت لـ”مراجعات” رسمية قبل أن تصل إلى النشر.