تعج الولايات المتحدة بالكثير من التساؤلات عن الاوضاع في العالم العربي والاسلامي. ففي سلسلة محاضرات لي في مدن امريكية مختلفة حول اوضاع الشرق الاوسط والمسألة الفلسطينية كان اهمها مؤخرا في مدينتي دينفر وبولدر في ولاية كولورادو بدأت ارى عالما اكثر تساؤلا حول العلاقة مع العالم الاسلامي والعربي. في تلك المدينتين فوجئت بالاعداد الضخمة المكونة من مئات الحاضرين التي جاءوا للاستماع عن ”العالم العربي على مفترق الطرق.“ التعطش الامريكي للتساؤل يعكس الفراغ الذي يعيشه الشعب الامريكي بعد حربي العراق و افغانستان. فالسؤال المبسط الاول الذي سرى مثل النار في الهشيم بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١: ”لماذا يكرهوننا،“ بدأ يتراجع الان امام سيل من الاسئلة منها ”هل قامت السياسة الامريكية بشيئ يساهم في الكراهية بين الشرق والغرب؟“.
بعد كل محاضرة جاءني من يقول” لااعرف الى متى سيبقى ممثلوا الشعب الامريكي رهائن للسياسة الاسرائيلية“، وجاء اخر يتساءل عن الشبان الذين يقتلون من الولايات المتحدة في كل من افغانستان والعراق: ”هل نقاتل هناك من اجل اسرائيل ام من اجل امريكا“. بدأت ارى في عقول ووجوه الامريكيين ما يؤكد انهم بدأوا يسأمون من طبيعة السيطرة التي تمارسها جماعات الضغط المؤيدة لاسرائيل على صناع القرار. وكما قال سفير سابق ” هناك سيطرة على نظامنا السياسي من قبل اقلية صغيرة من اجل مصالح ضيقة وعسكرية وغير انسانية، هذا يأخذنا نحو كارثة.“
الواضح ان حرب افغانستان والعراق ثم حربي ٢٠٠٦ في جنوب لبنان ثم حرب غزة في فلسطين اثاروا التساؤلات في الولايات المتحدة عن سياساتها الاقليمية. بل كانت مرافقتي ابان احد البرامج تكرر على مسامعي: ”كنت منذ خمس سنوات من اشد المؤيدين لاسرائيل، الان اختلف الموقف“. سألتها لماذا؟ فقالت: الحرب في العراق وفي افغانستان وحرب غزة جعلتني اتساءل. يجب ان لا نتدخل هكذا، يجب ان لا نكون مؤيدين لطرف ضد الاخر. لم اكن اعرف في السابق ان اسرائيل تضطهد شعبا اخر، كنت اعتقد ان هذه الاقوال دعاية عربية فقط، والان اكتشف انه الامر ليس كذلك.“ .
هذه التغيرات هي بداية شعور ينتشر بين الامريكيين مفاده ان اسرائيل اصبحت عبئا كبيرا وان احتلالها يسمم العالم العربي والاسلامي وان سعيها لمصادرة القدس يفجر الصراع بين الشرق الاسلامي والعربي من جهة وبين الغرب من جهة اخرى. هناك نمو في الجمعيات الامريكية واليهودية ايضا التي تعي خطورة استمرار الاحتلال في فلسطين، في احدى الندوات وقفت اسرائيلية من مؤيدي حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني تشرح كم تعاني في اسرائيل من الملاحقة لانها تقول برأي اخر. هناك تنامي للشعور بأن مصلحة الولايات المتحدة لم تعد تتطابق مع مصلحة اسرائيل، وان مصلحة اسرائيل لم تعد تتطابق وعقلية الليكود واليمين المستمر في سياسة الاستيطان ومصادرة القدس.
لكن من جهة اخرى هناك هجوم كبير على الرئيس اوباما من قبل جماعات الضغط الاسرائيلية التي استطاعت في السابق ان تسقط مرشحين وتبرز اخرين. ففي قناعة جماعات الضغط مجرد انتخاب اوباما اثار جميع هذه التحفظات والاراء المعارضة بين قطاعات من الشعب الامريكي. ان حصول بعض التغير في الرأي العام الامريكي يجعل انصار اسرائيل واليمين اكثر استعدادا للتصعيد ضد اوباما مع السعي لايقافه مهما كلف الامر.
وبينما يزداد الصراع حدة على ارض فلسطين، تزداد حكومة تننياهو انحدارا نحو اليمين. ان المغالاة ستكون صفة ملازمة للسياسة الاسرائيلية في المرحلة القادمة. لكن العالم من جهة اخرى لن يعترف لاسرائيل بالقدس عاصمة موحدة ابدية، ولن يقبل باحتلالها واستيطانها وحصارها وقمعها لشعب اخر. رويدا رويدا هناك تغير. هذه التغيرات قد توصل اسرائيل للحظة صدام مع الولايات المتحدة ومع جزء كبير من العالم الغربي. قد لا يكون هذا في المدى القريب، لكن بوادره في طور التكوين. ان انضاج هذه الظواهر تتطلب جهدا عربيا منظما في العالم وفي الولايات المتحدة لا نجده الان.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت