عقدت لجنة التحكيم لجائزة محمود درويش اجتماعها في مدينة عمّان في الأردن، يوم الثاني والعشرين من يناير 2010، وقد ضمّت اللجنة في عضويتها نخبة من المثقفين والكتّاب والنقّاد الفلسطينيين والعرب. وفي الاجتماع الصباحي اختار الأعضاء فيصل درّاج رئيسا للجلسة، كما أجروا تعديلات على اللائحة الداخلية للجائزة، لتصبح معتمدة في كافة الدورات اللاحقة.
ضمت اللجنة في عضويتها جابر عصفور من مصر، وخالد الكركي من الأردن، و صبحي حديدي من سوريا، وحسن خضر، وأحمد حرب وسليمان جبران، وإبراهيم موسى، وإبراهيم أبو هشهش من فلسطين، كما تولي أعمال التنسيق بين المؤسسة ولجنة الجائزة محمود شقير.
وفي اجتماعها المسائي، وبعد التداول في أسماء المرشحين والمرشحات لنيل الجائزة من فلسطين والعالم العربي والعالم، وافقت اللجنة بالإجماع على منح جائزة محمود درويش في دورتها الأولى لكل من الروائية أهداف سويف من مصر، والشاعر والكاتب والفنان برايتن برايتنباخ من جنوب أفريقيا، على أن ينال كلاهما جائزة مستقلة، وليس مناصفة كما جرت العادة في منح جوائز مشابهة. وبناء عليه، وبعد مصادقة مؤسسة محمود درويش على القرار سيُمنح الفائزان جائزة مستقلة تبلغ قيمتها 25 ألف دولار، إضافة إلى براءة الجائزة، وشعارها.
أما مسوّغات منح الجائزة فقد جاءت على النحو التالي:
مسوّغات منح الجائزة لأهداف سويف:
قررت لجنة جائزة محمود درويش للإبداع، في اجتماعها التأسيسي في مدينة عمان في 22/1/2010 ، بكامل أعضائها، أن تمنح جائزة الدورة الأولى إلى المبدعة المصرية : أهداف سويف.
دافعت أهداف سويف، في كتاباتها المختلفة، والروائية منها بخاصة، عن قيم الحرية والعدالة والاستقلال الوطني والاعتراف المتبادل بين الشعوب والثقافات المختلفة، انطلاقاً من منظور ثقافي تنويري، ومن حس إنساني متعدد الأبعاد. جمعت في منظورها بين المتميّز، الذي يحيل على موروث ثقافي عربي، والكوني المنفتح على ثقافات مغايرة، رافضة التعصب والانغلاق ، ومواجهة ثقافة السيطرة والإخضاع بثقافة إنسانية تساوي بين البشر في الحقوق والواجبات.
عبّرت عن منظورها الثقافي ، الذي يواجه المواقف الأحادية بالتنوع الإنساني الخصيب، بلغة إنجليزية مبدعة، تحاورها لغة عربية مضمرة، روّضت اللغة الأولى ووسّعت مجال تعبيرها. جمع أسلوبها بين فضيلتي المعرفة والاجتهاد، فهي تعرف ما تكتب عنه وما تستند إليه، وتسائل ما تعرفه وتعطيه دلالات جديدة، منجزة كتابة حوارية، تتصالح فيها الأنا والآخر، على مستوى الإبداع، وتتطلع إلى كون إنساني متحرر من القيود.
أعلنت أهداف سويف، في كتاباتها المختلفة، عن أولوية القيم على الكتابة وأكدت الكتابة فعلاً إنسانياً خلاّقاً يطالب بتحرير الإنسان ، مترجمة ، بطريقة أخرى، كلمات محمود درويش عن “عبثية الفن المكتفي بذاته”. أشارت في روايتها “خارطة الحب” إلى دلالات المشروع الصهيوني، وجعلت من المأساة الفلسطينية موضوع كتابها: “في مواجهة المدافع”، الذي كشفت فيه ، بنزاهة عالية، للقارئ الإنجليزي، معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وأظهرت في مقدمته التزامها بقضايا شعبها العربي. تقول: “عدو تسبب في تعطيلنا منذ عام 1948 حيث أصبح هو شغلنا الشاغل: ليس هناك قضية كبيرة أو صغيرة تخصنا إلا وعلينا أن نأخذه في حسابنا ونحن نعالجها. عدو قتل منا الشباب والأطفال والشعراء والرسامين. عدو شغلنا على مدى 52 عاماً، وكأن كل ما نقوم به في الحياة نقوم به بيد واحدة واليد الأخرى ندرأه عنا”.
أهداف سويف مثقفة من نموذج نوعي، توحد بين القول والفعل والكتابة والممارسة، عاشت لغة وكتبت بلغة أخرى، وأقامت جسراً بين ثقافتين ولغتين ودافعت، ولا تزال، عن التحرر العربي والفلسطيني، وعن تحرر الإنسان المقهور حيث يكون.
هذا كله يجعلها جديرة بجائزة محمود درويش.
مسوّغات منح الجائزة لبرايتن برايتنباخ:
قررت لجنة جائزة محمود درويش للإبداع، في اجتماعها التأسيسي في مدينة عمان في 22/1/2010 ، بكامل أعضائها، أن تمنح جائزة الدورة الأولى إلى المبدع الجنوب أفريقي برايتن برايتنباخ.
برايتين برايتنباخ مبدع متعدد المواهب والاهتمامات. شاعر، وروائي، وفنان تشكيلي، وكاتب سيرة ومقالات ومسرحيات. وقد انعكست في أعماله، أو ربما كانت الأعمال نفسها انعكاسا لإيمانه العميق بالحرية، وكفاحه من أجل المساواة، وميله الشخصي إلى التمرّد والتجديد والمغامرة سواء في البحث عن أساليب تعبيرية وشعرية جديدة، أو في تحدى نظام التمييز العنصري في بلاده، وفي الدفاع عن الحرية والعدل والمساواة، وكل ما يمثل حقوقا للإنسان في كل مكان آخر من العالم.
وُصف ذات يوم في أغنية تسخر من نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا بأنه النموذج الوحيد “للجنوب أفريقي الطيّب”، وهذا الوصف لا يتنافى بالتأكيد مع وجود ما لا يحصى من الطيبين في جنوب أفريقيا، من البيض والسود، الذين انخرطوا في مقاومة نظام التمييز العنصري، وأسهموا في إسقاطه.
وقد دفع من سني عمره سبع سنين قضاها في سجون نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، عندما ألقي القبض عليه، وحوكم بتهمة الإرهاب وانتهاك قوانين النقاء العرقي والأخلاقي.
كتب برايتنباخ باللغة الأفريكانية، وهي مزيج من لغات أوروبية وجنوب أفريقية محلية، ونشر ما يربو على ثلاثين عملا إبداعيا بتلك اللغة. اللغة التي أراد لها المستوطنون البيض أن تكون مقوّما لهوية خاصة بهم، وهي اللغة نفسها التي استخدمها في تقويض نظام التمييز العنصري، وفي إنشاء هوية جديدة تضم البيض والسود معا في إطار وطن واحد، ومجتمع تسوده قيم التعددية والديمقراطية والمساواة دون تمييز على أساس اللون أو الأصل العرقي أو المعتقد الديني.
وفي تعليق على كتابته باللغة الأفريكانية وصفته جريدة “النيويوركر” ذات يوم بأنه أعظم شاعر بين أبناء جيله، وبأن أحدا لم يرتق بتلك اللغة إلى الجمال الصرف، ولم يستخدمها ضد نظام الأبارتهايد كما فعل.
نشر برايتنباخ أعمالا إبداعية إضافية باللغة الإنكليزية، كما ترُجمعت العديد من أعماله باللغة الأفريكانية إلى اللغة الإنكليزية، وتُرجمت إلى العديد من لغات العالم. وقد أنفق جزءا كبيرا من حياته في المنفى، الذي ما يزال يشكّل علامة فارقة في حياته، وبعد سقوط نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا مارس دور الشاهد والمراقب لما طرأ هناك من تحوّلات ومن نتائج كان بعضها مخيّبا للآمال.
نشأت صداقة عميقة ومديدة بين برايتنباخ ومحمود درويش، كان بين الشاعرين الكبيرين الكثير من القواسم المشتركة. كلاهما شاعر يبحث عن الشعر في اللغة والحياة، وكلاهما شاعر قضية، وكلاهما يرى إلى قضيته من خلال العالم، ويرى العالم من خلال القضية ويشعر بالانتماء إلى بني البشر في كل مكان. وقد جاء برايتنباخ إلى رام الله مع وفد من برلمان الاتحاد العالمي للكتاب في نيسان 2002 للإعلان عن تضامنهم مع محمود درويش، ومع شعبه المُحاصر والمحروم من حقه في العيش بحرية وكرامة على أرضه. وفي عمله الشعري الجديد، الصادر قبل أشهر يقيم براتنباخ حوارا إبداعيا مع محمود درويش، يبحث عنه في اللغة، ويحاول تطويع اللغة لينهض صوت محمود درويش من وراء الكلمات.
بعد رحيل محمود درويش كتب برايتنباخ “سيظل حيا بالنسبة لي في هذا التناغم الذي تصنعه الطيور، لقد أخبرته في آرل برغبتي في أن اقترح علي رفاقي من الشعراء بأنه يجب علي كل منا، إعلان أنفسنا ‘فلسطينيين فخريين’ حاول يومها أن يضحك مخفيا حرجه المعتاد من شقيق. وفي الحقيقة، بالسقم من محاولاتنا لفهم ومقاربة الضرورة التي لا عزاء لها! لن نتمكن من الموت أو الكتابة في مكان شعبه، في مكان محمود درويش. لكن لا يزال، علي نحو ما إشارة ولو بسيطة، حاجتي لمحاولة القول بمدي الفخر الذي اشعر به لمعرفتي هذا الرجل ولو قليلا وكم كان شعره مميزا ومدموغا بالموهبة”.
لذلك، واستنادا إلى كل ما يتجلى في سيرته الإبداعية والشخصية من قيم والتزام بقضايا الحرية في بلاده وفي العالم، وتقديرا لمواقفه الشجاعة في الدفاع عن حق الفلسطينيين في العيش بحرية وكرامة في بلادهم يستحق برايتن برايتنباخ جائزة محمود درويش.