سألني أحد الأصدقاء عن رأيي بالانتخابات العراقية ، فقلت له ان أجمل ما فيها هو عدم معرفة نتائجها سلفا وانتفاء النتائج الكاسحة ذات نسب 95 % و ما فوق. والأهم من ذلك أن الناخب العراقي بدأ يفهم قيمة صوته بالصندوق، والدليل سعي الساسه الجدد للعراق لكسب ذلك الصوت. و من الصور المعبرة جدا السقوط المدوي لثاني أكبر حزب كردي الاتحاد الوطني الكردستاني في عرينه “السليمانية” لصالح قائمة التغيير في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لاقليم كردستان وحصول التغيير على 25% من برلمان كردستان.
رغم أن الانتخابات القادمة هي ربما الأهم في تاريخ العراق الحديث، إلا أن المراقبين يستشعرون ترددا كبيرا لدى الناخبين تجاه هذا الحدث. فهل ستتمكن الدعاية الانتخابية من ضخ دماء جديدة في العملية السياسية واقناع الناخب بالذهاب إلى صندوق الاقتراع؟
عندما تسأل العراقيين عن البرلمان السابق ورأيهم فيه، يجمعون على أن أفضل ما جرى هو معرفة الشعب العراقي لحقيقة من انتخب. فانكشفت الأقنعة و الوجوه والافكار معا، وعرف الصالح من الطالح، وعرف من هو الذي فضل مصلحة العراق على مصلحته الشخصية، ومن هو الذي تاجر بالشعب والوطن، ومن هو الذي لعب بأوراق الطائفية وهدر من خلالها الارواح والاموال، من هو الذي اغتنى عن طريق نهب وسلب البلاد والعباد، ومن هو الذي لا زال يحتفظ بمبادئه واخلاقياته.
عن انصاف المرأة في هذه الانتخابات:
تتشكل تحالفات وتنفرط تحالفات وتبذل الوعود من غير حساب. فهذا “مدني” وذاك “وطني” وآخر يطلق الطائفية بالثلاث/ ورابع اصبح فجأة نصير المرأة مع انه سعى وما زال يسعى الى إلغاء القانون رقم 188 لسنة 1959. وهو على قلة ما يحتويه من مواد تنصف المرأة قياسا الى هذا العصر، فأنه شكل في وقته خطوة هامة على طريق تقدم المرأة والاعتراف ببعض حقوقها. وعد وما يزال واحد من مفاخر ثورة 14 تموز. تجربة المرأة تدلل ان تقدمها ورقيها لا يمكن ان ينفصل عن تقدم المجتمع بأسره على طريق الديمقراطية وسيادة المفاهيم والقوانين المدنية المتطورة ومراعاة العدالة الاجتماعية. لقد كان لصوت المرأة دور بارز في ترجيح كفة هذه القائمة او تلك وبوسع المرأة التي صوتت لهذه القائمة او تلك بل ان من حقها ان تتساءل ماذا عملت هذه القائمة لها بعد ان حصلت على نصيب بارز في سدة الحكم؟ هل تحسن وضع المرأة؟ آن الاوان لان تعطي المرأة صوتها لمن يستحق ولمن يسعى حقا الى تقدمها ورفاهها لا الى تقييدها وشلها ومنعها من المساهمة النشيطة في تقدمها وتقدم المجتمع بأسره.
ماذا يريد الناخب العراقي من هذه الانتخابات:
• يصر بأن يكون البرلمان القادم بعيدا عن الصيغة التوافقية التي شلت تجاذباتها السياسية تطبيق الكثير من القوانين وأعاقت الإسراع بالنهوض بالواقع العراقي على الصعد المختلفة، كما يتمنى أن يمارس البرلمان دوره الرقابي في محاسبة المقصرين والمفسدين.
• بالسعي لتقليل نسبة الفقر في البلاد وتحسين المستوى الاقتصادي للفرد العراقي. ويرى الناخب العراقي أن هذا الموضوع ليس اقل شانا من الوضع الأمني وربما هو احد الأسباب المؤثرة فيه.
بيضة القبان للانتخابات القادمة هم الأكراد. ماذا يجري في أوساطهم، وما هي التوقعات بالنسبة لحصتهم في الانتخابات القادمة؟:
يتمثل الكرد في البرلمان الحالي الذي يتألف من 275 مقعدا، بقائمتين تملكان معا 58 مقعدا (53 للتحالف الكردستاني و5 للاتحاد الاسلامي الكردستاني) فيما يدخلون الانتخابات القادمة بأكثر من اربعة قوائم رئيسية هي التحالف الكردستاني التي تضم الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني واحزاب صغيرة اخرى، وقائمة التغيير بزعامة نوشيروان مصطفى وقائمة الاتحاد الاسلامي بزعامة صلاح الدين بهاء الدين وقائمة الجماعة الاسلامية بزعامة علي بابير.
تخوض الكثير من الكيانات والقوائم الانتخابات المقبلة في محافظات الاقليم الثلاثة وهي تتوزع كما يلي: أربيل 26، والسليمانية 16، ودهوك 14 وفي كركوك 34 قائمة انتخابية متعددة. ومن المستبعد حصول القوى الكردية على أكثر من 56 مقعدا في الانتخابات البرلمانية المقرر اجراؤها في 7 آذار مارس القادم المضمون منها 41 مقعدا هو مجموع مقاعد المحافظات الكردية الثلاث السليمانية وأربيل ودهوك “10+14+17”. صعوبة تقديم توقعات دقيقة سببه اعتماد نظام القائمة المفتوحة، حيث يتوقع حصول تراجع محدود في نسبة المقاعد الكردية بالبرلمان القادم الذي سيتألف من 325 مقعدا، وهو ما سيعني تراجع نسبة مقاعدهم من 21% الى ما دون 18%. الترقب الكبير هو لحصة قائمة التغيير في الحصة الكردستانية عامة حيث المتوقع أن ينتزع التغيير حوالي عشر مقاعد من التحالف الكردستاني، وأن يحافظ الاسلاميين على مقاعدهم الخمسة مع محاولة انتزاع مقعدين آخرين. الا أن مصادر في “التغيير” تقول أن العشرة مقاعد هي مضمونة في السليمانية فقط، التي يعد باكتساح مقاعدها، وأنه قادر على تحقيق خروقات في المناطق الأخرى. ويتوقعون الفوز ب 15 مقعدا بالاستناد الى نتائج الانتخابات البرلمانية الكردستانية.
أين الخلاف بين القوائم الكردستانية و ما هو حافز الناخب الكردستاني للتصويت لهذه القائمة أو تلك؟
القائمة الكردستانية تتكلم عن الأمن القومي الكردستاني وحماية المكتسبات الكردستانية، من الفيدرالية الى حقوق الأكراد في نفط العراق. وبالمقابل، تتحدث القوائم المعارضة الكردية عن عدم الخلاف حول هذه النقاط. وفي هذا السياق، كانت زيارة زعيم التغيير “نيشروان مصطفى” الى كركوك لتثبيت كردستانيتها وأهميتها في برنامج التغيير. ولكن على أن يأخذ بعين الاعتبار التنوع الطائفي والعرقي الموجود فيها. أما من ناحية حقوق الكرد في النفط وايرادات العراق فالخلاف هو حول مدى التنسيق مع المركز، “بغداد”، حيث يصر التغيير على أن حل المشاكل يكون بالتنسيق الكامل مع المركز وعدم التغريد خارج سرب العراق الواحد، والتعامل مع المركز باستنسابية. من ناحية أخرى يعبر التغيير عن سأم المجتمع الكردستاني من المحسوبيات والفساد المالي والاداري. بعبارة واحد، تطالب بالتغيير في كردستان وانتزاع سيطرة الحزبين التقليديين على شؤون إقليم كردستان وفسح الباب أمام الديمقراطية وتكريس تداول السلطة و فنق النموذج الدكتاتوري حيث ينتخب الزعيم بـ 99 % و يحكم مدى الحياة ويمهد في حياته لاستلام أولاده من بعده. “التغيير”، كحركة عكسية في البرلمان الكردي الآن والعراقي عما قريب، تشكل صوتا آخر مغايراً لصوت الحزبين الرئيسين. ويرى المراقبون بأن وجود التغيير كمعارضة في البرلمان الكردستاني ظاهرة صحية الى حد كبير، واثبات واضح لثقل التجربه الكردية ونضوج خيارات أكراد العراق وفهمهم للواقع الجديد والسعي لتكريس الديمقراطية. فهل ينجح بنقل سوسة الديمقراطية الى البرلمان العراقي ويضع حدّاً لحالة الركود التي عاشها البرلمان العراقي خلال السنوات الخمس الماضية؟
mfawzi@albainternational.com