من بين المواد التي ادرّسها في جامعة زيورخ مادة “سياسات شبه الجزيرة العربية”.
عنوان المحاضرة الثانية فيها هي “التاريخ والأسطورة”! محورها هو عبارة واحدة:”التاريخ يكتبه البشر”.
والتاريخ، عزيزتي الشابة عزيزي الشاب، مشكلتنا اليوم.
كيف نقرأ التاريخ؟
في محاضرة “التاريخ والأسطورة” عادة ما اقرأ على طلابي وطالباتي عبارة: “الأسطورة تقول لنا أن الكونفدرالية السويسرية تأسست في عام 1291، لكن الحقائق التاريخية تقول لنا أن سويسرا كدولة بين الدول الأروبية لم تظهر إلى الوجود فعلاً إلا في القرن الخامس عشر”.
وهذه العبارة ليست عبارتي بل كتبها الباحث التاريخي السويسري المعروف أورليخ إيم هوف في كتابه “إسطورة سويسرا:الهوية، الأمة، التاريخ، 1291-1991).
امهد لطالباتي وطلابي بهذه العبارة لأن تاريخ شبه الجزيرة العربية كتُب أيضا بصورة تعكس الرؤية الرسمية للدولة، وهذه الصورة لا علاقة لها في احيان كثيرة بحقائق ما حدث فعلاً على أرض الواقع.
لو قرأتما تاريخ المملكة العربية السعودية الحديث كما يدُرس في الكتب المدرسية، ستجدان أن الهدف منه هو أن يخلق علاقة إرتباط بين الحاكم والمحكوم ولكن وفقاً لرؤية محددة: رؤية تصر على أن التحالف القائم بين أسرة آل سعود الحاكمة وإسرة آل الشيخ محمد عبدالوهاب كان ضرورياً لإنقاذ سكان أقاليم المملكة من التردي والضياع والزياغ عن طريق الإسلام “الصحيح”.
هذه القراءة للتاريخ تبرر لما حدث بعد ذلك في بدايات القرن العشرين، من غزو لمناطق الإحساء والحجاز ثم عسير ونجران، ولتأسيس المملكة أيضاً.
والسؤال هو، هل كانت اقاليم المملكة فعلاً تعيش في حالة الضياع هذه؟ دعونا نطرح السؤال بصيغة اكثر تحديداً، كيف كان حال منطقة الحجاز قبل ضمها إلى المملكة بعد حصار 1925-1926 ؟ كانت تحت الوصاية العثمانية، وكانت في الواقع قبلة للحجاج المسلمين من كافة ارجاء العالم، وكانت حاضرة مدنية. دعوني اكرر هذه العبارة من جديد: “كانت حاضرة مدنية”. ولأنها كذلك ظلت إلى منتصف السبعينات المقر الذي يضم السفارات والبعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية. ولأنها كذلك، كان أبناءها (الذين مثلوا الفئة الأكثر تعلماً في المملكة) هم الكادر الأدراي الذي بنيت عليه الدولة السعودية، إلى أن بدأت عملية نجدنة الأدارة في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز.
لم تكن وكراً لمشركين.
ولم تكن تعاني من حالة إنهيار اخلاقي وديني.
التاريخ هنا يبدو ملفقاً وفقاً لرواية الدولة الرسمية، خاصة إذا اعتبرت ما حدث من مروعات في الأحساء على سبيل المثال “فتحاً” “إبتهج” به سكان الأحساء من الشيعة.
بالنسبة لهم، كانت نكبة.
والتاريخ هنا يصبح تعدياً على الإنسان، عندما يتعلم الطفل في مدرسته أن مذهب والديه، رافضي ضال كافر، يستحق من يؤمن به القتل.
بنفس النسق، تصر كتب تاريخنا اليمني الحديث على تسمية الحرب الأهلية التي حدثت في صيف عام 1994 على أنها حرب “إنفصال”.
“كانت حرب إنفصال، لا حرباً اهلية”. هذه هي الرواية الرسمية.
وتصويرها على أنها حرب تهدف إلى إنفصال، يحولها مباشرة إلى حرب بين “حق” و”باطل”. في حين ان القول بأنها كانت حرباً اهلية، يضعها في سياقها الطبيعي: حرب بين شريحتين في القيادة الحاكمة للدولة اليمنية الموحدة، اختلفا على إسلوب الحكم، وفلسفة الدولة، وتنازعا في الوقت ذاته على القوة والسلطة، ولم يثق احدهما في الأخر منذ لحظة توقيع إتفاقية الوحدة، ولذا كانت الحرب تحصيل حاصل.
*
إقول لطلابي إنه إذا كان من الطبيعي لكل المجتمعات والدول أن “تختلق” تاريخها إلى “حدٍ ما”، فإن المشكلة في شبه الجزيرة العربية أن هذا “الإختلاق” يمهد في الواقع “لهيمنة” فئة محددة في الدولة على باقي فئات المجتمع.
وهنا المعضلة.
اقول لطالباتي إن من يريد ان يدرس هذه المنطقة عليه أن يدرك حقيقة اساسية، وهي ان كل دول المنطقة (في شبه الجزيرة العربية) دول جديدة. حديثة النشأة. قد تكون مجتمعاتها قديمة، لكنها كدول لازالت جديدة، وإن هذه الجِدة، تفسر الكثير الكثير مما يحدث على أرض الواقع اليوم.
أقول لهن أيضاً ان هذه الدول منذ نشأتها وإلى يومنا هذا تواجه رؤيتين فكريتين، الأولى قومية عربية، تقول بوجود الأمة العربية، والثانية إسلامية عالمية، تقول بوجود إمة إسلامية، وكلتاهما لا تعترفان بوجود هذه الدول بحدودها الجغرافية. وأن هاتين الرؤيتين تمثلان في الواقع محور الأزمة التي تمر بها دول المنطقة: هل هي دول لها حدود جغرافية وسيادة، ويعيش فيها مواطنون ومواطنات متساوون امام القانون؟ أم هي جزء من أمة، بلا حدود، تجمعها قومية أو هوية دينية؟
والمشكلة، أن كلتاهما لا تعترفان بمفهوم الإنسان، وحقوقه.
حقوقه.
كل منها تضع امام الإنسان تصنيفات وتضييقات تنسف مفهوم حقوق الإنسان الذي نعرفه اليوم من جذوره.
الفكر القومي العربي في كل تطبيقاته السياسية التي عرفناها في تاريخنا الحديث كان تجسيداً للحكم الشمولي.
والفكر الإسلامي في تطبيقاته السياسية وتصنيفاته الفكرية لا يعترف بحقوق وحريات الفرد، ويُّعرف الإنسان بأنه ذكرٌ مسلم!
ثم إذّكر طالباتي وطلابي بإن إحتلال العراق للكويت دفع كل هذه الدول، ومعها دول المنطقة العربية الأخري، إلى مواجهة هذا السؤال.
الكويت ادركت أنها وإن كان بعض من مثقفيها يدعمون فكر القومية العربية، وبعض من ناشطيها يدعمون فكر الأخوان المسلمين، إلا أنها أولاً وأخيراً دولة لها حدود جغرافية، وأن هناك شيء إسمه الكويت بالفعل، حتى لو كانت كتب التاريخ لم تأتِ على ذكر إسم الكويت قبل مائتين وخمسين عاماً.
اليوم هي دولة ذات حيز ونطاق، يمثل التعدي عليه من دولة “عربية” او “إسلامية” إحتلالاً.
كان إسمه إحتلالاً، إذا كان لازال لدى البعض شك في ذلك.
ووقف مثقفو الكويت ومعهم ناشطو الأخوان كلهم جميعاً صفاً واحداً دفاعاً عن الكويت، دفاعاً عن وطنهم.
واقول لهما إن بعض كيانات المنطقة ستظل مصطنعة هشة قابلة للإنهيار طالما لم تقر النخبة الحاكمة فيها بأن خلاصها هو في الإيمان بالإنسان في أوطانها.
بالتعامل مع هذا الإنسان، رجلاً كان ام أمرأة، على أنه كيان راشد عاقل، له رأي، ويتمتع بحق الحرية والإختيار.
بالتعامل مع الإنسان في أوطانها على أنه مواطن يقف مع غيره من المواطنين متساوياً امام القانون، بغض النظر عن هويته، دينية كانت، او مذهبية، او عرقية، او لونية، او نوعية (جندرية).
أقول لهما إن دول المنطقة لن تستمر، اكرر لن تستمر، طالما تظن أنها محصنة ضد الديقراطية وحقوق الإنسان.
فأعتمادها على دعم اقلية مذهبية او قبلية يظل هشاً، وبقاؤها مرهون حتماً بدعم كافة شرائح المجتمع.
فالأحرى أن تبدأ بإصلاح نفسها، قبل أن ينقلب شعبها عليها، ويصبح الإصلاح ضمن إطار الدولة الواحدة مستحيلاً.
*
في المحاضرة الأخيرة من مادة سياسات شبة الجزيرة العربية أودع طلابي وطالباتي بعبارة تحذير، أكررها كل مرة:
“ماقدمته لكما في هذه المادة هو قراءة من بين قراءات متعددة للتاريخ السياسي للمنطقة، وهي وإن اعتمدت على مناهج بحث علمية، إلا إنها تظل ملونة بالعدسة التي استخدمها في هذه القراءة، عدسة حقوق المواطن و الإنسان. ولأنها كذلك، فإنها قد تكون متحيزة، متحيزة للإنسان. فلا تأخذا ما درّسته لكما على علاته. لا تصدقاني! بل دققا، وشككا، ثم إنقدا، ولعلكما تصلان إلى رؤية مغايرة لما طرحته في هذا المادة. كلاكما له عقل، إستخدماه”.
في نهاية هذه العبارة، ارى الدهشة في عيون طلابي وطالباتي، لكنها دهشة ممزوجة برغبة متجددة في إلاستزادة المعرفية عن المنطقة.
دهشة الذي استفاق. كان يظن أن من أمامه يخرجُ من فمها الحق، وهاهي تقول له: “لا تصدقني. الحقيقة متعددة، أبحث عنها في صورها المتعددة بنفسك. لا تنتظر مني أن القنك المعرفة. فدوري أن اقدم لك إطاراً، تبحث فيه او خارجه، في النهاية، عقلك مادام منهجه علمي سيكون الحكم”!
لم يكن غريباً لذلك ان مجموعات من طلابي وطالباتي عمدت إلى السفر في رحلات بحثية إلى المنطقة. ارادوا ان يعرفوها، ويكتشفوها بأنفسهم.
وفي الواقع، لا أظن انهم كانوا سيرغبون في فعل ذلك، لو أن مضمون ما درسته لهم هو “كراهية المنطقة”.
على العكس، في نهاية تلك المادة، يصبح واضحاً جدأً، مدى حبي لهذه المنطقة.
أحبها اخوتي، أحبها.
تماما كما احب لغتي. الرحم.
وهي جلدي، تلتصق بلحمي، أنا منها، لكني اختنق بواقع الإنسان فيها.
ولأني أختنق،
انتقد.
*
في المقال القادم احدثكما عن الخلافة والأخوان. وسأحدثكما عن العلمانية. تلك التي اؤمن بها.
elham_manea@bluewin.ch
* كاتبة يمنية- سويسرا
الوطن… الإنسان! (5)
الله وعد المستكبرين والمستضعفين نار جهنم في الاخرة والدمار في الدنيا بواسطة سننه الاجتماعية ولهذا في كل ركعة من الصلاة ينادي الانسان ربه ويقول المصلي: اهدنا الصراط المستقيم اي طريق العدل طريق الديمقراطية طريق احترام حقوق الانسان ويقول ايضا:غير المغضوب عليهم اي ان لا يكون من المستكبرين او الديكتاتوريين او الطواغيت وايضا يقول:ولا الضالين اي المستضعفين او القابلين للذل او الهوان لان الله تعالى امر الانسان بان يقول لا للطواغيت لا للمافيات لا للميليشيات لا للارهاب كلا لا تطعه
الوطن… الإنسان! (5)
“منح العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان جائزة “الملك فيصل العالمية لخدمة الاسلام”. مع أن إردوغان جاء إلى سدة الحكم عن طريق الإنتخاب فهو لا يخجل من تلقي جائزه من ممثلي الإستبداد والظلم.
الوطن… الإنسان! (5)
هذا الاسبوع يوم الرحمة اي يوم المراة ويوم بدا دمار الشعب السوري والعراق والمنطقة انه يوم الذل اي الخراب يوم الثامن من اذار الانقلاب البعثي الذي ادخل الشعب السوري والعراق والمنطقة في ظلام اسود سرطاني منذ47سنة وانها ذكريات لمجازر البعث والنظام الفاسد حماة و تل الزعتر وتدمر وغيرها وغيرها واليوم ينادي حرار العالم لفك اسرالعلماء والصحفيين والمفكرين من سجون وزنزانة النظام السوري المخابراتي الطاغوتي
الوطن… الإنسان! (5)
ما يميّز كتابات السيده المانع هو المنطق ذو العمق المعرفي مقرون بانتماء ضميري إنساني.
الوطن… الإنسان! (5)
الاستاذة الهام المحترمة،
تحية احترام وتقدير على شجاعتك الادبية وعلى قولك الحق دون مواربة. لماذا لا يمكن لليبراليين العرب او المسلمين ان يعبروا عن آرائهم الحقيقية ومواقفهم وهم في بلادهم؟ لماذا لا نقرأ كتابات جريئة ككتاباتك داخل بلادنا العربية؟ هل يمكننا ان نحلم عو ان نتصور وضعا فيه حرية الفرد وحرية التعبير وحرية الاعتقاد ستسود في بلادنا خلال هذا القرن ام ان هذا كما يقول المثل مجرد: “أمل ابليس بالجنة؟”