بدا الدكتور سمير جعجع بالأمس من خلال اطلالته مع الاعلامية بولا يعقوبيان من خلال شاشة “المستقبل” بقمة نضوجه السياسي وعارفا تماما بما يريد. فمن باب المزاح وصف الرئيس سعد الحريري بـ”الفينيقي” ووصف نفسه بـ”العربي”، وكان كمن يؤكد للمصطادين بالماء العكر متانة تحالفهما والتفاهم الكامل بينهما على كل الأمور المفصلية. حول موقفه من أي اعتداء اسرائيلي على لبنان، قال جعجع بلا تردد سنكون جميعا صفا واحدا بوجه العدوان. و حين سئل عن يوم الرابع عشر من شباط (فبراير) بدا متماهيا مع دولة سعد الحريري الذي قال في حديث للـ(بي بي سي) حول نفس المناسبة: “في هذا اليوم استشهد رفيق الحريري، و يومها تم كسر حاجز الخوف، و حينها رأت الناس لبنان بشكل آخر ونزلت الى الساحة من أجل لبنان ورفيق الحريري والحقيقة والعدالة “. وكأن الشكل الآخر للبنان هو الشكل الفينيقي الذي لمح له جعجع. حول نفس الموضوع قال الدكتور جعجع للاعلامية يعقوبيان: ” 14 شباط هي النقطة التأسيسية لكل ما أنجز بعدها، في هذا اليوم حصل اللقاء بين مختلف اللبنانيين”. وكأنه كان يقول بين كل اللبنانيين، “الفنيقيين” و”العرب”.
ذكّر قائد القوات اللبنانية أن النزول لساحة الشهداء هو لأهداف معينة تعمل قيادات الرابع عشر من آذار وجمهورها العريض على تحقيقها بكل الوسائل المتاحة. ومن أهم تلك الأهداف “العبور الى الدولة”. وذكر المتباكين المستجدين على دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري بأنهم كانوا الى الأمس القريب و حتى بعد استشهاده يهاجمونه، و أكد على وطنية ذلك اليوم و ضرورة أن يكون جامعا دون أن ننسى أن الرئيس رفيق الحريري لم يتوفّ على سريره انما تم اغتياله بهدف تعطيل مسيرة الحرية والسيادة والاستقلال التي كان الشهيد قد رفع رايتها ليؤسس للبنان الرسالة المتنوع الحضارات المتميز عن محيطه.
بعد خمس سنوات من النضال المرير في سبيل السيادة والحرية والاستقلال ورغم تعب البعض وتقديمهم التنازل تلو التنازل من 7 أيار المشؤوم الى اليوم، ويعبدون طريقهم نحو دمشق على حساب المرحلة السابقة بحسناتها وأخطائها، يبدو جمهور الرابع عشر من آذار واثقا من النصر مصرا على التغيير وواقفا وراء سعد الحريري الراغب بمعالجة الملفات اللبنانية الخارجية على طريقته الخاصة و التي يلخصها بشعار كتلته النيابية ” لبنان أولا ” مختلفا مع حليف الأمس وليد جنبلاط الذي أطل علينا بمقابلة مع جريدة “السفير” يوم الثلاثاء 9 شباط (فبراير) ليدعو قوى الرابع عشر من آذار الى ترجمة التسوية التي حصلت بزيارة الرئيس سعد الحريري الى سوريا بعلاقات أمنية تحفظ الأمن اللبناني من أي اختراق اسرائيلي أو غير اسرائيلي موجه ضد سوريا. و كأن المطلوب تسليم دفة الأمور من جديد الى المندوب السامي السوري ليقرر، تحت شعار “حماية الأمن القومي”، كل تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية على قاعدة اما معنا أو ضدنا و يوجه بموجب تلك القاعدة الاتهامات بالعمالة و الارتزاق لكل من يخالفه و صولا الى الالغاء الجسدي و السياسي كما حصل مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري و قبله مع قائد القوات اللبنانية سمير جعجع الذي حل حزبه وزج بالسجن. دعوة وليد جنبلاط تلك أعادتني بالذاكرة الى آخر مقال سطره شهيد الاستقلال جبران تويني الذي خاطب نائب الرئيس السوري فاروق الشرع قائلا “ليت الوزير الشرع – و لو كان حيا اليوم لقال “الرئيس الأسد” من باب تصريحه منذ عدة أيام للصحافي الأميركي حول ضرورة تغيير النظام اللبناني والا فالحرب الأهلية- يفهم ويقتنع بأن عهد الوصاية السورية على لبنان قد ولى، و بأن اللبنانيين يعرفون مصلحتهم و يغارون عليها أكثر مما يغار عليها النظام السوري الذي يحاول اعادة عقارب الساعة الى الوراء من أجل معاودة وضع اليد على لبنان وفرض وصايته عليه، بينما هدف اللبنانيين هو تحصين استقلال بلادهم وحماية سيادة وطنهم ووحدته بعد انتفاضة الاستقلال وانسحاب القوات السورية منه”. حين تكلم الدكتور جعجع بسياق المقابلة عن الدولة ودورها بحماية مواطنيها وفرض النظام كان وكأنه يردد مع شهيد ثورة الأرز سمير قصير في كتابه “عسكر على مين” الجمهورية اللبنانية مقام لا يعلوه مقام فحذار أن يستقوي عليها أي قائم مقام”.
كلمة أخيرة للنائب ميشال عون: على مدار التاريخ و منذ ما بعد أحداث 1840 والموارنة يتمتعون باستقلالهم وحريتهم. وقد لعب بطريركهم الياس الحويك العام 1920 دوراً هاماً في اعلان دولة لبنان الكبير. لقد زرع المسيحيون في هذا الشرق ثقافة حب الحياة منذ سبعة آلاف سنة وكانت عناصرها الدائمة هي الديمقراطية ، والحريات والانفتاح والتعددية والمحبة والسلام. ليكن عيد شفيعهم مارمارون فرصة للصلاة والتفكير وتثبيت دورهم السيادي والاستقلالي وليس مناسبة لربطهم باصولية تفرض عليهم ثقافتها فيما يخص العداء والخيانة والوطنية، حتى لا تباغتك “مثالثة” أو “تغيير النظام” فتضيّع وطنا ستبكيه كالنساء ولم تدافع عن استقلاله وحريته كالرجال.
mammassoud@yahoo.com
* كاتب لبناني- دبي